قلق على مصير "تويتر" بين الناشطين والباحثين

26 نوفمبر 2022
لعبت "تويتر" دوراً بارزاً في ثورة يناير المصرية (كيم بدوي/Getty)
+ الخط -

من انتفاضات الربيع العربي إلى حركة مي تو (#MeToo) النسوية لفضح مرتكبي تحرشات جنسية تتعرض لها النساء، أثبتت "تويتر" مكانتها ودورها حليفة لناشطين سياسيين ومجموعات معارضة، لتصبح بذلك منصة يصعب استبدالها. قد يكون عدد مستخدمي منصات أخرى للتواصل الاجتماعي أكبر، لكن الشبكة التي بات يملكها الملياردير إيلون ماسك تهيمن على التواصل العالمي، رغم الضبابية التي تخيّم على مصيرها.

قالت الباحثة في منظمة أرتيكل 19 الحقوقية غير الحكومية مهسا علي مارداني: "من الواضح أن تويتر مؤثرة جداً في الاستحواذ على اهتمام وسائل الإعلام والمسؤولين. لها مكانة خاصة جداً وفريدة على هذا الصعيد". وأوضحت علي مارداني، لوكالة فرانس برس، أن التغريدات "تساعد الإيرانيين" خلال الاحتجاجات المناهضة للحكومة التي تشهدها البلاد منذ أشهر، في توثيق "آلام مواطنيهم ونضالاتهم"، كما تساعد العالم في توثيق ما يحصل.

وتشكل منصة تويتر شريان حياة مع العالم الخارجي، وتحديداً في بلدان تفرض قيوداً على الصحافة المستقلة والمراسلين الأجانب. هذا الأسبوع، أظهرت منشورات من داخل مصنع "آيفون" الصيني الذي تشغّله "فوكسكون" عمالاً يتمرّدون على الإغلاق المفروض لاحتواء كوفيد-19، ما ينسف محاولات الحكومة الإيحاء بأن الهدوء سائد، في خضم جهود كبرى تُبذل لاحتواء فيروس كورونا.

وقال الباحث المتخصص في الأنشطة الرقمية في ظل الأنظمة الاستبدادية ماركوس ميكايلسن: "من الأهمية بمكان استقاء معلومات من وسائل إعلام دولية، وتوثيق انتهاكات حقوق الإنسان والأعمال الوحشية".

في نهاية يونيو/ حزيران، بلغ عدد المستخدمين اليوميين لـ"تويتر" 237 مليوناً، وهو رقم أدنى بأشواط مقارنة بمنصتي تيك توك وفيسبوك، إذ يبلغ عدد المستخدمين اليوميين للمنصة الأولى مليار شخص، وللثانية مليارين. لكن الصيغة المختصرة والبسيطة تجعل من الشبكة قوة تتخطى حجمها في يد جماعات المعارضة، حيث يمكن لأي شخص أن يصبح "مواطناً صحافياً" ينشر بشكل فوري صوراً لا تريد السلطات الحكومية أن تُنشر.

اعتبرت الناشطة المصرية - البريطانية التي شاركت في انتفاضة ميدان التحرير في مصر عام 2011 ناديا أيدل أن تغريدات مناهضة للنظام في مختلف أنحاء الشرق الأوسط شجّعت الناس، إذ بيّنت لهم أنهم ليسوا وحيدين، وأضافت في حديثها لـ"فرانس برس": "قدرتها (تويتر) على نشر هذا الحدث على نطاق واسع وعدد الناشطين الذين كانوا يطلقون تغريدات بالإنكليزية" نقلت المشهد إلى الخارج.

إزاء تغريدات انتشرت على نطاق واسع وأثارت غضباً عارماً دولياً، يمكن لحكومات دول خارجية أن تلمس حجم ضغوط محلية تطالبها بالتحرك، أو على الأقل إدانة السلطات القمعية. وحتى في البلدان الديمقراطية حيث تعد "تويتر" مساحة رقمية للتواصل بين المسؤولين وأفراد المجتمع، يمكن للمنصة أن تزوّد الناشطين بوسيلة تمكّنهم من نشر آرائهم على نطاق واسع لم تكن سابقاً في متناولهم.

