ينسجم بعض فناني وممثلي وإعلاميي العراق مع مواقف سياسية تتبع أفكاراً متفرقة لأحزاب وفصائل مسلحة وتيارات دينية متهمة بالفساد وأخرى بالدماء والفشل في إدارة البلاد، وبعضهم تورط جرّاء الحاجة للمال والنفوذ، وآخرون هم أصلاً يتبعون هذه الأحزاب، وفي الحالتين تُثير مواقفهم السياسية وتوجهاتهم الفكرية الجدل لدى العراقيين.
وتسعى عادة الأحزاب العراقية والكيانات والأحزاب المشاركة في الحكم إلى استقطاب الوجوه الفنية المعروفة، مثل الممثلين والإعلاميين، لدعم حظوظها في الانتخابات أو اكتساب جماهير جديدة، فيما في العراق فنانون هم أصلاً ينتمون لمدارس فكرية معينة، وعادة ما يتورطون بتصريحات تحوّلهم من خانة التصنيف على أسس الفنون إلى الاتهام بالعمالة ودعم الفاسدين، في حين سعى بعض الفنانين والممثلين العراقيين إلى الارتماء بأحضان بعض التيارات الدينية والسياسية للوصول إلى مناصب بالدولة.
ويعرف العراقيون الكثير من الفنانين الذين بانت مواقفهم السياسية وأثرت على مستقبلهم الفني، مثل الممثل سنان العزاوي الذي أعلن مناصرته للتيار الصدري وزعيمه مقتدى الصدر، وظهر في أكثر من مشهد وهو يقبل يد الصدر، الأمر الذي تسبب بتراجع حضوره الفني، بعد أن كان نجماً درامياً مهماً. اعترف العزاوي بنفسه بهذا الأمر، وقال في إحدى المقابلات المتلفزة معه إنه "لم يعد يلقى أي عروض فنية للتمثيل، بسبب مواقفه السياسية وتأييد لنشاط الصدريين السياسي".
وإضافة إلى العزاوي، هناك الممثلة العراقية عواطف السلمان التي بدأت نشاطها الفني الأول من أغنيات بمدح الرئيس الراحل صدام حسين، خلال الحرب العراقية الإيرانية (1980 ــ 1988)، لكنها حالياً تمارس نشاطاً دفاعياً عن فصائل "الحشد الشعبي". ظهرت سابقاً في مقطع فيديو وهي تبكي بعد مقتل الجنرال الإيراني قاسم سليماني والقيادي في "الحشد الشعبي" أبو مهدي المهندس، عقب استهدافهما بغارة أميركية مطلع عام 2020.
الفنانة عواطف سلمان التي عرف عنها مدح النظام السابق، تبكي بحرقة على قاسم سليماني. pic.twitter.com/r38NyyOhWw
— شبكة الصحافة العراقية +INP (@INPPLUSarabi) July 10, 2021
وعلى صعيد الصحافيين والإعلاميين، برز أحمد عبد السادة، وهو شاعر وإعلامي عراقي، صنّف نفسه قبل عام 2014 بأنه "علماني متطرف" وفقاً لمقربين منه، لكنه تحوّل إلى مدافع عن القوى الحليفة لإيران وعن التدخل الإيراني في العراق، وهجمات الفصائل المسلحة على القواعد العسكرية العراقية التي تتواجد فيها القوات الأميركية، فيما تبدلت مواقفه من مؤيد للحراكات المدنية ومنها الاحتجاجات إلى معارضٍ لها، وتحديداً خلال فترة انتفاضة أكتوبر/تشرين الأول 2019 التي رفضها واعتبرها مدعومة من السفارة الأميركية، فيما وصف على أنه أبرز "المحرضين ضد الناشطين".
يقول الكاتب العراقي حميد غني إن "المواقف السياسية عادة ما تطيح بالفنانين والممثلين والمطربين، وما يصدر عن الكتّاب والصحافيين والإعلاميين أمر طبيعي، غير أن ما حصل خلال السنوات الماضية هو تحوّل بعض الشخصيات العامة التي كانت تحظى بجماهيرية جيدة إلى أدوات حزبية، وشاهدنا بعض الفنانين الذين ناصروا التيار الصدري كيف أنهم وقفوا بالضد من انتفاضة 2019، بل أنهم ظهروا في محل مناهضة للناشطين، ومنهم من أغار على مبنى المطعم التركي في بغداد الذي كان تجمعاً للمتظاهرين، بالتالي فإنه تحوّل إلى أداة تخريبية بيد الأحزاب"، في إشارة إلى الممثل سنان العزاوي.
