قتل مدوّنات عراقيات: اغتيالات ينفذها مجهولون على درّاجات نارية

30 ابريل 2024
من اعتصام احتجاجي بعد قتل اليوتيوبر طيبة العلي (فرانس برس)
+ الخط -
اظهر الملخص
- في العراق، تكررت جرائم اغتيال مدوّنات وشخصيات عامة مثل غفران مهدي وتارا فارس، مما يسلط الضوء على فشل الجهود الأمنية واستمرارية العنف ضد الأصوات الجريئة.
- السلطات أعلنت عن تشكيل فرق للتحقيق في هذه الجرائم، لكن القبض على الجناة يظل تحديًا، ما يعزز الإفلات من العقاب ويشير إلى وجود منهجية في تنفيذ الاغتيالات.
- الوضع الأمني المتدهور وفشل حصر السلاح يدفع العديد من الشخصيات لمغادرة البلاد بحثًا عن الأمان، مما يؤكد على الحاجة الماسة لتحسين الإجراءات الأمنية وضمان العدالة.

يعود قتل مدوّنات عراقيات في السنوات الأخيرة، كأنه سيناريو مكرّر، تُستخدم فيه الأدوات والآليات نفسها، وتمارس هذه الجرائم الجهات نفسها. يستهدف القتلة مشاهير أثاروا الجدل بمواقفهم وآرائهم. قبل أيّام، صُدم العراقيون بمقتل البلوغر غفران مهدي، المعروفة باسم أم فهد، التي تنشط على مواقع التواصل الاجتماعي، ما يشير إلى فشل الجهود الأمنية في حصر السلاح وملاحقة القتلة والعصابات والمليشيات المنظمة، وفقاً لمراقبين.
قتل أم فهد مسلّحٌ كان يقود دراجة نارية في منطقة زيونة، وسط العاصمة بغداد. ظهرت أم فهد خلال العامين الماضيين، ونال محتواها صدى كبيراً داخل المجتمع بسبب إشكاليته، إضافة إلى علاقاتها الواسعة مع مسؤولين وقادة أمنيين. وقد ظهر ذلك واضحاً في خلافاتها الأخيرة التي خرجت للعلن مع مقدمة البرامج التلفزيونية داليا نعيم، وقد كشف الخلاف عن فضائح، أقيل على أثرها قادة أمنيون، من بينهم المتحدث باسم وزارة الداخلية سعد معن.

