توجّس ألماني من "تيليغرام"... "منبر كراهية" لجميع تيارات المتطرفين

24 ديسمبر 2021
تظاهرات ضد التلقيح "الإجباري" في ألمانيا (توماس كينزل/فرانس برس)
+ الخط -

على وقع الاحتجاجات العنيفة من قبل معارضي إجراءات جائحة كورونا، وتزايد المخاوف من التطرف، دعا مسؤولون سياسيون ألمان شركتي "آبل" و"غوغل" لإزالة "تيليغرام" من متاجر التطبيقات الخاصة بهما، على اعتبار أنّ المتظاهرين المناهضين لكورونا ينظّمون أنفسهم بنحو متزايد عبر هذا التطبيق. هذا إلى جانب المطالبة بتوضيحات حول كيفية التعامل مع خدمات مثل "تيليغرام"، لكونها "ليست شبكة تواصل اجتماعي بالمعنى الكلاسيكي"، ولكن لها تأثير ومدى أوسع بكثير من خدمات المراسلة البسيطة، حيث تمكّن "تيليغرام" المستخدمين من التواصل بنحو مشفر وتبادل صور ومقاطع الفيديو وبيانات أخرى.

"تيليغرام" و"المحتوى الإجرامي"

دقت الحكومة الألمانيّة الاتحادية ناقوس الخطر من خدمة "تيليغرام" التي تضم حوالى مليوني مستخدم مسجل في ألمانيا، والتي يُبثّ عبرها "محتوى إجرامي"، ولا سيما أنّ الشركة المشغلة "غير ملموسة" للسلطات الألمانية. إذ تبرز تقارير في الآونة الأخيرة، أن الكراهية والتحريض والعنصرية ومعاداة السامية تنتشر عبر "تيليغرام"، فيما يستخدمه مناهضو كورونا ومتطرفون يمينيون وجهاديون، بشكل "لا يمكن السيطرة عليه". حتى إنه تقدَّم عبره شهادات التطعيم المزيفة ضد كورونا. وهنا، تشير التقارير الإعلاميّة إلى أنّ السلطات الأمنية مقتنعة بأنّ بعض المحتويات التي يجري تبادلها وبثها بحرية على "تيليغرام" تساهم في تطرف من يسمون أنفسهم "المفكرين الجانبيين". وقبل أيام، أصبح معروفاً، من خلال بحث أجرته القناة الثانية في التلفزيون الألماني "زد دي إف"، أنّ "المعارضين الراديكاليين للتطعيمات تبادلوا الآراء في مجموعة دردشة على "تيليغرام" حول خطط ارتكاب جريمة قتل ضد رئيس وزراء ولاية سكسونيا ميشائيل كراتشمر"، فيما يحقق مكتب الشرطة الجنائية بالولاية في القضية، ونفّذ مداهمات بمشاركة القوات الخاصة. 

مطالبات لغوغل وآبل بإزالة "تيليغرام" من متاجرهما

في الإطار، أبرز رئيس هيئة حماية الدستور في ولايات تورينغن شتيفان كرامر مع "ايه آر دي" الإخبارية، أنّ الهيئة تواجه آلاف الدردشات، وأنّ الرسائل المشفرة التي يطلقها الرافضون لتطعيمات كورونا تحمل تخيلاتهم بمدى تفشي العنف، إذ يستخدمون خدمة "تيليغرام" للتعبير عن عنفهم بحريّة، وهذا ما يضع الدولة أمام مهمة صعبة. وأوضح كيف وُضعت قبل أسابيع "شمعة قبر" على عتبة منزل رئيس وزراء تورينغن بودو راميلو، بالإضافة إلى مقتل أحد الطلاب على يد أحد رافضي ارتداء قناع الوجه (الكمامات) خلال سبتمبر/أيلول الماضي. وهنا تشير الشبكة إلى أنّ هؤلاء "يريدون نشر الخوف والرعب وتحويل الأقوال إلى أفعال، وهم يحاولون جذب انتباه السياسيين بعد تيقّنهم من أنّ التظاهرات والاحتجاجات لم تعد كافية". وعن ارتكابات رافضي تدابير كورونا، يشير كرامر إلى أنّ "هؤلاء يحرضون الآخرين على العنف عبر "تيليغرام"، والمشكلة أنه باتت هناك صعوبة لثنيهم عن أفعالهم"، قائلاً إنّ "هؤلاء يريدون الشغب ويتحدون الدولة". وعن الآليات المتبعة، يلفت كرامر إلى أنّه "يمكن الأجهزة الأمنية المعنية الانضمام إلى مثل هذه الدردشات والتسلل إليها كأشخاص يفترض أنهم متشابهون في التفكير، لكن ناكري كورونا يتفاعلون مع مجموعاتهم ويقومون بحذف مجموعات الدردشة الخاصة بهم وبدء التواصل عبر مجموعات جديدة، ما يجعلها أشبه بلعبة القط والفأر".

