"ما كاين والو" لمرزاق علواش: سيناريو يحتاج إلى عمق

20 نوفمبر 2024
تسرّع مرزاق علواش يصنع أفلاماً أقلّ من عادية (لويك فونانس/فرانس برس)
+ الخط -

استمع إلى الملخص

اظهر الملخص
- يعاني المخرج مرزاق علواش من تراجع في جودة أفلامه الأخيرة بسبب التسرع في الإنتاج وكتابة السيناريوهات بنفسه، مما أدى إلى ضعف في بناء الشخصيات والمواضيع.
- فيلم "ما كاين والو" يعكس هذا التراجع من خلال اعتماده على مواضيع مستهلكة ومشاهد مطولة، مما أفقده العمق الفلسفي واللغة السينمائية المثيرة للنقاش.
- رغم الأداء المميز لحميدة آيت الحاج، لم يُمنح الممثلون الآخرون الفرصة لإبراز مواهبهم، مما جعل الأدوار تبدو جامدة وغير متطورة.

لا بُدّ لمتتبّع جيّد، يملك مرجعية نقدية وذائقة سينمائية سليمة، مُلاحظة تآكل موهبة المخرج الجزائري مرزاق علواش (1944)، خاصة في أعماله الأخيرة، كـ"تحقيق في الجنّة" (2017)، و"ريح ربّاني" (2018)، و"مدام كوراج" (2015). هذا يؤكّده أيضاً جديده "ما كاين والو" (2023).

أسباب هذا التراجع عدّة، أهمها كتابته سيناريوهات أفلامه، والتسرّع في تحقيقها وإطلاق عروضها (فيلمٌ كلّ سنة تقريباً)، وعدم إعطائها وقتاً مناسباً للتمحيص والتروي والتقليب. كما أظهر عدم فهمه طريقة تفكير الشباب الحاليين، بحكم البُعد العمري بينه وبين شخصيات أفلامه، إذْ تتقارب أعمار معظمها، وترتبط بالشباب والطيش والغرور ومحاولة التأقلم. هذا ليس عن بعض الشخصيات الرئيسية في تلك الأفلام، لأنّ وجودها، وإنْ كان محورياً، يتحوّل إلى هامش، من خلال سيطرة الروح الشبابية على مفاصله وأبعاده الأخرى.

كما أنه لم يوفّق، إلى حدّ ما، في اختيار مواضيع تلك الأفلام، التي تجري أحداثها في الجزائر، في ظلّ غياب العيش الذي يقود إلى فهم طبيعة الأشياء (أمضى معظم سنواته الأخيرة في فرنسا). لذا، عندما يوظّف الخطاب الديني، أو يتناول تابوهات معيّنة، يعالجها بطريقة فجّة، فيظهر مخرجاً وكاتب سيناريو في صورة المتحامِل، الذي يختار تلك المنطلقات لإثارة نقاشات، أو ما تتركه من أثر، فيكون التأثير عكسياً، وتتوسّع الهوّة بين الفيلم والمتلقّي، عامة.

اختار علواش جملةً من قاموس الدارجة الجزائرية عنواناً لفيلمه: "ما كان والو"، ومعناها: "لا يوجد شيء". انتقاه لأنّه يتّكئ على مرجعية ساخرة، تحوّلت إلى "ترند" في وسائل التواصل الاجتماعي، ذكرها أحدهم لوصف طريقة تفكير الجزائريّ الذي يقول تلك الجملة، عن اختراعات واكتشافات كبيرة، في حين أنّه لا يملك أيّ بديل علمي. ورغم أنّ العنوان قويّ، يصعب ربطه بموضوع الفيلم.

