تعاني الصحافة في سورية، على اختلاف مناطقها، من أسوأ حالات القمع والانتهاكات بحق الصحافيين، إذ تعدّ حرية الصحافة التي يحتفل العالم اليوم بها من الأمور التي كلفت الكثير من الصحافيين السوريين حياتهم.
وأصدرت الشبكة السورية لحقوق الإنسان، تقريرها السنوي، اليوم الأربعاء، بمناسبة اليوم العالمي لحرية الصحافة، والذي تحدّث عن أبرز الانتهاكات التي تعرّض لها الصحافيون في كل المناطق السورية.
وذكر التقرير أنّ الشبكة وثقت مقتل 715 من الصحافيين والعاملين في مجال الصحافة منذ مارس/آذار 2011 على يد أطراف النزاع والقوى المسيطرة في سورية، من بينهم 52 صحافياً قتلوا تحت التعذيب. وأشار التقرير إلى أنّ الانتهاكات بحق المواطنين الصحافيين وحرية الرأي والتعبير، لا تزال مستمرة منذ اندلاع الثورة السورية قبل 12 عاماً.
وأكد التقرير أنّ النظام السوري، ومنذ اندلاع الثورة السورية، زاد من قمعه للصحافيين والعاملين في القطاع الإعلامي، وطرد وحظر جميع وسائل الإعلام العربية والدولية التي كانت في سورية، وما يزال هذا الحظر مستمراً ليومنا هذا، ممّا أجبر الناشطين على التصدي لهذه المهمة وظهور ما يُعرف بالمواطن الصحافي.
وقال التقرير إنّ النظام السوري المسيطر على الدولة "يتحمّل المسؤولية الأكبر فيما وصلت إليه سورية، حيث باتت تصنّف من الأسوأ على مستوى العالم فيما يخصّ حرية الصحافة والعمل الإعلامي، وفي تشـويه صورة سورية والشعب".
من جانبه، يقول الصحافي هادي العبد الله، لـ"العربي الجديد"، إنّ "سياسة النظام السوري لم تتغير خلال سنوات الثورة، فهي سياسة قائمة على القتل، ومن المستحيل أن تتغير في لحظة وتراعي الحريات"، مشيراً إلى أنّه "ما يزال في سجون النظام مئات الصحافيين المعتقلين ومئات الأسماء من الصحافيين الذين ماتوا أثناء عملهم، نحن ما زلنا نحلم بالوصول إلى القيام بتغطية صحافية في سورية من دون خوف".
وعلى الجهة المقابلة، كان الوضع في مناطق شمال غربي سورية سيئاً أيضاً، وذكر التقرير عدداً من الانتهاكات التي مورست بحق صحافيين في مناطق سيطرة المعارضة، حيث "تمارس هيئة تحريـر الشام التضييق على حرية الرأي بحق السكان في المناطق الخاضعة لسيطرتها بشكل عام"، وكذلك علـى "عمـل الصحافيين والمواطنين الصحافيين المنتقدين لفكرها ونهجها".
ووثقت الشبكة اعتقال قوات الهيئة للعشرات من المواطنين الصحافيين، على خلفيات نشرهم منشورات تعارض سياستها.
ورصد التقرير عمليات استدعاء لصحافيين وناشطين مـن قبل مديرية الإعلام التابعة لـ"حكومة الإنقاذ"، وذلك على خلفية منشورات على حساباتهم الشخصية على "فيسبوك" بمناسبة اليوم العالمي لحرية الصحافة.
كذلك تحدث التقرير عن الانتهاكات التي تعرّض لها الصحافيون في مناطق "الجيش الوطني" المدعوم من تركيا شمالي حلب، حيث مورست بحق الصحافيين والعاملين في مجال الإعلام، "سياسـة التضييق والابتزاز والتخويف والاعتقال والتعذيب".
وأشار العديد ممّن تحدثت إليهم الشبكة إلى رغبتهم في مغادرة المنطقة خوفاً من التهديدات أو من تكرار الاعتقال على خلفية عملهم الصحافي.
بدوره، يقول الصحافي نور الدين إسماعيل، لـ"العربي الجديد": "برأيي لا توجد حرية مطلقة للصحافة، هناك قيود في معظم البلدان على عمل الصحافيين، لكن نحن في سورية نطمح للوصول إلى مستوى حرية الصحافة المعمول به في معظم الدول المتقدمة".
