دقيقة ونصف من التهويل

07 اغسطس 2024
في باريس، مايو 2024 (فرانس برس)
+ الخط -
اظهر الملخص
- أنتجت منظمة ليكرا إعلاناً يعرض معاناة يهود فرنسا من معاداة السامية، مشيراً إلى خوفهم من إظهار هويتهم الدينية وتجنبهم لممارسات يومية.
- الإعلان يربط بين ارتفاع معاداة السامية والاحتجاجات ضد العدوان الإسرائيلي على غزة، متجاهلاً قضايا مثل الإسلاموفوبيا وجرائم الحرب الفرنسية في غزة.
- ينتهي الإعلان بحذف كلمة "إخاء" من شعارات الجمهورية الفرنسية، مما يثير جدلاً حول مفهوم الوحدة الوطنية في فرنسا.

كجزء من حملتها للوقوف بوجه معاداة السامية في فرنسا، أنتجت منظمة ليكرا Licra (العصبة الدولية ضد العنصرية ومعاداة الساميّة) إعلاناً طوله دقيقة ونصف، عرضته شاشات التلفزيون الفرنسيّ ووسائل التواصل الاجتماعي، يحاكي ما يختبره يهود فرنسا من خوف، اضطرهم إلى إخفاء هوياتهم، بحسب الإعلان. يراهن الإعلان، وليس الأول من نوعه الذي تنتجه المنظمة المتهمة بمحاباة الصهيونية، على تفاصيل الحياة اليوميّة التي بدأ اليهود تفاديها، كعدم ارتداء ما يدل على دينهم، وتفادي أكياس البقالة من محلات الكوشر، بل حتى إغلاق النوافذ في أثناء أداء الصلاة قبل الطعام، كي لا ينتبه الجيران إليهم.

بالطبع، لا يشير الإعلان إلى من "يخيف" اليهود و"يمنعهم" من ممارسة حياتهم اليوميّة، فنحن أمام رهان على العواطف، وتصوير للاحتجاجات المتضامنة مع الفلسطينيين بعد 7 أكتوبر/ تشرين الأول الماضي على أنها حملة ضد اليهود، لا ضد الاحتلال في إسرائيل وجيشه الذي يرتكب إبادة جماعية هي الأكثر توثيقاً في التاريخ.

بحسب الإعلان على "يوتيوب"، ارتفعت نسبة معاداة السامية في فرنسا بما يقارب الـ300 في المائة منذ بدء العدوان الإسرائيلي على غزة، لكنه لا يشير مثلاً إلى الجنود الفرنسيين المتّهمين بارتكاب جرائم حرب في غزة، ولا إلى التضييق على المحتجين الفلسطينيين، ولا إلى توظيف تهمة "معاداة الساميّة" ضد كل من ينتقد إسرائيل، والأهم لا يشير إلى التقاط صور من يحملون علم فلسطين في الشارع خلسة، وتبادلها على وسائل التواصل الاجتماعي لشتمهم وتهديدهم... كل هذا لا يهمّ، الذنب الفرنسي ــ الأوروبي بشكل عام يتركز حول المواطنين اليهود لا الباقين.

في نهاية الإعلان، ولخلق صدمة من نوع ما، تظهر شعارات الجمهورية الفرنسيّة الثلاثة: حريّة ومساواة وإخاء، ثم تحذف إخاء في النهاية، في علامة على فتنة من نوع ما على "فرنسا" نفسها أن تعيد ترميمها.

في أثناء الانتخابات الفرنسية التشريعيّة التي أقيمت بعد حل الجمعية العامة الفرنسية، تداول الكثيرون أن الانتخابات الآن بين طرفين: طرف معادٍ للساميّة (اليسار) وطرف نازيّ (اليمين)، وانتصار اليسار الفرنسي، الذي لا يتردد بوصف ما يحصل في غزة بالإبادة الجماعية شكل صدمة لتلك الفئة.

لكن اللافت في كل هذا النقاش، أن لا خبر أو حديث عن الإسلاموفوبيا في فرنسا ضمن الإعلان أو حملة المنظمة، التي ارتفعت بنسبة تصل إلى 57 في المائة. هذا الغياب يتضح إثر قطع المؤسسة علاقتها بمسجد باريس الكبير والاتهامات المتبادلة بالعنصرية، و"صدمة المنظمة" الكبيرة من "الاستقبال الحماسي" لمرشحة فرنسا الأبية في البرلمان الأوروبي ريما حسن، المتهمة بمعاداة السامية بسبب موقفها الواضح الذي يدين حرب إسرائيل على قطاع غزة.

ففي فرنسا، وعلى عكس ألمانيا، هناك أصوات رسمية سياسية تنتقد إسرائيل بشدة، والشارع يشهد انقساماً واضحاً، يترجم على شكل عنف في الشارع في أوقات كثيرة. لكن أن يدّعي الإعلان بوضوح أن مفهوم "الإخاء" لم يعد موجوداً بين الفرنسيين، فهذه مبالغة في غير مكانها، ومن دون أي مبرر واضح على الأرض. لننظر ببساطة في الصور والفيديوهات المنتشرة على مواقع التواصل الاجتماعي، ونسأل: حاملو أي علم يتعرضون للمضايقة في فرنسا، العلم الفلسطيني أم الإسرائيلي؟

المساهمون