قبل أسابيع، أثار قرار مديرية الضرائب في المغرب، جدلاً واسعاً في صفوف نجوم وصنّاع محتوى الويب المغربي، بعد أن تأكّد واكتشف الجهاز الضريبي المُكلّف عملية الرصد، أنّ ثمّة ملايين من الدراهم، يتوصّل بها نجوم المحتوى، ما يُؤكّد علامات الثراء الفاحش، التي بدأت تغزو مظاهرهم الخارجية وتظهر في حياتهم اليومية.
بهذا، تعتزم مديرية الضرائب في المغرب، فرض ضريبة على الدخل، إذ رغم أنّها نبّهت ودعت صنّاع المحتوى إلى التصريح بإيراداتهم المالية، إلّا أنّهم لم يعيروا اهتماماً لهذه الدعوة، التي يرى البعض أنّها مُهمّة كمُحاولة لتطبيق القانون الضريبي على كل الأفراد. فيما اعتبر كثير من المُدوّنين المغاربة، أنّ ذلك يدخل ضمن سياسة أضحت تنهجها المؤسّسات الرسمية من أجل الاستفادة من مداخيل، لم يتعب فيها هؤلاء الذين يقترحون مثل هذه الأفكار، أمام فضائح البطالة وأهوال التعسف، التي يعاني منها الشباب المغربي على مستوى البحث عن العمل وأجسادهم تئن تحت عذابات المرحلة و"هراوات" المخزن، وهي تنهال على أجسادهم النحيفة، كما حدث ذلك في الأيام القليلة الماضية في مدينة بالرباط في وجه الأستاذة.
ظاهرياً، يبدو الرأي الثاني أكثر جدارة من ناحية التعاطف مع صنّاع المحتوى وحقّهم المشروع في مواصلة أرباحهم، غير أنّ الأمر، الذي يدعو إلى المساءلة والنقد، هو ما طبيعة المواد البصريّة، التي يُقدّمها بعض النجوم المَغاربة على الويب؟ خاصّة أنّها لا تخرج عن كونها تُقدّم بعض الكوارث السياسية والاجتماعية، التي يشهدها المغرب. فيجري توليف جملة من الصور والفيديوهات والأحداث والتعليقات داخل فيديو واحد يرتكز على عنصر الاستفزاز، الذي يبقى مُستقلاً ومن دون معنى، إذا لم ينجح صاحبه في إمكانية تذييل الفيديو بتعليقات ساخرة مرافقة للصورة المعروضة.
هذه الطريقة في صناعة المحتوى، بدت مُؤثّرة من حيث الوسيط، لكنّها هزيلة ورديئة على مستوى المحتوى نفسه، ولا سيما أنّ بعض الفيديوهات، التي تعتمد على المسائل الاجتماعية المغربيّة، تُعوزها النظرة السوسيولوجية الثاقبة والمُشرّحة لصالح أشياء مكشوفة عابرة.
لكن مديرية الضريبة، لا تُؤمن بهذه الإبدالات المفاهيمية، التي أحدثها صنّاع المحتوى في المغرب، بل قد تعتبرها مجرّد أساطير بصريّة، يُموَّه المُشاهد بها من أجل الثراء لا أكثر. غير أنّ الذي لم تنتبه إليه مديرية الضرائب، وهي تهمّ بتقزيم مداخل النجوم من طريق القانون الضريبي، أنّ بعض هذه الفيديوهات الناجحة شكلاً ومضموناً، يرتكز على أفكار وعلى قوّة بصريّة، تستند إلى عامل الخيال والتوليف التقني، قبل أن يجد الفيديو طريقه إلى المُشاهدة.
هذا كله يجعل التلفزيون الرسمي يظهر بمظهر الضعف والوهن، وهو غير قادر على لملمة جسده واجتراح مشروع بصريّ، يُضاهي هذه الفيديوهات، التي تجري صناعتها ربما داخل مقاهٍ وتكتسح الملايين من المُشاهدين وفي دقائق معدودة بالمقارنة مع التلفزيون الرسمي، الذي جرّب كل الحيل البصريّة المُستندة إلى الهجانة والاقتباس والتنميط والدبلجة من أجل تقريب أواصر صداقته مع المُشاهد المغربي وكسب ثقته من جديد، بعد هجرة مشروعة طاولت التلفزيون الرسمي في السنوات الأخيرة. صحيح أنّ الموضوع لم ينتبه له أهل الثقافة والفنّ داخل المغرب، لكنّه شغل على مدار أسابيع الواقع الافتراضي، وجعل الكثير من الناس يتساءلون عن أهميّة هذه الضريبة في وجه هؤلاء الشباب، في وقت اعتبر فيه البعض أنّ نجوم المحتويات يتميّزون بقدرة هائلة على التأثير في واقع المشهد الفني بالمغرب، بطريقة لا يقوى على مُجابهتها أعيان التلفزيون الرسمي وهم يحصون أرباحهم ويُقدّمون عاهات بصريّة مُستديمة، أكثر من التي يدبّجها بعض النجوم داخل محتوياتهم. قد نتّفق مع هذا الطرح، ونختلف معه في آن واحد، أوّلاً: نجوم المحتويات استطاعوا بمُؤهلاتهم المُتواضعة خلق جمهور مغربي مُتعطّش لفيديوهاتهم، بحيث خلخلوا "مفهوم الفرجة"، التي ظلّت لسنوات تقتصر على المحطّات الرسمية، بوصفها المؤسّسة، التي تحظى بهذه الإمكانية.
غير أنّ بروز هؤلاء النجوم، قد حرّر هذه الفرجة وجعل مضامينها أكثر التحاماً بالحياة اليومية. ورغم ذلك، لم يستطع النجوم المغاربة داخل فيديوهاتهم خلق محتوى رصين يطرح أسئلة حقيقية عن مستقبل المغرب، أمام التحوّلات التي عرفها سياسياً واجتماعياً وثقافياً، عوض الاقتصار على فيديوهات الضحك وما يُرافقها من تسطيح وبلادة أضحت تكتسح الحياة اليومية داخل الفضاءات العمومية المغربيّة بالكثير من السخافة والابتذال.
هذا ويبقى الأمر، الذي لم تنتبه إليه مصلحة الضرائب، هو أنّ فرض ضريبة على دخل صنّاع المحتوى بالمغرب، يُضمر في طيّاته خطاباً حقيقياً، يعترف بشرعية هؤلاء النجوم ويمنحهم سلطة قانونية في إظهار المزيد من الابتذال البصريّ، لكنّ هذه المرّة بشكل مُقنّن من المؤسّسة نفسها.