ليوناردو دافنشي: هل فكّر في الجاذبية قبل سقوط التفاحة؟

06 ابريل 2023
كان دافنشي عالم جيولوجيا وعالم نبات وموسيقياً ومعمارياً ونحاتاً (ميغيل مدينا/ فرانس برس)
+ الخط -

يمثل الفنان الإيطالي البارز ليوناردو دافنشي (1452 – 1519)، تجسيداً لعصر النهضة، لما تمتع به من مواهب ومعارف موسوعية. لم تقتصر اهتمامات صاحب موناليزا والعشاء الأخير على الرسم فقط، فقد كانت مواهبه وبراعته تفوق قدراته الفنية الفذة كرسام، إذ كان عالم جيولوجيا وعالم نبات وموسيقياً ومعمارياً ونحاتاً، وله مساهمات خلاقة في عديد من المجالات.
في كتابه "تراث دافنشي"، المنقول إلى العربية عن المركز القومي للترجمة في القاهرة، يقول المؤرخ الألماني شتيفان كلاين: "إن الموجة الأولى من الانبهار بالعبقري الإيطالي بدأت تتزايد قرب نهايات القرن التاسع عشر، عندما بدأ العلماء الأوائل في تأمل رسوم دافنشي التقنية. وجد هؤلاء العلماء أن الأجهزة التي يعتبرونها النعمة التي جاد عليهم بها عصرهم، قد سبقهم إليها هذا العبقري في رسومه. فقد صمم دافنشي العديد من الأجهزة والآلات، بدءاً من آلات قص القماش، إلى المطارق، وآلات رفع المياة وآلات صقل المرايا وقياس الطرق والمساحات. وكانت لديه قناعة أن الآلة يمكن أن تتولى أصعب المهام نيابة عن الإنسان، متبعاً الأهداف نفسها التي وضعها مهندسو عصر الصناعة".
ويرى كلاين أن حلم الطيران كان أحد أكثر الأحلام التي داعبت خيال دافنشي على الإطلاق، إذ امتلأت أوراقه - في ما يشبه الهوس - بمئات من الرسوم عن الطيران الصناعي وعن آليات الدفع وحركة أجنحة الطيور. كما تمتلئ مخطوطاته بملاحظاته وتأملاته المكتوبة عن تيارات الهواء، وعن القوى التي تسيطر على جسم الطائر، وتأكيده الدائم أن الطيران لا يعني الرفرفة، وأنه بالإمكان صنع آلة قادرة على التحليق في يوم ما. وهناك العديد من الدلائل على أن ليوناردو دافنشي لم يكتف بوضع هذه التصاميم والرؤى فقط، بل ربما أقدم على تجربة الطيران أيضاً.

دراسة رياضية مبكرة في هذه المخطوطات، تفكك حركة الجاذبية وتسارع الأجسام المطرد عند السقوط من أعلى

يبدو أن مساهمات دافنشي في مجال العلوم لا تزال قيد الاكتشاف حتى يومنا هذا؛ إذ يشير اكتشاف حديث إلى أن دافنشي سبق كلا من غاليليو ونيوتن إلى اكتشاف قوانين الجاذبية. هذا ما أثبته فريق الباحثين، بقيادة الباحث الأميركي من أصل إيراني مرتضى غريب (Morteza Gharib).
في بحثه المنشور أخيراً في مجلة ليوناردو، أشار غريب إلى نتائج دراستهم المتأنية لمخطوطات آروندل (Codex Arundel)، التي كتبها دافنشي بخط يده. التفت فريق الباحثين إلى وجود دراسة رياضية مبكرة في هذه المخطوطات، تفكك حركة الجاذبية وتسارع الأجسام المطرد عند السقوط من أعلى.
أثناء دراسته لتلك المخطوطات، التفت غريب، وهو الأستاذ في علم الطيران في معهد كاليفورنيا للتكنولوجيا، إلى وجود بعض الرسوم التوضيحية المُنجزة على هامش إحدى الصفحات. تُظهر الرسوم التخطيطية إبريق ماء تتدفق محتوياته على شكل قطرات دائرية كبيرة، بينما يظهر مسار هذه المحتويات للخارج وللأسفل على طول وتر المثلث المجاور. يتم تقسيم قوة الجاذبية إلى أقسام بواسطة خطوط عمودية على طول المثلث، وتظهر أنها تتسارع ببطء، حيث تنخفض محتويات الماء بشكل أسرع بمرور الوقت. وجد غريب أنه من خلال هذا الرسم، اقترب دافنشي من تقدير ما يعرفه الفيزيائيون باسم "ثابت الجاذبية"، وهو بهذا يسبق غاليليو الذي غالباً ما يُنسب إليه الفضل في الإشارة إلى قانون الجاذبية.
نُشر عمل غاليليو حول الجاذبية في كتابه الصادر عام 1632 بعنوان "حوار حول النظامين الرئيسيين للكون". في ذلك الكتاب، يصف غاليليو تجربة أجراها لإسقاط جسمين بأوزان مختلفة من أعلى برج بيزا المائل، ليثبت أنهما يسقطان بالمعدل نفسه. ساعدت هذه التجربة في التأكد من أن جميع الأجسام، بغض النظر عن وزنها، تتأثر بالجاذبية بالطريقة نفسها.

سوشيال ميديا
التحديثات الحية

لا شك أن إنجاز غاليليو كان مهماً بالطبع، غير أن هذا الاكتشاف الأخير يُثبت أن دافنشي كان يفكر في مفهوم الجاذبية قبل غاليليو بقرن من الزمان. كان دافنشي معروفًا بفضوله وتجربته، ومن المرجح أنه أجرى تجاربه الخاصة للوصول إلى استنتاجه حول القوة الطبيعية للأجسام المتساقطة. ولسوء الحظ، لم يتم العثور على سجلات مكتوبة لمثل هذه التجارب.
تجدر الإشارة إلى أن فكرة الجاذبية وسقوط الأجسام لم تكن أمراً مستحدثاً في عصر دافنشي، إذ نوقشت من قبل في أزمنة مختلفة، غير أن الاعتقاد الذي كان سائداً هو أن الأجسام الثقيلة تسقط أسرع من الأجسام الأخف وزناً. وبهذا الاكتشاف، يكون دافنشي هو أول من أثبت أن جميع الأجسام تسقط بالمعدل نفسه.

مخطوطات أروندل هي مجموعة من الملاحظات والرسومات التي جمعها دافنشي بين عامي 1480 و1518، وهي محفوظة اليوم في المكتبة البريطانية. تحتوي هذه المخطوطات على ثروة من المعلومات حول مواضيع تراوح من علم النبات إلى الهندسة.
ظلت هذه المخطوطات في حوزة المكتبة البريطانية لأكثر من قرن من الزمان، من دون الالتفات إلى ما تعنيه هذه الرسوم الهندسية التي خطها دافنشي على هامش إحدى الصفحات. ويرى الباحث الأميركي مرتضى غريب أن عدم الالتفات إلى هذا الاكتشاف من قبل، يعود في الغالب إلى أن المخطوطة تمت دراستها من قِبل مؤرخي الفن وليس العلماء. من ناحية أخرى، يؤكد هذا الاكتشاف على أهمية الحفاظ على الوثائق التاريخية وإتاحتها للدراسة، لأنها قد تحتوي على كنوز مخفية يمكن أن تعيد تشكيل فهمنا للعالم.

المساهمون