في العقد الأخير أصبح وسم #BlackLivesMatter (حياة السود مهمة)، مرادفاً للحركة التي انطلقت لتسليط الضوء على العنصرية والعنف الذي تمارسه الشرطة في الولايات المتحدة بحق الأميركيين المتحدرين من أصول أفريقية، ما وضع تحت المجهر ممارسات تمييزية غالباً ما كانت تمر بلا تعليق. وقال ميكايلسن: "يستخدمون ميزات تويتر ووسائل التواصل الاجتماعي لخلق هوية احتجاجية، لخلق شعور مشترك داخل الحركة"، وأضاف: "يعرفون أنهم قادرون على الوصول بشكل أكبر وأكثر مباشرة إلى الصحافيين وصنّاع القرار، مقارنة بإنستغرام على سبيل المثال".

سوشيال ميديا
التحديثات الحية

منذ البلبلة التي أحدثها استحواذ إيلون ماسك على "تويتر"، تخلى كثر عن المنصة، على خلفية هواجس من إقلاع مسؤولي المنصة عن التدقيق بشكل كاف في ما ينشر لإزالة المحتويات المضلّلة أو المستفزة. وحذّر ناشطون من أنه إذا زال "تويتر" سيخسر العالم سجلاً تاريخياً بالغ الأهمية للتحركات الاحتجاجية التي ما كانت لتكتسب زخمها من دون توثيق رقمي. وقالت مهسا علي مارداني: "شكّل تويتر أرشيفاً لعدد كبير جداً من التحركات والأحداث... فقدان هذا الأرشيف سيكون خسارة كبرى، إنه سجل تاريخي نوعاً ما".

وقال خبير العلوم السياسية في معهد الشرق الأوسط في واشنطن تشارلز ليستر إن الأنظمة القمعية أو الجماعات الإرهابية ستكون المستفيدة الوحيدة من زوال منصة قادرة على فضح سلوكياتها. وفي أبحاثه عن الحرب في سورية، أشار ليستر إلى أن "تويتر" اكتست أهمية "حيوية" على صعيد توثيق جرائم الحرب وتوفير المساعدات.

هذا القلق من خسارة "تويتر" لا يقتصر على الناشطين السياسيين، إذ يسود أيضاً في الأوساط العلمية، حيث باتت المنصة أداة مهمة. ويُكثّف أطباء طوارئ وآخرون متخصصون في الفيروسات أو الأوبئة منذ أيام جهودهم عبر "تويتر"، لإعلام المستخدمين بكيفية متابعتهم عبر منصات أخرى في حال تعطّلت الشبكة الاجتماعية.

ومنذ جائحة كوفيد-19، لجأ عدد كبير من الخبراء الصحيين إلى "تويتر"، متّخذين منها أداة جدية للحصول على معلومات، ومشاركة أبحاثهم، وإيصال رسائل مرتبطة بالصحة العامة، وحتى إقامة علاقات عمل مع زملائهم. واعتبر عالم الفيروسات لدى جامعة مانيتوبا الكندية جايسن كيندراتشوك، في حديث إلى وكالة فرانس برس، أنّ الجائحة شكلت "نقطة تحوّل في استخدام وسائل التواصل الاجتماعي كمصدر للباحثين". في يناير/ كانون الثاني 2020، شهد العالم انتشاراً سريعاً لفيروس كورونا.

وأُجريت الدراسات في مختلف البلدان للتوصل إلى فهم طريقة انتشار الفيروس والأساليب الأفضل التي يستخدمها الأشخاص ليحموا أنفسهم منه. ونشرت هذه الدراسات سريعاً عبر "تويتر"، كردّ على القلق الذي انتاب المتخصصين في المجال ومختلف شرائح المجتمع. ويشكل نشر الدراسة عبر "تويتر" أوّل ظهور لها "قبل طباعتها"، أي النسخة الأولى منها قبل أن تحظى بموافقة متخصصين وتُنشر في إحدى المجلات العلمية.

وأشار مقال نُشر في مجلة كاناديان جورنال أوف أيمردجنسي ميديسن، في إبريل/ نيسان 2020، إلى أنّ "القدرة على مشاركة المعلومات بسرعة أصبح في خضم الجائحة أمراً مهماً جداً في ما يتعلق بنشر المعرفة، وتتيح تويتر القيام بذلك بطريقة يستحيل تحقيقها في المجلات" المتخصصة. وتجري عملية التحقق من نتائج الدراسات تقريباً مباشرة عبر "تويتر"، إذ يشارك العلماء علناً تفسيراتهم وانتقاداتهم المرتبطة بكل دراسة جديدة.

قد يحمل نشر الدراسات عبر "تويتر" نتائج سلبية، إذ يمكن أن تحظى بعض الأعمال البحثية باهتمام لا تستحقه، فيما يبدي عدد من الباحثين آراءهم في شأن موضوعات بعيدة عن خبراتهم.

