فرنسا: عنصرية الإعلام وانتشار حشرة البقّ

03 أكتوبر 2023
انتشرت الحشرة بداية في المترو وصالات السينما (Getty)
+ الخط -

في الحلقة الرابعة من الجزء الثاني من مسلسل "ضيعة ضايعة"، تتساءل جميع شخصيات الحلقة، من رئيس المخفر وصولاً إلى سكان القرية فرداً فرداً عن علاقة السردين بالسياسة. تتمحور قصة الحلقة حول اكتشاف مُخبر القرية مناشير سياسية يتمّ توزيعها في المنطقة، ولفت نظر رئيس المخفر الى أنّ رائحة المنشور سردين. وبناءً عليه، يُقرّر الأمن بدء تحقيقاته من دكان الضيعة الصغير وذلك لأخذ أسماء كل من اشترى، بالدين أو عبر الدفع النقدي، علب سردين في الفترة الأخيرة. انتشر الخبر في القرية ليصير السؤال الوحيد على لسان الجميع: "شو علاقة السردين بالسياسة؟".
أرّق السؤال بال شخصيات المسلسل، وهذا ما حصل في الأيام الأخيرة في فرنسا. أرّقت حشرة البقّ عبر ظهورها في بعض الأماكن العامة (تحديداً في العاصمة باريس وفي مدينة مارسيليا) بال الفرنسيين. ولكن ما علاقة ذكر مسلسل "ضيعة ضايعة" وسؤال إحدى حلقاتها الأبدي في سياق هذه القصة؟ في اطار المعالجات الإعلامية لموضوع "البقّ" وانتشاره في فرنسا، تساءل أحد الإعلاميين الفرنسيين عن العلاقة المُمكنة ما بين انتشار حشرة "البقّ" والمهاجرين ونظافتهم الشخصية. وبهذا لم يعد سؤال المسلسل الأحجية وحيداً؛ صارت الرحلة ثنائية: ما هي علاقة السردين بالسياسة؟ وما هي علاقة البقّ بالهجرة؟ 
في بداية شهر يوليو/ تموز، أبلغت مجموعة من سائقي المترو في مدينة مارسيليا الفرنسية عن اكتشاف حشرات البقّ في مقصورات القيادة. وعلى هذا الأساس، اتّخذ حوالي 30 في المائة من هؤلاء إجازات مرضيّة، خوفاً من الانتشار الواسع للحشرة وإمكانية تنقّلها معهم إلى بيوتهم وتالياً غزوها. ومن المعروف، ان حشرة البقّ سريعة الانتشار والتكاثر، ويصعب في كثير من الأحيان التخلّص منها، ولا سيما أن طلب تدخّل شركات خاصة أمر مُكلف. 
خلال شهر أغسطس/ آب، تعرّض أكثر من زائر لإحدى صالات السينما في باريس للسعات الحشرة. تمّ تبليغ الصالة، وخلال شهر سبتمبر/ أيلول، اعتذر المسؤولون عن السينما من المعنيين، وأشاروا إلى أن إجراءات عدة تمّ اتخاذها على مراحل. في نهاية شهر سبتمبر، شكوى جديدة من أحد ركاب القطارات المتجهة من مارسيليا إلى باريس، أرفقها بمقطع فيديو لحشرة البقّ في أحد المقاعد. حسب صحيفة "لو باريزيان" الفرنسية، طمأنت الشركة الركّاب وأبلغتهم بالتعويض الكامل لسعر التذكرة. بعدها بأيّام، انذار جديد من سائق أحد خطوط المترو في باريس، طالب فيها بالمباشرة بتعقيم المترو بعد اكتشافه انتشار الحشرة في غرفة القيادة. 
حشرة البقّ موضوع إشكاليّ ليس بالجديد في فرنسا. غالباً ما يتمّ تناوله في الإعلام، وكذلك على الصعيد السياسي، في محاولة إيجاد حلّ للمشكلة. يوم الجمعة الفائت، وبعدما ملأت أخبار "البقّ" القنوات الإعلامية، قرّرت قناة CNews مناقشة الموضوع في برنامجها L’heure Des Pros، الذي يقدّمه الإعلامي باسكال برود. ليس خفيّاً على أحد أن القناة تابعة لليمين المتطرّف، وتاريخها حافل بالعنصرية وبالهوس الشديد بقضايا الهجرة والمهاجرين. لهذا وجد المقدّم فرصته لمحاولة توجيه تهمة جديدة للمهاجرين، عبر محاولة إيجاد رابط بينهم وبين انتشار البقّ: "هل نعرف سبب ازدياد أعداد حشرة البقّ اليوم؟ هل الأمر متعلّق بالنظافة؟ سأطرح كل الأسئلة الممكنة: هناك هجرة كبيرة في الوقت الحالي. هل السبب هؤلاء الأشخاص الذين لا يتمتّعون بشروط النظافة نفسها التي يتمتع بها المقيمون على الأراضي الفرنسية؟ هل هذا مرتبط بذاك؟".

ربما كان انتشار هذا المقطع أسرع من انتشار البقّ في البلاد. مقطع الفيديو تمّ تناقله على وسائل التواصل الاجتماعي وسط استغراب شديد من مضمون الكلام. بناءً عليه، استنفرت مجموعة من الشخصيات السياسية وتواصلت مع الهيئة العامة الفرنسية لتنظيم وسائل الاعلام السمعية والبصرية والرقمية Arcom ، بعدما اعتبرت أن المسألة تستحقّ التحرّك الرسمي بسبب ما حملته من عنصرية لا يُمكن التشكيك بها. من جهتها، عبّرت الهيئة العامة، عن نيّتها التحقّق والتحقيق في الموضوع.
توالت التصريحات السياسية المُستنكرة لهذه العنصرية في وسائل الإعلام، ووجد البعض في الموضوع فرصة لإعادة التذكير بسبب رفضهم الظهور على هذه القناة تحديداً. ممثل حزب البيئة في بلدية باريس دافيد بيليرد، استعان بالتقرير الأخير للوكالة الوطنية للسلامة الصحية والغذائية، للردّ بالحجج على الربط غير المنطقي بين انتشار الحشرة والهجرة: العدد المتزايد من بقّ الفراش مرتبط بمقاومته للمبيدات الحشرية وبالسياحة الكثيفة. 
اضطرّ الإعلامي الى العودة لتوضيح كلامه، وأشار إلى أنه قصد الحديث عن السياحة بشكل عام ولم يقصد ما فُهم من كلامه. 

المساهمون