"رحلة 404": أرض أحلام ثانية ورحلة أكثر إشكالية

24 يونيو 2024
الفيلم من بطولة منى زكي (باريشا دي ميلو موريرا/ فرانس برس)
+ الخط -
اظهر الملخص
- فيلم "أرض الأحلام" لداود عبد السيد يروي قصة امرأة تبحث عن ذاتها بعد حياة من التضحية بأحلامها من أجل عائلتها، حيث تتحول رحلتها للولايات المتحدة إلى مغامرة في البحث عن جواز سفرها المفقود كرمز لذاتها المفقودة.
- "رحلة 404" لهاني خليفة، بطولة منى زكي، يشابه "أرض الأحلام" في فكرة الرحلة والاختبار، حيث تسعى البطلة للحج لتطهير نفسها من ماضيها كعاملة جنس، لكنها تواجه تحديات تعيدها لماضيها.
- يتناول "رحلة 404" قضايا الصراع الأخلاقي والطهارة، مع التأكيد على الاستقامة الأخلاقية. يُشاد بأداء منى زكي، ويعكس الفيلم تأثير رحلة البطلة على حياتها والآخرين، مطرحًا أسئلة عميقة حول الذات والتطهير.

عام 1993، صدر فيلم المخرج داود عبد السيد "أرض الأحلام"، وهو آخر أفلام فاتن حمامة (1931 - 2015)، وفيه قدّم من يُصنّف أحد أهم مخرجي الموجة الجديدة (آنذاك) فاتن حمامة على نحو لم يألفه المشاهد من قبل: امرأة متقدّمة في السن، تواجه اختبار عمرها بعد حياة في الظل تمحورت حول إرضاء الزوج ورعاية الأولاد، بلا أحلام على الإطلاق سوى أن تسهر ذات يوم إلى آخر الليل. يختبرها الأبناء الذين يطلبون منها السفر معهم إلى الولايات المتحدة، أرض الأحلام، رغم أنها أحلامهم وليست أحلامها. وعندما تذعن إلى رغبتهم، تفقد جواز سفرها قبل يومٍ من موعد السفر، فتبدأ رحلتها الغرائبية في البحث عنه، بينما هي في الحقيقة والدلالة تبحث عن ذاتها الضائعة أيضاً. تصادف كلّ ما ومن لم يسبق له أن كان في سياق حياتها المنغلقة والهادئة، الملمومة على الأولاد. تلتقي ساحراً وتدخل قسم شرطة وتتوه في الشوارع وتسهر إلى آخر الليل، لتكتشف في آخر الأمر أنها لم تكن نفسَها يوماً، ولم تكن هنا أيضاً، وأنّ عليها أن تبقى، فتلك أحلام الآخرين، وليست أحلامها.

بعد أكثر من ثلاثة عقود، نجد أنفسنا أمام منى زكي، ويحلو لكثيرين تشبيهها بفاتن حمامة، في فيلم يذكّر في بنيته الأساسية بـ"أرض الأحلام"، وهو "رحلة 404" الذي بدأ عرضه في يناير/كانون الثاني الماضي. أخرج الفيلم هاني خليفة.

يتمحور العمل حول فكرة الرحلة والاختبار كما في "أرض الأحلام". تحدث الرحلتان في الفيلمين في فترة زمنية محدودة، لكن رحلة غادة (منى زكي) في هذا الفيلم أكثر إشكالية ربما، فهي رحلة إلى الله، أو إلى التطهّر بوصف أكثر واقعية (من العمل في الدعارة إلى الحج). في الروايات والأساطير والأديان، تحضر الرحلة بأبعاد فلسفية، وتقترن بالاختبار أو المحنة، وفيها نعاين الانتقالات العسيرة والمؤلمة للأشخاص الذين تم اصطفاؤهم، وفي "رحلة 404" ثمة ظلال لهذا المفهوم.

غادة الموظفة الناجحة في شركة عقارات، تستعد للتوجه إلى الحج لتتطهّر من ماضيها. هي عاملة جنس معتزلة، تواجه اختباراً عسيراً عندما تصدم إحدى السيارات والدتها، ما يتطلب منها مبلغاً كبيراً لعلاجها. لا تجد غادة مفرّاً من اللجوء إلى شبكة علاقاتها السابقة لتأمين المبلغ. تلجأ أولاً إلى صاحبة بيت العرض الجنسي الذي كانت تعمل فيه (شيرين رضا في دور قصير وأداء لافت)، فتخذلها بأن تربط تلقيها المال بتلبية رغبات معجب قديم يريدها لليلة واحدة. تلجأ إلى من يفترض أنهم معارف سابقون: سمسار عقارات يتودد إليها، وإلى الرجل الذي تخلى عنها عندما كانت في الجامعة ما دفعها إلى "الخطيئة"، وإلى زوجها السابق الذي اقترن بها وهو يعرف ماضيها لينتقم من والدته التي كانت تخون والده، فيخذلها الجميع باشتراطهم ضمناً أو علناً أن تعود إلى "الخطيئة".

سينما ودراما
التحديثات الحية

في مرحلة الاختبار، تكون الشخصية المصطفاة عرضة لتجاذبات متناقضة؛ الشيطان هنا في التفاصيل واقعياً ورمزياً، وهو ما نلاحظه في لبس غادة الحائر والمحيّر، إضافة إلى صراعها بين رغبتها بالتطهُّر، ولا وعيها المشدود إلى عالمها القديم، وهو ما نلاحظه في نظراتها وحركة جسدها عندما تدخل أحد الملاهي، إلى أن تنتهي للإذعان بتلبية طلب صاحبة دار العرض الجنسي بمقابلة ذلك المهووس، لتكتشف أنه زوجها السابق، وقد اكتشف أنه لم يعد راغباً في كسرها نفسياً لإثبات أن كل النساء عاهرات أمام نفسه. وباكتشافه هذا، يعدها بدفع تكلفة علاج والدتها، لتكتشف هي بدورها أن الذي تسبب في سقوطها عندما كانت طالبة في الجامعة قد دفع تكلفة العلاج فعلاً. ومن المفارقة أن يكون عناد غادة، ليس إيمانها، هو ما يعينها على اجتياز الاختبارات الصعبة، وأن تساهم رحلتها في عودة من أخطؤوا في حقها عن أفعالهم واكتشافهم ذواتهم، فكأن رحلتها كانت في اتجاهين ولأكثر من غرض، ليس الإيمان أبرزها بل الطهارة، أي الاستقامة الأخلاقية التي لا تعني التديّن بالضرورة.

"رحلة 404" فيلم متوسط المستوى أو أعلى قليلاً، فهناك مشكلات في بناء السيناريو خاصة في نهايته، وتزاحم غير مبرر للاختبارات والأحداث، لكن ذلك لا يمنع من التنويه بأداء منى زكي، وأظنه ارتفع بمستوى الفيلم.

المساهمون