- وسائل التواصل الاجتماعي أصبحت المصدر الرئيسي للمعلومات، مما أدى إلى انتشار الأخبار المضللة والمفبركة، وخلق تحديات أمام الحقيقة وأسهم في تضليل الجمهور.
- نقابة الصحافيين السودانيين ومنصات مثل جهينة وراديو دبنقا بذلت جهوداً مكثفة في مكافحة التضليل الإعلامي والأخبار الكاذبة، مما ساهم في رفع مستوى الوعي وتعزيز الحذر تجاه المعلومات المنتشرة.
شكلت الأخبار المضللة ومقاطع الفيديو المفبركة والدعاية السوداء ملمحاً أساسياً خلال عام من الحرب في السودان. واندلع القتال بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع في مثل هذا اليوم، الخامس عشر من إبريل/نيسان 2023، مخلفاً آلاف الضحايا وملايين المشردين، كما تسبب في توقف المؤسسات الإعلامية الحكومية والخاصة سواء المسموعة أو المرئية أو المقروءة، إما نتيجة تدميرها أثناء الاشتباكات، أو تحويلها لثكنات عسكرية، أو نتيجة عدم قدرة الإعلاميين على الوصول إليها، أو عدم قدرة إدارتها على تشغيلها.
لاحقاً تمكنت بعض المؤسسات من إيجاد بدائل، مثل تلفزيون السودان الحكومي، الذي انتقل بثه من الخرطوم لمدينة بورتسودان على ساحل البحر الأحمر، ذلك لأن مقره الرئيسي في الخرطوم ظل تحت سيطرة قوات الدعم السريع لمدة عشرة أشهر ودارت معارك عديدة حول محيطه وبداخله حتى استعاده الجيش الشهر الماضي. كما عاد في اليومين الماضيين بث قناة النيل الأزرق، واستمر بث قناة طيبة من تركيا، في حين احتجبت بالكامل الصحف الورقية، وقل منتوج المواقع الإخبارية، وتوقف بث إذاعات الـ"إف إم"، باستثناء بعضها.
ومع ذلك الفراغ العريض، حلت وسائط التواصل الاجتماعي بديلاً للكثيرين للحصول على المعلومات، ليبقوا أسرى الضخ العالي من الأخبار الكاذبة والمضللة والصور ومقاطع الفيديو المفبركة، ويندرج ذلك كله في سياق الحرب النفسية بين طرفي الحرب.
هذا التشويه الإعلامي حجب في كثير من الأحايين الحقيقة وضلل المستقبلين، وربما سبب آثاراً كارثية، ما خلق قلقاً في الأوساط الإعلامية التي خاضت خلال عام كامل حرباً على الشائعات والأكاذيب والتضليل.
نقابة الصحافيين في السودان
وتشير هانم آدم، سكرتيرة التدريب في نقابة الصحافيين، إلى أنهم في النقابة أولوا قضية مكافحة الأخبار الكاذبة والمضللة وخطاب الكراهية اهتماماً واسعاً، ودخلت النقابة في شراكات مع مؤسسة تومسون فاوندشين عبر مرصد بيم ريبورت ضمن مشروع مكافحة المعلومات المضللة في السودان. وأشارت آدم، في حديث لـ"العربي الجديد"، إلى أن المشروع وفر رقماً للصحافيين للتواصل، ووُضعت ثلاثة موجهات بالتعاون مع "تومسون" ونُشرت عبر منصات النقابة المختلفة حتى يستطيع الصحافيون الاستفادة منها في كتاباتهم، وكشفت عن تدريب أكثر من 100 صحافيّ في مدن ودمدني وبورتسودان والقضارف وعطبرة، وذلك ضمن مشروع تطوير الصحافة والذي شمل 185 صحافياً في السودان في موضوعات خطاب الكراهية وسلامة الصحافيين ومكافحة الأخبار المضللة.
وتراهن سكرتيرة التدريب في نقابة الصحافيين على مجهودات النقابة وما تحدثه من أثر إيجابي على المشهد الإعلامي، وذلك بنشر الصحافيين للحقائق طبقاً لما خبروه في الدورات التدريبية.
لم تخض النقابة في السودان وحدها الحرب ضد الأخبار المضللة، فقد عملت جهات إعلامية بارزة على إصدار تقارير دورية تنتقي فيها أكثر الأخبار تأثيرا وتضليلا لتفندها وتدحضها بالأدلة، وأبرز تلك الجهات: منصة جهينة وراديو دبنقا وبيم ريبوت، كما شاركت حسابات شخصية على منصات التواصل الإجتماعي في تلك الحرب على الأكاذيب.
منصة جهينة
وبيّن السيد أن فريق جهينة يتعامل مع ما يراوح بين 30 و40 شائعة في الشهر، وأحياناً يرتفع هذا العدد إلى 60، وأن اختيار الفريق للشائعات التي تُفند يعتمد على عاملين، الأول هو انتشار الشائعة أو الخبر الكاذب: فكلما زاد انتشار الشائعة زاد اهتمامه بها، أما العامل الثاني فهو تأثير الشائعة في المجتمع: كلما كانت الشائعة مؤثرة ومهمة في سياق الأحداث زاد اهتمامه بها أيضاً. واستطرد كمال الدين السيد، عضو فريق جهينة، بقوله: "نحن نعتمد على عدة طرق للكشف عن الشائعات، بما في ذلك التحقق من المصادر ومصداقيتها، واستخدام أدوات التحليل والتدقيق الفني لفحص الصور والفيديوهات المشتبه بها، حيث يمكننا اكتشاف التلاعب في الصور والفيديوهات من خلال فحص العلامات المميزة وتحليل العناصر المرئية"، موضحا أنهم يعتمدون في عملهم أيضاً على البحث والتحقق من المعلومات المتاحة، كما يعتمد فريق جهينة على الاستشارة والتواصل المباشر مع الخبراء والمصادر الموثوقة للتحقق من صحة المعلومات والحقائق.
