رفع خمسة من صنّاع المحتوى على "تيك توك"، في مايو/أيار الماضي، دعوى قضائية ضد ولاية مونتانا الأميركية، للمطالبة بإلغاء الحظر الشامل الذي فرضته على المنصة، بحجة أنه ينتهك حقهم في حرية التعبير. بدت هذه الخطوة حينها كأنها مجهود شخصي لصنّاع المحتوى هؤلاء، من دون أي تدخل من أحد.
ولأكثر من شهر، حاول القائمون على المنصة، المملوكة لشركة بايتدانس الصينية، تجاهل الأسئلة حول دورهم في الدعوى القضائية ضد ولاية مونتانا. حين قُدمت هذه الدعوى، أشارت "تيك توك" إلى أنها تدرس رفع دعوى منفصلة، وهي خطوة نفذتها بعد أيام.
هذا الأسبوع، أقرّت المتحدثة باسم "تيك توك"، جودي سيث، بأن المنصة تمول الدعوى القضائية التي رفعها صنّاع المحتوى، بعدما أخبر اثنان منهم صحيفة نيويورك تايمز عن الأمر. وقالت سيث: "عبّر عدد من صنّاع المحتوى عن مخاوفهم، سواء علناً أو في لقاءات خاصة، عن التأثير المحتمل للحظر الذي فرضته مونتانا على مصدر رزقهم". وأضافت: "نحن ندعم صنّاع المحتوى لدينا في كفاحهم من أجل حقوقهم الدستورية".
وبينما تموّل "تيك توك" تكاليف الدعوى القضائية التي رفعها صنّاع المحتوى، فإنها لا تدفع لهم المال مباشرة، وفق ما قاله اثنان منهم. هذا التمويل يعكس مدى أهمية جهود صنّاع المحتوى في معركة "تيك توك" ضد قرار الحظر الذي يفترض دخوله حيز التنفيذ اعتباراً من الأول من يناير/كانون الثاني المقبل.
كان حاكم ولاية مونتانا، غريغ جيانفورتي، وقّع تشريعاً يحظر تشغيل منصة تيك توك في الولاية. ويجعل التشريع مونتانا أول ولاية تحظر التطبيق، وتمنع متاجر تطبيقات الهواتف المحمولة من توفيره داخلها. وقال غريغ جيانفورتي، عبر "تويتر"، إنّ الهدف من الحظر "حماية بيانات سكان مونتانا من الحزب الشيوعي الصيني". لكن "تيك توك" أكدت، أكثر من مرة، أنها لم تتلق طلباً من السلطات الصينية بشأن بيانات المستخدمين الأميركيين، كما أنها لم تسلمها أياً منها.
تعتمد الشركة على صنّاع المحتوى في مونتانا لإظهار كيف أن الحظر سيضر المستخدمين بدلاً من حمايتهم. تشبه الاستراتيجية في مونتانا تلك التي نشرت عام 2020، بعد إصدار الرئيس الأميركي حينها، دونالد ترامب، أمراً تنفيذياً يمنع "تيك توك" من العمل في الولايات المتحدة. في ذلك الوقت أيضاً، مولت "تيك توك" سراً دعوى قضائية رفعها منشئو المحتوى، وفقاً لصحيفة وول ستريت جورنال. وأدى الإجراء إلى منع الحظر. "تيك توك" غير مرغمة على الكشف عن تمويلها للحملات.
وحول هذه المسألة، قال الأستاذ الفخري للأخلاقيات القانونية في كلية الحقوق في جامعة نيويورك، ستيفن غيلر، لـ"نيويورك تايمز": "قد يعتقد المحامون أنه من الأفضل أن يرى المتابعون أن المبدعين مستقلون تماماً عن تيك توك، كشباب يتعرضون للأذى بدلاً من كونهم عملاء أو مبعوثين للمنصة". وأوضح غيلر أن رفع دعويين منفصلتين كان خياراً جيداً للشركة من الناحية الاستراتيجية، لافتاً إلى أن الدعوى التي رفعها المستخدمون قد يكون وقعها أقوى من تلك التي قدمتها المنصة، "لأن صنّاع المحتوى يمكنهم المطالبة بمصلحة شخصية بموجب التعديل الأول للدستور، والطعن في قرار مونتانا".
رفض بعض صناع المحتوى المذكورة أسماؤهم في الدعوى التحدث عن كيفية إشراكهم في هذا الجهد. لكن اثنين منهم قالوا لـ"نيويورك تايمز" إن محامي "تيك توك" تواصلوا معهم. من بين المدعين رقيب سابق في مشاة البحرية الأميركية، وأم تعيش مع أسرتها في مزرعة، وسيدة أعمال تبيع ملابس السباحة، وطالبة تنشر فيديوهات عن مغامراتها. ووفقاً للدعوى القضائية، فإنّ المدعين لديهم عدد بارز من المتابعين عبر المنصة ويجنون أموالاً منها.
وذكرت شركة المحاماة التي تتولى الدعوى، "ديفيس رايت تريمين"، أنها تواصلت مع العديد من صنّاع المحتوى الذين أعربوا عن مخاوفهم بشأن قانون مونتانا، وأخبرتهم أنهم إذا أرادوا التصدي لحظر المنصة، فإن الأخيرة ستساعدهم في رفع دعوى قضائية ودفع تكاليفها.
مَن رفعوا الدعوى جادلوا بأنّ الولاية تحاول ممارسة السلطات التي تتعلق بالأمن القومي التي لا يمكن إلا للحكومة الفيدرالية أن تمارسها، وتنتهك بذلك الحق في حرية التعبير. وجادلت الدعوى القضائية بأنّ "مونتانا لا تملك الحق في منع سكانها من المشاهدة أو النشر على تيك توك، كما لا تملك الحق في حظر صحيفة وول ستريت جورنال مثلاً، بسبب من يملكها أو بسبب الأفكار التي تنشرها".