غزة خارج حسابات "عدالة الجماهير الرقميّة"

غزة خارج حسابات "عدالة الجماهير الرقميّة"

06 مايو 2024
في خانيونس، 25 إبريل (فرانس برس)
+ الخط -
اظهر الملخص
- مسلسل "Baby Reindeer" على نتفليكس يسلط الضوء على قصة مُترصدة حقيقية، مما أثار ضجة وجذب مشاهدات قياسية، لكن كشف هويتها الحقيقية أدى إلى تهديدات ومضايقات من "محققي وسائل التواصل الاجتماعي" الهواة.
- الاهتمام المتزايد بالتحقيقات الهواية في قضايا ترفيهية على نتفليكس يُظهر تفاوتاً في الاهتمام مقارنة بقضايا جدية مثل جرائم الحرب والانتهاكات في قطاع غزة، مما يطرح تساؤلات حول أولويات المجتمع الرقمي.
- النقاش حول دور المحققين الهواة يبرز الحاجة لتوجيه الاهتمام نحو قضايا أكثر إلحاحاً تؤثر على حياة الأبرياء وتستحق العدالة والمساءلة، مما يدعو لإعادة تقييم أولويات المجتمع الرقمي.

أثار مسلسل Baby Reindeer كثيراً من الجدل، وحقق مشاهدات قياسيّة. وعلى الرغم من تصريح منصة نتفليكس (مُنتجة العمل)، وريتشارد غاد مؤلف وبطل المسلسل أنهم حذفوا كل ما يمكن أن يشير إلى هوية المُترصدة الحقيقية التي اختير لها اسم مارثا في العمل الدرامي، أفادت تقارير بأنّ "محققي وسائل التواصل الاجتماعي" الهواة، تمكنوا من الوصول إليها، وبدأوا بتهديدها ومضايقتها، حسب ادّعاء صحيفة ديلي ريكورد التي قالت إنها منحتهم لقاءً حصرياً.
عدالة الجماهير الرقميّة هذه تحوّل كل متابع لوسائل التواصل الاجتماعي إلى محقق هاوٍ، يرصد الإنترنت وما تحويه لكشف الحقيقة، الأمر الذي روجت له نتفليكس نفسها، عبر مسلسلات كـ"لا تمزح مع القطط" وThe Tinder Swindler، ما يعني أن هناك فئة مستعدة للبحث عن الحقيقة. هذه فئة موجودة وفاعلة، حد التدخل في محاكمة جوني ديب، حين قامت إحداهنّ، متابعة عشوائية للمحاكمة، بزيارة المحكمة، وتنبيهها إلى أن آمبر هيرد كاذبة، وأن المستحضر الذي تدعي استخدامه لإخفاء الكدمات، لم يكن قد أنتج بعد في الفترة التي تتهم فيها ديب.
هذه الجهود الفرديّة، لا نراها حاضرة بشدة حين يتعلق الأمر بحرب الإبادة التي يشنها جيش الاحتلال الإسرائيلي على قطاع غزة. آلاف الساعات من الصور والتسجيلات، التي تبث يومياً، وتوثّق جرائم الاحتلال، ألم تحرك فضول أو حميّة أولئك المحققين الهواة؟ كأن يكشفوا عن هوية الجنود الفرنسيين الذين يعذبون أسرى من القطاع؟ أو هوية الجنود الذين يكتبون أسماء الأطفال على الصواريخ المتجهة إلى غزة؟
لا ننكر أن هناك مؤسسات ومنظمات تعمل الآن وتوثق وتنتج الأدلة لإدانة الاحتلال الإسرائيلي وجرائمه والمتورطين بالدماء الفلسطينية، لكن لم هذه الحميّة تظهر فقط تجاه عمل درامي تبثه "نتفليكس"؟ ما نعرفه مثلاً أن هؤلاء المحققين الهواة تحركوا   مثلاً عبر "ريديت"، في أثناء جلسة محكمة العدل الدولية، ليكشفوا التكرار في صور الأسرى الإسرائيليين.
ما نحاول فهمه هنا، عقلية المحققين الهواة عبر وسائل التواصل الاجتماعي، الذين تحركهم فيديوهات للبحث عمّن فيها من قتلة، كما في "لا تمزح مع القطط"، ولم تحركهم صور آلاف الأطفال والنساء، وحتى الحيوانات، التي راحت ضحية عدوان الاحتلال؟
ما من إجابة عن السؤال السابق، لكن الفيديوهات التي يبثها جنود الاحتلال، وثبت أنها بالتنسيق مع إدارة الجيش، مليئة بالأدلة، التي قد تساعد على الأقل بفرض عقوبات وربما، ونقول ربما، محاكمة بعض الجنود.
نطرح هذا السؤال، الذي قد يكون ظالماً، في محاولة لفهم حدود التعاطف، وكيف يمكن أن ينشغل بعضهم بأمر "ترفيهي" لأجل ضحية واحدة، ويتغاضى حرفياً عن الآلاف الذين يقتلون يومياً، ونعلم بدقة أن منصة نتفليكس لن تنتج وثائقياً عن جندي إسرائيلي ارتكب جرائم حرب في فلسطين، قد وجدته مجموعة من القاطنين في أميركا أو أوروبا، إثر تتبع منشوراته على وسائل التوصل الاجتماعي، والفيديوهات التي بثها وهو يهين وينتهك حرمة الشعب الفلسطيني في قطاع غزة.
نطرح هذا السؤال لأن غياب الدليل هو الحجة التي تستخدمها إسرائيل، تحت بلاغة "الدفاع عن النفس" و"العملية العسكريّة"، التي لا يمكن تصديقها، لكوننا لسنا أمام جيش يقاتل جيشاً آخر، بل ماكينة موت ضد مدنيين. جيش لا يستخدم لكشف "المقاتلين" أي تكنولوجيا، إنه فقط يمارس التدمير والقتل باستمرار منذ أكثر من ستة أشهر.
لكن يبدو، ونقولها بأسف شديد، أن إبادة الشعب الفلسطيني في قطاع غزة لا تحرض مخيلة البعض، ولا تحرك الفضول فيهم لاكتشاف الحقيقة، تلك التي يعلم الجميع أنها لا تظهر على وسائل الإعلام الأميركيّة. وهنا مفارقة أخرى: هل يشكك ويكذب الجمهور الأميركي الأخبار دوماً، إلا في حالة قطاع غزة، أم المفروض أن نصنع فيلماً متخيلاً يبث على "نتفليكس" كي يقرر بعضهم أن يصدق أن غزة تُباد، والمتهم واضح؟

المساهمون