إنّها قصة وردية (حميدة آيت الحاج)، مُعيلة ابنها المعوّق (محمد أوغليس)، الذي يبلغ من العمر 25 عاماً. تُركَت وحيدةً، بعد أنْ تخلّى عنها زوجها، فوجدت نفسها في دوّامة الإدمان على الكحول، ما أثّر كثيراً على مهنتها ممثّلةً. تمّ إقصاؤها من بطولة مسرحية بسبب سلوكياتها السلبية، وهذا معطى فاقم وضعها، وأثّر عليها بشكل كبير، فتعاني وحدها آلاماً، أمام ابنها. ثم تحدث أشياء غريبة، بعد مقتل جارتها، التي كانت تتلاعب بابنها وتُهينه، كما تمّت تصفية الممثلة التي اختيرت بدلاً منها، فيُشَكّ بها، خاصة أنّها كانت على صلة مباشرة بهما. تتناسل القصة أكثر في ظلّ هذا المحتوى البوليسي، الذي يؤدّي إلى احتمالات عدّة.

 

سينما ودراما
التحديثات الحية

 

في فيلمه هذا، لم يحد علواش عن العاديّ، ولم يُقدّم أيّ مستوى جمالي يُمكنه خدمة فنّية العمل، الذي تناول فيه مواضيع مُستَهلكة وغير ناضجة، يُمكن إسقاطها بسهولة على أبسط عمل تلفزيوني. كما أنّه أطنب في مَشاهد عدّة (توليف علواش وشفاء جلول)، وكان يمكنه التخلّي عن كثير منها، وتقليص المدة الزمنية (101 دقيقة). أكثر من هذا: القصة جافة، وغير مشحونة بأبعاد فكرية وفلسفية، تُدخل المتلقّي إلى الفيلم عبر تأويلات عدّة، وتفسيرات تُثير نقاشات. الفيلم خالٍ من اللغة السينمائية، التي تخدم أبوابه كلّها، قصة وسيناريو وبناء ومنطلقات.

الاستسهال والإسراع في تنفيذ سيناريو "ما كاين والو" أوجدا فجوات مختلفة، كان يُمكن تفادي بعضها لو تمت مشاركة متخصّص أو أكثر، بوسعه/هم التنبّه إلى كلّ ضعفٍ فيه، ومحاولة إصلاحه، وتغييره عامة. هكذا، يُصنع فيلمٌ بأبعاد جمالية، بدل رصّ المَشاهد، وتكرار الحوارات القديمة ـ الجديدة، وتوظيف عملية القاتل الغامض لخلق تشويق ما. كما أنّه أوجد شخصيات يُمكن التخلّي عنها بسهولة، وجعلها من دون تبرير درامي، كصديقي الابن المعوّق لوردية، في مشهد أخذه إلى البحر، حيث مسح أحدهما قدميه بالماء. لكنّ هذا التوظيف ـ المشهد لا يُقدّم شيئاً، إذا كانت الضرورة الدرامية تستدعي حدوث شيءٍ ما، كالسخرية منه برميه في البحر، والانتقام من حادثة قديمة. هذا لم يحدث. لذا، كان ضرورياً التخلّي عنه من دون أنْ يتضرّر الفيلم. وهذا حاصلٌ أيضاً في مشاهد أخرى.

أثبتت الممثلة حميدة آيت الحاج، كعادتها دائماً، موهبتها ومقدرتها، بعكسها شخصية المرأة المجروحة، التي خذلها الجميع، والتي تعيش آلامها وحدها، وتحاصرها الأوجاع من كلّ جهة. تلاعبت بالانفعالات البشرية، وتنقّلت بسهولةٍ من عاطفة إلى أخرى: تُضحك المتلقّي وتُبكيه في المشهد نفسه. في المقابل، لم تُمنح الفرصة نفسها للممثل محمد أوغليس، في الشخصية التي اختير لها، فكان دوره جامداً، وهذا ليس بسبب قلّة موهبة، بل لأنّ علواش حاصره في تلك الزاوية، ورأى أنّه يخدم القصة بتلك الطريقة.

"ما كاين والو" فيلمٌ مُتسرّع، يفتقر إلى مقوّمات السينما الجيدة التي يصنعها السيناريو المتقن، والمعالجة المختلفة، وتنقصه عناصر بصرية وفكرية وجمالية كثيرة.

المساهمون