مدوّنات عراقيات وصحافيون وناشطون

بانتشار مقطع مصور من كاميرا مراقبة، أظهر عملية قتل أم فهد، استذكر العراقيون مقتل مدّونات عراقيات بالطريقة نفسها، منهن تارا فارس، وكرار نوشي، ونور بي أم، ونورزان الشمري، ورفيف الياسري، ورشا الحسن، بالإضافة إلى صحافيين وناشطين وباحثين، ومنهم فاهم الطائي وهشام الهاشمي. كلها عمليات قتل تشير إلى أن الجهة المُنفذة تمارس هذه الاغتيالات ضمن منهج واحد، من دون رادع أو محاسبة.
وأعلنت وزارة الداخلية العراقية تشكيل فريق عمل مختص لمعرفة ملابسات قتل أم فهد، مشيرة في بيان إلى أن "سائق دراجة نارية فتح النار عليها وهي بداخل سيارتها أمام شقتها في منطقة زيونة ببغداد". وبحسب مصادر أمنية تحدثت ل"العربي الجديد"، فإن "القوات الأمنية والتحقيقية والاستخباراتية تواصل عملية متابعة كاميرات المراقبة للتوصل إلى القاتل، لكن احتمالات إلقاء القبض عليه لا تزال مفتوحة، ولا سيما أنه مرَّ في أزقة لا تحتوي على كاميرات". تشير هذه المصادر إلى أن "استخدام الطريقة ذاتها في قتل المشاهير، تؤكد أن الجهة المتورطة في أكثر من عملية قتل هي ذاتها، بالتالي فإن الحادث ليس جنائياً بل مخطط له". وقال مسؤول أمني إن حوادث قتل المشاهير ليست إرهابية، لكنها في الوقت ذاته تُنفذ من جهات تمتلك أريحية في التنقل والتنفيذ داخل بغداد، وضمن غطاء مُصرّح به".
في هذا السياق، قال الناشط العراقي أيهم رشاد إن "آلة القتل مستمرة في العراق، وإن الذين يملكون السلاح يستخدمونه في كل الاتجاهات، فإلى جانب كون هذه الجهات تسعى إلى حماية نفسها من أي اعتداء أو تهديد خارجي وداخلي، فإنها تتجاوز على الدولة بطرقٍ مختلفة، وتقتل العراقيين بناءً على وجهات نظر انفعالية وعاطفية، وتأتمر بأوامر أصحاب المال والنفوذ"، موضحاً ل"العربي الجديد"، أن "حكومة السوداني فشلت في اختبار حصر السلاح بيد الدولة، وهي الآن أمام تحدي العثور على القاتل ومن ثم محاسبة الجهة التي بعثت القاتل".
وأضاف رشاد أن "طريقة قتل العراقية أم فهد احترافية، وقد ظهر أن المُرتكب نفذ عمليته وأخذ هاتفها الشخصي، كما أنه أقدم على لملمة بقايات طلقات الرصاص، ما يؤكد احتمال أن يكون السلاح مسجلاً رسمياً لدى الدولة، وهو ما قد يفتح احتمالات أن يكون القاتل منتسباً إلى جهة أمنية، كما حدث مع قاتل الخبير الأمني هشام الهاشمي، الذي تبين في ما بعد أنه أحد الضباط في وزارة الداخلية"، مشيراً إلى أن "الحملات الإعلامية بشأن استقرار الوضع الأمني في بغداد فشلت رغم الدعم الكبير لها، وأن السلاح لا يزال متفشياً وبيد القتلة".

جرائم بلا محاسبة

أما الصحافية العراقية مروة إسماعيل، فتشير إلى أن "حوادث القتل التي استهدفت مدوّنات عراقيات لم تسفر عن أي اعتقال للمتورطين أو المساهمين أو المخططين لهذه العمليات، وهي تستهدف أشخاصاً لا يتدخلون بأمور السياسة والأمن، لكن يبدو أن التوجهات الفكرية والدينية لبعض هذه العصابات يدفعها إلى الاغتيال بدمٍ بارد". تتابع في حديثها إلى "العربي الجديد": "إن عدم اعتقال ومحاسبة القتلة، يؤدي في كل حادثة إلى مغادرة عدد من المشهورين على مواقع التواصل الاجتماعي بغداد، والتوجه إلى أربيل أو إسطنبول، ولا سيما أنهم يحظون بمتابعة شعبية، وبعضهم لديه مشاريع اقتصادية وتجارية".

ويقول الخبير الأمني عماد علو إن "عودة المشاهد المروعة لعمليات الاغتيال ضد مدوّنات عراقيات الشخصيات الشهيرة، تشرح التدهور الأمني والخروقات التي تتمكن منها الجهات القاتلة لعبور نقاط التفتيش، وأن تكرار الحوادث بالسيناريو نفسه من دون رادع أمني يؤكد هشاشة الإجراءات الأمنية"، معتبراً في حديثٍ إلى "العربي الجديد"، أن "معظم حوادث الاغتيال حصلت عبر الدراجات النارية، حتى صار العراقيون يخشون من القتلة على الدراجات، ويرتعبون من كل دراجة نارية في الشارع، وهناك حاجة لإجراءات حقيقية، بما في ذلك تغيير القيادات الأمنية".

وعلى الرغم من استقرار نسبي ملحوظ شهده العراق، خاصة بعد إعلان القوات العراقية فرض السيطرة على كامل أراضي البلاد وتحرير أجزائها التي كانت تحت سيطرة "داعش" في ديسمبر/ كانون الأول 2017، لكن جرائم مروعة باتت تُرتكب أخيراً، وبدا واضحاً أنها معدة مسبقاً لاستهداف بعض النساء والناشطات في حقوق المرأة، إضافة إلى صحافيين وباحثين

المساهمون