كيف ساهم صحافيان في الكشف عن فضيحة "ووترغيت" قبل 50 عاماً؟

16 يونيو 2022
لعب بوب وودورد وكارل بيرنشتاين دوراً كبيراً في استقالة نيكسون (Getty)
+ الخط -

قبل 50 عاماً أدّى القبض على خمسة جمهوريين في مكتب بواشنطن إلى استقالة تاريخية لرئيس الولايات المتّحدة آنذاك ريتشارد نيكسون، وهي استقالة ستتردّد أصداؤها في جميع أنحاء العالم، وستُعرَف باسم "ووترغيت".

منذ أن أعطى المبنى الواقع على ضفاف نهر بوتوماك اسمه لواحدة من أشهر الجرائم السياسية في الولايات المتّحدة، صارت كلمة "غيت" مرافقة لكلّ الفضائح السياسية في جميع أنحاء العالم، وهو ما اختبره رئيس الوزراء البريطاني بوريس جونسون أخيراً، مع فضيحة مخالفته لقواعد الحجر الصحي خلال جائحة كورونا، التي صارت تعرف باسم "بارتي غيت".

شكّلت "ووترغيت" مفصلاً أساسيّاً في التاريخ السياسي الحديث للولايات المتّحدة. لكن، بحسب وكالة "فرانس برس"، ما كان ذلك ليتحقّق لولا الدور الأساسي الذي لعبه صحافيّان في جريدة "واشنطن بوست" في تسليط الضوء على مخالفات الرئيس نيكسون.

الكشف عن فضيحة "ووترغيت"

فجر 17 يونيو/ حزيران من عام 1972، قُبض على خمسة أعضاء في الحزب الجمهوري في مقر اللجنة الوطنية للحزب الديمقراطي بمجمع ووترغيت للفنادق والمكاتب في العاصمة واشنطن.

كان الرجال الخمسة، الذين ادّعوا أنّهم سبّاكون، يركّبون معدات للتصوير الفوتوغرافي وللتسجيل للتنصّت على الديمقراطيين.

صباح اليوم التالي، نشرت صحيفة "واشنطن بوست" على صفحتها الأولى خبر الاقتحام الذي وقع خلال حملة إعادة انتخاب الرئيس الجمهوري ريتشارد نيكسون.

كان كاتبا التقرير صحافيين شابين، هما بوب وودورد وكارل بيرنشتاين، اللذان وجّها أصابع الاتهام بوضوح إلى عضو لجنة إعادة انتخاب نيكسون والعضو السابق في وكالة المخابرات المركزية، جيمس مكورد، كواحدٍ من المتسلّلين الخمسة. وأكّد الصحافيان أنّ ذلك يعني بالضرورة تورّط البيت الأبيض في عمليّة التنصّت.

من جهته، نفى نيكسون أيّ تورط لإدارته في هذه القضية، وبدا أنّ ما حصل لن يثير الرأي العام.

لم يثبّط ذلك من همّة الثنائي الصحافي لإثبات تورّط البيت الأبيض في القضية.

بالتعاون مع مصدرٍ سري، أسمياه "ديب ثروت"، على اسم فيلمٍ إباحيٍ شائعٍ آنذاك، تمكّن الصحافيان من تأكيد تورّط رجلين يعملان لنيكسون، إضافةً إلى مساعده الخاص تشارلز كولسون في توجيه المتسلّلين خلال مهمة زرع أجهزة التنصّت، وذلك عبر استخدام أجهزة اتصال لاسلكية من فندق يقع على مقربة من مكتب الديمقراطيين.

بعد سنوات طويلة، في عام 2005، كُشف عن هويّة المصدر السرّي، الذي لم يكن سوى نائب مدير مكتب التحقيقات الفيدرالي، مارك فيلت.

بين أكتوبر/ تشرين الأوّل من عام 1972 ونوفمبر/ تشرين الثاني من عام 1973، التقى وودورد مصدره السرّي ستّ مرات في ساحة انتظار سيارات في واشنطن.

وفي 10 أكتوبر من عام 1972، كشف وودورد وبيرنشتاين عن فضيحة تجسّس وتخريب سياسي واسعة النطاق يقودها الرئيس نيكسون، الذي كان يسعى لإعادة انتخابه.

بيّن الصحافيان كيف اختُلست مئات الآلاف من الدولارات من التبرعات لحملة نيكسون من أجل تمويل حملة سريّة تزعزع استقرار المعسكر الديمقراطي بهدف إفشال مرشّحه للانتخابات.

على الرغم من الجدل الذي أثاره انتشار هذه المعلومات، إلّا أنّ نيكسون نجح بالفوز في الانتخابات في 6 نوفمبر/تشرين الثاني من العام نفسه، في مواجهة منافسه الديمقراطي جورج ماكغفرن.

حتّى مع بدء محاكمة جواسيس "ووترغيت" في يناير/ كانون الثاني من عام 1973، استمرّ الرأي العام بتجاهل الموضوع. لكن مع تشكيل الأكثرية الديمقراطية في الكونغرس لجنة مكلّفة التحقيق في الانتخابات الرئاسية، بدأت أسرار الفضيحة بالانكشاف وسط انذهال الجمهور الذي تابع الجلسات عبر التلفزيون.