وبفضل منصة تويتر، بدأ عدد كبير من الخبراء بالعمل معاً عن بُعد. وقال جايسن كيندراتشوك، الذي يتابع حسابه 22 ألف مستخدم وتشكل إيبولا في أفريقيا محور عمله: "أعمل حالياً مع أشخاص نشأت معهم علاقات من خلال تويتر. التفكير في أنّ هذا الأمر قد يتغير في المستقبل القريب يثير قلقاً".

وبالإضافة إلى الأبحاث، تلعب الشبكة الاجتماعية دوراً مهماً لناحية التواصل بين السياسيين والشعب. عند ظهور المتحورة أوميكرون في نهاية عام 2021، "جرت مشاركة هذه المعلومة عبر تويتر من قبل متخصصين في جنوب أفريقيا وبوتسوانا، ما أتاح لعدد كبير من البلدان البدء بالاستعداد لها"، وفقاً لكيندراتشوك.

وكان تأثير "تويتر" كبيراً بسبب وجود جسم مهني آخر يستخدمه منذ فترة طويلة، ويتمثل بالصحافيين. وقالت المتخصصة في الأمراض المعدية التي يتابع حسابها 88 ألف مستخدم سيلين غاوندر: "بما أنّ تويتر منصة يستخدمها الصحافيون بصورة كبيرة، فهذا ساعد" على زيادة نطاق نشر الرسائل التي قد تصل إلى وسائل الإعلام التقليدية.

سوشيال ميديا
التحديثات الحية

وفي خضم القلق الحاصل في شأن مستقبل الشبكة التي يملكها ماسك، أوضحت لـ"فرانس برس" أنّها عقدت محادثة خاصة مع عشرات من زملائها عبر تطبيق سيغنال، وأعادت نشر ما سبق أن غرّدته عبر شبكة لينكد إن ومنصة بوست نيوز. ويشارك عدد كبير من الخبراء أسماء صفحاتهم في شبكة ماستودون، فيما يشارك آخرون رابطاً لحساباتهم في منصة سابستاك. وقال كيندراتشوك: "سنجد شبكات أخرى في حال تعطلت تويتر، إلّا أنّ الأمر سيستغرق وقتاً، وللأسف لن تنتظرنا الأمراض المعدية حتى نجد آليات تواصل جديدة".

القلق من القرارات التي يتخذها إيلون ماسك، وتحديداً لجهة تسريح عدد كبير من العمال ما سينعكس على مستوى الإشراف على المحتوى في "تويتر"، وصل إلى الاتحاد الأوروبي. وقال مفوض العدل في الاتحاد الأوروبي ديدييه رايندرز للصحافيين، الخميس، في دبلن، حيث يقع مقر "تويتر" ومجموعات التكنولوجيا الأميركية الأخرى في أوروبا: "لدينا مخاوف بشأن قرارات تقليل عدد العاملين في الشركة"، وأضاف بعد اجتماع مع ممثلين مجهولين من "تويتر": "عندما نناقش خطاب الكراهية، أنا متأكد من حاجتنا إلى موارد بشرية".

وأظهر تقييم جديد للاتحاد الأوروبي أن عدد إخطارات خطاب الكراهية التي راجعتها شركات التواصل الاجتماعي الكبرى، في غضون 24 ساعة، قد انخفض من 90 في المائة عام 2020، إلى 81 في المائة عام 2021، و64 في المائة هذا العام. وبينت الأرقام أن "يوتيوب" فقط حسّنت معدّل إزالة المحتوى المسيء، كما هو محدد في مدونة قواعد السلوك في الاتحاد الأوروبي، بينما تراجعت جهود "تويتر" وشركات التكنولوجيا الأخرى.

المخاوف اشتدت بعدما ذكرت صحيفة فايننشال تايمز، الخميس، أن شركة تويتر فككت مكتبها في بروكسل، بعد مغادرة المديرين التنفيذيين المسؤولين عن جهود الامتثال لقواعد الاتحاد الأوروبي عبر الإنترنت. وجددت نائبة رئيس مفوضية الاتحاد الأوروبي فيرا جوروفا مخاوف الكتلة، وغردت: "إذا أردت رصد المعلومات المضللة والبروباغندا والتصدي لها فأنت تحتاج إلى موارد".

سرّح ماسك نحو نصف الموظفين في "تويتر"، البالغ عددهم 7500، وبينهم العديد من الموظفين المكلفين بمكافحة المعلومات المضللة، بعد استحواذه على الشركة الشهر الماضي.

 

المساهمون