قاد شغف ثلاث مهندسات متخصصات في الجانب المعماري في قطاع غزة، إلى تدشين مشروعهنّ الرقمي المتخصص في توثيق الآثار الفلسطينية والأماكن القديمة بطريقة عصرية تواكب التكنولوجيا المختلفة. وبدأت رحلة فريق "كنعان" بتجربة فردية قادتها المهندسة نسمة السلاق، عام 2015، قبل أن تلتحق بها كل من سندس النخالة وميار حميد، بالإضافة إلى شاب متخصص في البرمجيات، يتولى مسؤولية تطوير الموقع الإلكتروني.
وتمكن الفريق على مدار السنوات الثلاث الماضية من توثيق جميع المناطق الأثرية الموجودة، وتوفير كامل المعلومات عنها، بما يسمح لمتصفّح الموقع التجول الافتراضي ومشاهدة مقاطع فيديو وصور عنها في أي مكان بالعالم. ولم تقتصر عملية التوثيق الرقمي للفريق على اللغة العربية، إذ حرصوا على نقل معلومات وتوفيرها باللغة الإنكليزية عن أشهر المناطق الأثرية الموجودة في القطاع. وتقول السلاق لـ"العربي الجديد"، إن التجربة كانت قبل قرابة 6 سنوات، حينما بدأت بالتفكير في توثيق المباني الأثرية والقديمة بطريقة جديدة تمزج بها توثيق التراث بالأدوات التكنولوجية الحديثة، التي تسهّل نقلها للأجيال الصاعدة.
وُثِّق 311 مبنىً و76 موقعاً أثرياً موجوداً في قطاع غزة
وكان اختيار اسم "كنعان" مرتبطاً بالحضارة الكنعانية التي كانت أولى الحضارات التي عاشت في فلسطين. وتعتبر مختلف الأماكن الأثرية الموجودة بها شاهدة على هذه الحضارة التي تعود الأصول الفلسطينية إليها تاريخياً. وتوضح المهندسة المعمارية أن التجربة الأولى كانت لمشروع "كنعان" في توثيق دير القديس هلاريون، أحد الأماكن الأثرية في غزة، التي وُثِّقَت بنحو كامل إلى جانب التصوير بدرجة 360 درجة، وتوفير مقاطع فيديو تسمح لأي متصفح حول العالم بالتنقل في المكان افتراضياً. وخلال أعوام 2018 و2019 انتقل الفريق إلى توثيق مناطق جديدة عبر مشروع من منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة "اليونسكو"، وُثِّق خلاله السجل الوطني الثقافي في قطاع غزة باستخدام أدوات خاصة مثل الطائرات المخصصة للتصوير "الدرون" إلى جانب أدوات النظم الجغرافية وتطبيقات الهواتف الذكية.
وبحسب السلاق، تمكن الفريق خلال تلك الفترة من توثيق جميع المناطق الأثرية، سواء فوق الأرض، أو تحتها، بعد فترة طويلة من العمل في غزة، وانتقل بعدها للعمل على التوثيق في بلدة عرابة بجنين في الضفة الغربية المحتلة، من خلال فريق موجود هناك. من جانبها، تقول المهندسة المعمارية سندس النخالة، إحدى أعضاء الفريق، إن الفريق واجه العديد من الصعوبات خلال العمل، كان أبرزها استخدام التصوير الجوي "بالدرون" من أجل رسم المباني بتقنية ثلاثية الأبعاد. وتضيف النخالة لـ"العربي الجديد" أن من بين العقبات التي واجهتهم أيضاً، كانت قلة المصادر والمراجع، إذ لا يوجد مصدر حول طبيعة المواقع الأثرية الموجودة تحت الأرض، وهو ما دفع الفريق إلى البحث حتى وصلوا إلى وثيقة تابعة لجريدة الوقائع الفلسطينية الصادرة عام 1945. وبحسب المهندسة المعمارية التي كانت تشرف على الفريق الميداني الذي تولى عملية التوثيق، فقد وثقوا 311 مبنىً و76 موقعاً أثرياً موجوداً في قطاع غزة، فيما كان أكثر من 50 في المائة من هذه المنازل مهجوراً دون اهتمام.
وتشير إلى أن هناك الكثير من المنازل القديمة والبيوت الأثرية التي تتعرض للهدم من أجل استبدالها بمبانٍ استثمارية، وهو ما كان يسبب معاناة كبيرة لهم خلال عملية التوثيق لهذه المنازل أو المناطق، فضلاً عن عدم تقبل البعض توثيق هذه المناطق. وموقع "كنعان" أول موقع فلسطيني في غزة يطلق على نفسه وصف السجل الرقمي المتخصص في توثيق الآثار والتراث الفلسطيني، بالإضافة إلى وجود تطبيق خاص بالهواتف الذكية يتداول ما يُنشَر عبر الموقع.
وتبدو تجربة المهندسة المعمارية ميار حميد مختلفة عن باقي الفريق، فإلى جانب مشاركتها في التوثيق، كانت تتولى نقل هذه التجربة عبر حساباتها الشخصية في مواقع التواصل الاجتماعي، قبل أن تنتقل لتوثيقها عبر الحسابات الخاصة بالفريق. وتؤكد حميد لـ"العربي الجديد" وجود اهتمام كبير وشغف لدى الكثير من المتابعين بما ينشر ويوثق الأماكن الأثرية والمنازل القديمة التي يزيد عمرها على 100 عام. وشكل توثيق المهندسة الفلسطينية ونقل التجارب اليومية للفريق وزيارتهم الميدانية للأماكن القديمة والأثرية كسراً للنظام النمطي التقليدي الذي اعتاده متصفحو المواقع الإلكترونية ورواد مواقع التواصل الاجتماعي المختلفة.