وأكد السيد أنهم يعملون بحيادية تامة ودون انحياز إلى أي جهة سياسية أو غيرها، مؤكداً أن هدف فريق جهينة الرئيسي هو تنقية الفضاء الإعلامي من الشائعات ومكافحة الأكاذيب بغض النظر عن مصدرها، وأوضح أن ما قام به الفريق من جهود ساهم في تثقيف الجمهور وزيادة درجة وعيه، وأصبح الناس أكثر حذراً تجاه المعلومات المنتشرة في وسائل التواصل الاجتماعي، ولا يثقون بها دون التحقق منها كما كان في الماضي قبل ظهور جهينة.
وأعرب عن أمله في الاستمرار في خدمة المجتمع وتحقيق الهدف الأسمى في مكافحة الشائعات والأكاذيب، مشدداً على الحاجة الماسة لمزيد من المنصات المشابهة للعمل على تحقيق وتدقيق الأخبار في الساحة السودانية، خاصة في هذه الفترة العصيبة من التاريخ، لأن ما تغطيه جهينة لا يتجاوز 10 في المائة من الكم الهائل من الأكاذيب التي تتناقلها وسائل التواصل الاجتماعي.
راديو دبنقا
يقول الرشيد سعيد، مسؤول فريق التحقق وجمع الأخبار براديو دبنقا، لـ"العربي الجديد"، إن أعضاء فريقه لاحظوا بمتابعتهم ورصدهم لوسائل التواصل الاجتماعي والمواقع الإلكترونية والعدد القليل من الصحف التي تصدر إلكترونيا في السودان وحتى التلفزيون الحكومي، زيادة كبيرة في حجم الأخبار المفبركة والمضللة منذ اندلاع الحرب، مشيراً لضرورة التفريق بين الخبر المفبرك والمضلل، فالمفبرك هو خبر مختلق لا وجود له على أرض الواقع ويجري تصميمه باحترافية بحيث يتحول من خلال التداول إلى خبر حقيقي يكتسب مصداقيته من اتساع تداوله ووصوله للقراء من مصادر موثوقة لديهم، أما الخبر المضلل فهو استخدام معلومة حقيقية أو فيديو أو صورة في غير موقعها لتمرير وتعزيز مصداقية معلومات لا يمكن التحقق منها، وخير مثل: استخدام مقطع فيديو مصور في مكان آخر أو تاريخ سابق للتأكيد على حدث أو خبر متداول.
وأكد سعيد، في حديث لـ"العربي الجديد"، أن الأخبار المفبركة والمضللة من النادر أن تكون نتيجة عمل فردي، بل هي في أغلب الأحيان نتيجة عمل منظم، بدءاً من إنتاجها إلى قنوات نشرها وتوزيعها، مشيرا لوجود غرف متخصصة تقوم بكل ذلك وتمتلك قدرات فنية ولوجستية كبيرة تسمح لها بإغراق وسائل التواصل الاجتماعي بالأخبار الكاذبة والمضللة، وفي الوقت نفسه تقوم بالتبليغ وبكثافة عن مصادر الأخبار الموثوقة لتقييد قدرتها على النشر، كما أشار إلى أن الحرب قادت أيضا لتراجع وسائل الإعلام والصحافة التقليدية السودانية، وأصبحت الوسائط الاجتماعية هي الوسيلة الرئيسية للحصول على المعلومة والخبر بجانب الإعلام الأجنبي.
وأوضح سعيد أن التحقق من الأخبار هو جزء من عمل غرفة الأخبار، لكن اتضح لاحقا للراديو أن هناك ضرورة لتوسيع نطاق التحقق وتقديمه كخدمة تحريرية منفصلة بالنظر إلى أن الكثير من الأخبار الكاذبة والمضللة قد لا تكون مرتبطة بما ننشره من أخبار، "لذلك قررنا توسيع نطاق التحقق، حيث يقوم كل أفراد فريق التحرير بإرسال المواد الرائجة في الوسائط، والتي تدور حولها الشكوك، إلى فريق التحقق الذي يختار يوميا واحدة من هذه المواد لإجراء عملية التحقق، وفي بعض الأحيان مادتين".
وأشار إلى أنه يتم اختيار المواد مما تتداوله مواقع التواصل الاجتماعي في السودان من قصص وحملات ومقاطع فيديو وتسجيلات صوتية ونصوص مكتوبة، وركزوا منذ البداية على التحقق من صحة المحتوى الواسع الانتشار وذي التأثير الكبير على رواد شبكات التواصل الاجتماعي. وبيّن سعيد أن فريق التحقق يقوم بعمله وفق محاور محددة، من بينها تاريخ النشر مقارنة بظهور المحتوى للمرة الأولى على مواقع التواصل الاجتماعي، والمصدر الأول الذي نشر فيه وعلاقته بالمحتوى، وهل حدث أي تلاعب في المحتوى باستخدام أدوات الذكاء الصناعي أو برمجيات التعديل، والبحث عن الغرض من نشر المحتوى المعني.
وكشف الرشيد سعيد عن إجراء فريق دبنقا منذ شهر ديسمبر/كانون الأول الماضي حوالي 115 عملية تحقق لمواد متنوعة، 75 بالمائة منها تتعلق بالحرب في السودان وبطرفيها، وأنهم توصلوا إلى نتيجة هي أن ثلثي المواد التي جرى فحصها مفبركة أو مضللة، "واكتشفنا أن طرفي الحرب ومناصريهما هم المصدر الأساسي للأخبار الكاذبة والمضللة".