اعترف مكورد بالكذب أمام المحكمة بسبب ضغوط من البيت الأبيض، واستقال المدّعي العام ريتشارد كلايندينست واثنان من مساعدي الرئيس، هما بوب هالدمان وجون إيرليشمان، كذلك طُرد مساعد ثالث هو جون دين.

على الرغم من كلّ ذلك، بقي منصب نيكسون في مأمن نسبيّاً، لولا إعلان أحد موظّفي البيت الأبيض في صيف العام نفسه أنّ الرئيس قد سجّل سراً جميع اجتماعاته في البيت الأبيض. في التسجيلات التي كُشف عنها، يُسمع نيكسون وهو يأمر مكتب التحقيقات الفيدرالي بالبقاء بعيداً عن التحقيق في قضية اقتحام مكاتب الديمقراطيين والتنصّت عليها.

لم يستطع نيكسون المواصلة، واضطرّ إلى الاستقالة في عام 1974، بعد زيارة وفد من رجال الكونغرس الجمهوريين، بقيادة باري غولدووتر، أبلغوه فيها أنّه سيعزل ما لم يستقل.

في النهاية، أصدر الرئيس الذي خلفه جيرالد فورد عفواً عنه، لكنّ العديد من مساعديه ذهبوا إلى السجن.

بين نيكسون وترامب

في يونيو من عام 1974، وودورد وبيرنشتاين اللذان لعبا دوراً رئيسياً في إسقاط نيكسون، أصدرا كتاباً تناول القضيّة، حمل اسم "كلّ رجال الرئيس"، حيث يكشفان فيه عن الجوانب والمعلومات المختلفة للفضيحة.

ومع إصدار طبعةٍ جديدةٍ من الكتاب أخيراً، كتب المراسلان مقدّمة جديدة، تربط بين ما جرى في عهد نيكسون، وفترة الرئيس السابق دونالد ترامب.

بالنسبة إلى وودورد وبيرنشتاين، يتشابه نيكسون وترامب لناحية إحساسهما بأنّهما محاصران من قبل الأعداء، إن كان في وسائل الإعلام، أو في مؤسّسات الدولة.

لكن يظلّ ما فعله ترامب من تحريض لمناصريه على اقتحام مبنى الكابيتول بعد خسارته الانتخابات، أمراً خيالياً لم يكن نيكسون ليفكّر فيه حتّى. ويقول الكاتبان: "من الواضح أنّ ما فعله يساوي إشعال الفتنة، بحسب التعريف القانوني... وهكذا يكون ترامب أوّل رئيس مثير للفتنة في تاريخنا".

وبحسب وكالة "فرانس برس"، يرى كثير من المحلّلين أنّ المشهد السياسي والإعلامي اختلف جذرياً في تعاطيه مع نيكسون وترامب، في ما يتعلّق بالعواقب المترتبة عن أفعال الرئيسي.

ففي عام 1974، تدخل السيناتور الجمهوري غولدووتر لإقناع نيكسون بالاستقالة، لكنّ ذلك لم يحدث خلال السعيّ لاستجواب ترامب وعزله، إذ حافظ معظم السيناتورات الجمهوريين على تأييدهم للرئيس السابق.

وبينما صوت الكونغرس بالإجماع على تشكيل لجنة تحقيق مشتركة بين الأحزاب بشأن "ووترغيت"، استخدم الجمهوريون في وقتنا الحالي حقّ النقض ضدّ تشكيل لجنة من الحزبين وعاقبوا عضوين انضما إلى لجنة مجلس النواب التي يقودها الديمقراطيون للتحقيق في أحداث الكابيتول.

في عام 1974، تابع حوالى 80 مليون أميركي الشهادة المتلفزة لجون دين ضد نيكسون في جلسات استماع "ووترغيت". في المقابل، شاهد حوالى 20 مليوناً، أي ستّة في المئة فقط من الأميركيين، جلسة الاستماع الأولى التي أقامتها لجنة التحقيق في هجوم الكابيتول.

بالنسبة إلى مؤلّف كتاب "ظل نيكسون: تاريخ صورة"، ديفيد غرينبرغ، كانت جلسات الاستماع في قضية ووترغيت "أساسية" في إسقاط رئيسٍ كان يحاول تقويض الديمقراطية.

وقال لوكالة "فرانس برس": "في العامين 1973 و1974، انتهى الأمر بالعديد من أعضاء الكونغرس الجمهوريين إلى الاعتراف بأنّه متورط في نشاط إجرامي". يتابع: "اليوم، قلّة فقط أبدوا استعداداً للاعتراف بتواطؤ ترامب. بيئتنا المستقطبة والحزبية قد تمنع جلسات الاستماع في 6 يناير من تحقيق كل ما هو مطلوب منها".

بدوره، يقول المذيع السابق لشبكة سي إن إن ريك سانشيز: "في وقت ووترغيت، كان الأميركيون متّحدين وواثقين بمصادرهم الإعلامية كجزء من محادثة وطنية واحدة. لكنّ هذا مستحيل اليوم".

يرى سانشيز أنّه لو كانت القنوات الإخبارية اليمينية التي تهيمن على الخطاب المحافظ الحالي موجودة في السبعينيات، لكانت فضيحة ووترغيت "مجرّد قصة أخرى في نشرات الأخبار الأميركية".

المساهمون