استمع إلى الملخص
- القوائم أصبحت أداة سياسية قوية تُستخدم لتوجيه الاتهامات دون أدلة واضحة، مثل قوائم إبستين، مما يؤثر على الانتخابات وصناعة الموسيقى، ويساهم في انتشار نظريات المؤامرة.
- مفهوم القوائم يمتد إلى مجالات أخرى، حيث يمكن أن تربط بين أشخاص وأحداث بطرق غير متوقعة، مما يجعلها أداة فعالة ولكن خطرة في تشكيل الرأي العام.
نشر، أخيراً، الصحافي الأميركيّ مايكل ولف، ضمن بودكاست "النار والغضب"، مقتطفات من تسجيلات تعود إلى عام 2017، نسمع فيها سيئ السمعة جيفري إبستين متحدّثاً عن المرشح الجمهوري لرئاسة أميركا، دونالد ترامب، ضمن أكثر من 100 ساعة.
ولف الذي سبق أن ألّف كتاباً عن روبرت مرودخ، هو صاحب السيرة الذاتية لترامب "النار والغضب: داخل البيت الأبيض مع ترامب"، الذي صدر عام 2018، ويكشف فيه خلافاته مع طاقم العمل من حوله.
لطالما أنكر ترامب علاقته الوثيقة بإبستين، لكن الأخير في الشرائط يتحدث عن الخلافات داخل البيت الأبيض، والانقسام حول ترامب. ما يهمّنا ليس محتوى الشرائط، بل ظهورها فجأة قبل الانتخابات الرئاسية بأيام، في محاولة لربط إبستين مع ترامب وتشويه سمعة الأخير.
لكن علاقة ترامب وإبستين في ظل الانتخابات ليست قائمة على هذه الشروط وحسب، إذ وعد ترامب ناخبيه أنه في حال فاز بالانتخابات، فسينشر قائمة بكل روّاد "جزيرة الملذات" التي يمتلكها إبستين المتهم بالاتجار بالجنس وقتل نفسه في ظروف غامضة في السجن.
المفارقة هنا أن إبستين ذاته يُستخدم مرة وسيلةً لنيل أصوات الناخبين، وفي الوقت نفسه وسيلة لمحاولة إطاحة أحد المرشحين. قوة القائمة هنا تأتي فقط من كونها تجمع الأسماء، من دون اتهام واضح، أو دليل على المشاركة في جرم من نوع ما.
قائمة أخرى يلوح التهديد بها، تعود إلى ضيوف الرابر المعتقل حالياً باف ديدي، المتهم بالاتجار بالجنس والاختطاف ولائحة طويلة من التهم الموجهة إليه، ويقال إن هناك أيضاً قائمة بكل "مرتادي حفلاته"، لكن ما علاقاتها بالانتخابات الرئاسيّة؟
تدور الأقاويل حول بيونسيه، التي شاركت في دعم كامالا هاريس، وتقول الإشاعات إنها من العناصر الفاعلة أيضاً في حفلات ديدي الخاصة، وإنها مسؤولة عن مقتل عدد من نجوم الموسيقى، كمايكل جاكسون، وإن كل من لا تشكرها من المغنيات أثناء قبولها جائزة ما، فهي في خطر. بالطبع كل هذا نظريات مؤامرة، بل إن بيونسيه وزوجها جاي زي نفيا أي علاقة مع باف ديدي.
ما يهمنا إذن هو سطوة القائمة؛ أي مجموعة الأسماء التي تندرج تحت اتهام واحد، مهما كانت هذه الأسماء غريبة بعضها عن بعض. هذه سطوة تكشفها قوائم قادرة على تهديد الانتخابات الأميركية، وأخرى تهدّد صناعة الموسيقى. والمرعب أنه يكفي الاتهام فقط، لا داعي للحقيقة، يكفي فقط اجتماع الأسماء لتروج نظريات المؤامرة التي تتحول إلى أداة سياسيّة. وهنا تأتي قوّة القائمة بمعناها المجرد، هي ورقة بيضاء تحوي أسماء فقط، يكفي أن ترتب عمودياً حتى تكتسب معنى جديداً. وهذه بالضبط افتتاحية كتاب ميشيل فوكو "الكلمات والأشياء"، إذ يقتبس من حكاية لبورخيس قائمة، لا قيمة لها إلا في تجمع عناصرها.
القوائم أداة فعالة سياسياً وخطرة. هناك قوائم العار، وقوائم المقاطعة، وقوائم أسماء المشتركين في موقع آشلي ماديسون للخيانة الزوجيّة. القوائم "لانهائيّة"، بحسب تعبير أمبيرتو إيكو، سواء كنا نتحدث عن قائمة الكائنات الموجودة على درع أخيل، أو قائمة بأسماء رواد جزيرة جيفري إبستين. يمكن القول إن قائمة واحدة قد تختزل جميع البشر، لماذا؟
كل اسم يعرف آخر وهكذا دواليك. عدد لانهائي من الأسماء من الممكن أن تتكرّر حتى يجد الواحد منا أنه يبعد عن أي اسم في أي قائمة، إما مسافة شخص، أو عدد يمكن رصده من الأشخاص.
في عام 2004، أطلقت بيبسي إعلاناً يجمع بيونسيه وإنريكه إغلاسياس. الأخير أقام حفلاً في دمشق عام 2007، أي واحد من الحاضرين حينها يبعد عن بيونسيه مسافة شخص واحد. وبيونسيه قد تكون على قائمة باف ديدي، أي ضمن هذا المنطق الطفولي، أي واحد حضر حفل 2007 في دمشق، يبعد عن قائمة باف ديدي مسافة شخصين. وهنا بالضبط خطورة القائمة، لانهائية العلاقات، والاتهامات التي يمكن أن تنتجها.