الفنان ( سنان العزاوي ) يخاطب السيد مقتدى الصدر من الحنانة في النجف الاشرف
— علي الخالدي - Ali al-Khalidi (@alialkhalede) July 6, 2021
بقلب عاليها واطيها داخل وخارج العراق إن حدث شيئ pic.twitter.com/jP8P5TG6A9
ويلفت غني، في حديثٍ مع "العربي الجديد"، إلى أن "وصول الفنان إلى هذا الحد من التطرف الحزبي يتسبب بمقتل جهوده الفنية، وحتى أعماله السابقة، لكن معظم هذه الانحرافات في حياة الفنان تكون عادة رد فعلٍ لحدثٍ معين، لكن على الأغلب فإن المصالح هي التي تأخذ الإنسان إلى هذه المرحلة، إذ إن بعض الفنانين يطمحون لنيل مناصب حكومية سواء على مستوى إدارة المسارح أو وظائف هامة في وزارة الثقافة، بالتالي فإن الأحزاب وحدها قادرة على هذا الفعل"، موضحاً أن "هذه المواقف الصادرة عن الفنانين عادة ما تتسبب بإثارة الجدل، لا سيما وأن مثل هذه المواقف هي تأييد للمليشيات أو تكتل حزبي متهم بالفساد، أو التحدث بنفس طائفي أو مناصرة محور إيران".
أما الممثل المسرحي الشاب وعد علي، فيؤكد أن "المواقف السياسية للفنانين دائماً ما تثير الجدل ربما أكثر من السياسيين أنفسهم، كونهم شخصيات اجتماعية وتحظى باهتمام المجتمع عامة والإعلام، لكن ما يحصل في العراق، أن الفنانين عادة ما يكونون متطرفين بآرائهم السياسية، حيث إنَّ بعضهم لا يكتفي بالتأييد الإعلامي لحزب أو فصيل مسلح مثلاً، لكنه يتحول إلى أداة تحريضية، كما حصل مع ممثلين وشعراء"، مبيناً لـ"العربي الجديد" أن الكشف عن هذه المواقف والتوجهات تشرح القيمة الإنسانية التي يحملها الفنان، وقد لاحظنا أن موقفا واحدا يصدر عن أي إعلامي أو ممثل أو شاعر، يدمر جميع الجهود المهنية والفنية التي أسس لها الفنان طيلة مسيرته الفنية، بالتالي فإن أي موقف أو توجه يعني أن الفنان سيخسر أكثر مما يربح، بالنهاية فإن الكشف عن هذه المواقف مهم، لأنها تمثل غربلة للفنانين وتوجهاتهم ونياتهم".
لكن أمير المنشد، وهو عضو نقابة الفنانين العراقيين، يلفت إلى أن "من حق الجميع، سواء من الفنانين أو غيرهم، إبداء آرائهم السياسية ولا مشكلة في ذلك، بشرط عدم تحوّل هذا الرأي إلى وسيلة سياسية للتحريض على الآخرين، لذلك فإن النقابة والدستور العراقي يكفلان حرية الرأي والتوجه السياسي والفكري للجميع".
ويضيف لـ"العربي الجديد" أن "بعض الفنانين العراقيين لديهم آراء متطرفة، وقد مثلوا صورة سيئة عن بعض الفنانين الآخرين، وقد واجهنا شعراء كانوا قد حرضوا على قتل المدنيين في المدن التي احتلها "داعش"، كما أنهم روجوا للفصائل المسلحة التي اتهمت بانتهاكات على أسس طائفية، إضافة إلى ممثلين دفعوا إلى التأزيم خلال فترة الاحتجاجات، بالتالي فإن النقابات والاتحادات كان لابد لها من سحب هوياتهم وإلغاء عضويتهم، نظرا للمخاوف من الاصطدام مع الأحزاب التي ترعى هؤلاء الفنانين".