وأضاف: "نحن نعاني من قيود تعيق عمل الصحافي على الأرض، وعلى الرغم من الانفتاح الذي جرى مؤخراً في مناطق شمال غربي سورية إلا أننا نطمح لمزيد من الحريات وإطلاق العمل الصحافي بمساحة أوسع ومجال أكبر، بحيث يتمكن الصحافي من ممارسة عمله بدون خوف وبدون أي قيود".
أمّا مدير رابطة الصحافيين السوريين في الداخل، الصحافي عمر حاج أحمد، فيقول، لـ"العربي الجديد"، إنّ "حرية الصحافة في شمال غربي سورية، مثلها مثل باقي مناطق العالم الثالث عامة، والمحيط العربي والسوري خاصة، حتى وإن اختلفت بعض المعايير والفسحات التي تسمح بهامش حرية بسيط".
وأوضح حاج أحمد أنّ "هذا الهامش لا يعتبر كافياً لنقول إن الصحافة فعلاً تقوم بدورها الأساسي في سلطة المراقبة على السلطات الثلاث الأخرى، ولا أن الصحافة باتت فعلاً مؤثرة على أي قرار أو فعل تقوم بها سلطات المنطقة أو المؤسسات والفعاليات المتواجدة فيها".
وأكمل الحاج أحمد حديثه: "رغم ذلك، تبقى الانتهاكات في منطقة شمال غرب سورية أقل بكثير من مناطق سيطرة النظام السوري، والإحصائيات والأرقام تؤكد ذلك، ولكن هذا لا يعني عدم وجودها أو ندرتها. هي موجودة، ولكن بنسبة أقل من مناطق أخرى".
ولفت إلى أنهم في رابطة الإعلاميين السوريين، لهم دور في حماية الصحافيين من وقوع الانتهاكات بحقهم ومتابعة قضاياهم مع سلطات المنطقة، مضيفاً: "لدينا سنوياً عشرات القضايا التي يتم حلّها ومتابعتها والتحقق منها ومن الإجراءات المتبعة".
أمّا في مناطق سيطرة "قوات سوريا الديمقراطية" (قسد)، فقد تمّ التضييق "بشكل واسع على حرية الصحافة، وحدّ من حركة الصحافيين وتعرّض بعضهم للملاحقة والاعتقال والتضييق، ما دفعهم إلى الفرار"، بحسب تقرير الشبكة.
وتفرض "قوات سوريا الديمقراطية" على جميع الصحافيين الحصول على رخصة مزاولة نشاط إعلامي، وقد يتعرض مقدّم الطلب إلى الاستجواب والاعتقال. وذكرت الشبكة أنّها وثقت، فـي 30 يوليو/تمـوز 2022، قيـام دوريات أمنية تابعة لـ"قسد" باحتجـاز أو اعتقـال مـا لا يقـل عن 16 صحافياً في الرقة شمال شرقي سورية.
بدوره، يقول الصحافي عبد الله السالم، وهو اسم مستعار لأحد العاملين في المجال الصحافي في الرقة، إنّ "ما يجري تسويقه عن صحافة حرة أو إعلام مستقل ليس سوى حملات دعائية مصورة تمجّد منجزات المؤسسات الرسمية للإدارات الرسمية والعسكرية، في حين يغيب عن المشهد، خاصة الرقة، أي سماح لأي مواقع أو تلفزيون لا تروق سياستها مع مكتب إعلام الإدارة الذاتية".
ويتابع السالم، لـ"العربي الجديد": "يكفي ضبطك لمرة واحدة في تصوير مشهد لتلفزيون سوريا أو لكتابة تعليق على أحد المواقع المحظورة من قبل الإدارة الذاتية حتى يتم اعتقالك، رهن التحقيق في سجون قسد، بتهمة الدعشنة أو العمالة لجهات معادية".
وشهد العامان 2021 و2023 اعتقال أكثر من 15 صحافياً وصحافية بتهم متعددة، ومنهم مايزال يقبع في السجون مثل عبد الكريم الرحيل، عمار عبد اللطيف، وإشراق الأحمد.