خلّي بالك من زوزو

17 مايو 2023
لم يكن "خلي بالك من زوزو" أفضل أفلام سعاد حسني (فيسبوك)
+ الخط -

لم يكن "خلي بالك من زوزو" أفضل أفلام سعاد حسني، وإنْ صُنّف من بين أفضل 100 فيلم في تاريخ السينما المصرية، فثمة أفلام حلّقت فيها من وصفت بالسندريلا احتفاءً بفرادة جمالها وموهبتها، ووصلت إلى ذُرا نادرة في الأداء، ومنها دورها المذهل في "الزوجة الثانية" (إخراج صلاح أبو سيف، 1967) و"القاهرة 30" للمخرج نفسه، و"الكرنك" و"الاختيار" و"موعد على العشاء" وسواها. ورغم ذلك، فإن الفيلم تفوق على ما سواه جماهيريةً وعائدات مادية، بل وذِكراً بين الناس إلى يومنا هذا.
أُنتج الفيلم عام 1972، وهو من إخراج حسن الإمام، ويدور حول زينب الشابة الجميلة التي تعيش بين عالمين: واقعي مبتذل وهو شارع محمد علي، حيث تعمل في فرقة والدتها الراقصة نعيمة ألماظية (تحية كاريوكا)، وآخر مثالي، وهو الوسط الجامعي، حيث تتألق وتتفوق وتصبح نموذجاً للفتاة المثالية المطلوب في مصر ما بعد عبد الناصر، فعلى الحياة أن تستمر، وعلى المجتمع أن يتصالح، وأن يقبل بتعدديته الطبقية والفكرية.
لكن زوزو لا تشعر بالصراع والتناقض بين عالميْها، بل تتجاوزه بإنكاره، مع رهان خجول على إمكانية المصالحة بينهما، لكن هذا الرهان سرعان ما يرتطم بالواقع الثقيل العاري من الاستعارات، فإذا الراقصة ليست فنانة، بل أداة للمتعة، والجامعة ليست حاضنة للمساواة بين الطبقات، بل للحلم بإمكانية ذلك.
تتعرف زوزو في مسرح الجامعة إلى مخرج شاب وثري (حسين فهمي) ويحبان بعضهما بعضاً. لكن هذا لم يُلغ التناقض في حياتها، بل زاده احتقاناً، فهناك من تضرر من تميّز زوزو، مثل الخطيبة السابقة للمخرج وسواها، فيكيد هؤلاء لزوزو ويجدون في عملها راقصة في الليل فرصة لإهانتها، وكي لا تحلم بتجاوز حدودها طبقياً. ورغم أن الفيلم يقارب معضلة الصراع الطبقي بسذاجة مفرطة وطوباوية حالمة، إلا أنه يتحرك في مقاربته هذه على مسارين متوازيين: الجامعة والمجتمع، فالصراع يدور في الجامعة حول مشروعية وشرعية أن تكون زوزو راقصة وزميلة في الوقت نفسه، ويصر الفريق الرافض لها على حصرها في مربّع الراقصة وحسب. وهو ما يحدث على نحو أعقد في المجتمع، فليس المطلوب إهانتها وحسب، بل تدميرها، ويتم ذلك بدعوة الخطيبة السابقة للمخرج فرقة نعيمة ألماظية لإحياء حفلة زفاف شقيقته، وأنظر ماذا يحدث في أجمل مشاهد الفيلم على الإطلاق الذي لولاه لكان الفيلم مجرد شريط سينمائي متواضع المستوى.
تدخل زوزو والمخرج الشاب إلى فيلا والده، فيسألها عن عائلة والدها فتجيبه مرتبكة أن والدها رجل عادي. بعد ذلك مباشرة، ترى زوزو والدتها وفرقتها الفنية وهم يرقصون على درج الفيلا، فيزداد حرجها، ثم تسمع والد المخرج الشاب وهو يتساءل باحتقار عن هوية هذه الراقصة، فيتضاعف حرجها.
بعد ذلك بثوان، قليلة تأتي الإهانة المباشرة الأولى. تتقدم خطيبة المخرج السابقة من والده وتخبره ضاحكة بأن الراقصة هي والدة زوزو، ثم تلتفت إلى زوزو وتوّجه إليها الإهانة الثانية، بألا تنسى بأن تخبر والدتها بأن العشاء جاهز في المطبخ.
أما الإهانة الثالثة فأسوأ، فبينما ترقص تحية كاريوكا تعزف الفرقة نغماً غربياً ساخراً لا يوائم الرقص الشرقي بل يزدريه، فترتبك كاريوكا ولا تعرف ما تفعل، وتبدو مثل ديك مذبوح وسط حلقة من المراهنين على هزيمتها والساخرين منها.
في هذه اللحظات بالغة الإحراج ينفجر التناقض داخل زوزو دفعة واحدة، فلقد خانتها الطبقة الثرية التي كان ستنضم لها، واحتقرت ماضيها وأهانت والدتها وفنها ومعنى حياتها، وليس أمامها سوى أن تختار عالم شارع محمد علي، أي أن تمزق القناع عن وجهها الحقيقي، وهو وجه الراقصة، فتخلع ثوبها فإذا ما تحته ثوب الرقص فعلياً لا مجازاً، كأنه جلدها الحقيقي. وإذ تبدأ بالرقص فإنها تفتن الحضور، فما خلقت إلا لتُمتع، إلا لتكون لعبة الثري وتسليته، وإذا حدقنا في نظرات العيون في ذلك المشهد ستعرف أي حزن تُخبىء وتداري.
ينتهي الفيلم بانتصار الجامعة والمجتمع إلى حد ما للراقصة الشابة، ويُعاد احتواؤها فيهما، ويقبّل حسين فهمي سعاد حسني التي تغني له وتحثه بأن يخلّي باله من زوزو، بمعنى أن يعتني بها وأن يحذر منها في آن واحد.
يا لجمال تلك النهايات السعيدة آنذاك.

المساهمون