وفي السياق أيضاً، قال وزير داخلية ولاية سكسونيا السفلى بوريس بيستوريوس لصحيفة "شبيغل"، إنّ "ما يحدث على تطبيق "تيليغرام" يتعارض مع إرشادات الامتثال الخاصة بشركة "آبل" و"غوغل"، مطالباً بإزالته، مضيفاً أنّ هناك حاجة ماسة للتواصل معهم وإقناعهم بذلك، إذ "علينا أن نتحسب لهجمات مميتة، تتضمن حتى القتل والهجمات الإرهابية. فالتهديدات المتزايدة تعطي، على الأقل، سبباً للخوف". أما رئيس وزراء ولاية بادن فورتمبيرغ وينفرد كريتشمان، فاعتبر أنّ "المتظاهرين الذين يستغلّون الاحتجاجات ضد كورونا يسعون لتشويه سمعة مؤسسات الدولة، وأنّ الوباء بالنسبة إليهم مجرد فرصة طيبة للاندفاع ضد السلطة".

"تيليغرام" يخرق القانون الألماني؟

عن خرق "تيليغرام" للقانون الألماني وعدم التزامه به، اعتبر نائب زعيم كتلة الليبرالي الحر في البوندستاغ، كونستانتين كوهله، أنّ "القانون الحالي منطقي، وهو ينظم عمل المنصات العاملة في ألمانيا وأن تكون في متناول السلطات، وعليه يجب أن تكون الشركات في أي حالة على تعاون مع الجهات الأمنية إذا كانت تريد التصرف في ألمانيا". وطالب كوهله وزيري الداخلية والعدل الاتحاديين بتوضيح كيف يمكن الدولة أن تقبل بذلك، قبل أن يشير إلى أن "القانون مثير الجدل، وهناك مطالبة بمراجعته لكون القانون يلزم الشبكات الاجتماعية نفسها بحذف المحتوى الإجرامي، والمشكلة من وجهة نظره، أنه في ألمانيا يتعيّن على القضاء وليس الشركات الخاصة أنّ تقرّر ما إذا كان المحتوى الفردي إجرامياً. وكمشغلين للمنصات، تتضارب مصالحهم، أي إنهم، في الواقع، لا يحبون حقاً حذف المحتوى ذي الصلة من الناحية الجنائية، لأنهم يستفيدون من مدى وصول البيانات وسرعتها على منصاتهم بأنفسهم".

إزاء ذلك، يبرز موضوع القانون النافذ الذي يمكّن أجهزة الاستخبارات من قراءة الاتصالات المشفرة في ظل ظروف معينة، إلا أنّ الأمر يثير جدلاً سياسياً، إذ تريد الحكومة الجديدة تطبيقه، ما قد يساهم في عمل السلطات الأمنية. ومن خلاله، سيتعين على الشبكات الاجتماعية مثل "تيليغرام" الإبلاغ عن الرسائل ذات الصلة لمكتب الشرطة الجنائية الفيدرالية اعتبارًا من فبراير/شباط المقبل، كالتهديدات بالقتل والعنف وغيرها من جرائم الكراهية الخطيرة. 

وفي الإطار، طالب وزير الداخلية في ساكسونيا السفلى بضرورة تحديد هوية المستخدمين عند إرسال رسائل ذات صلة إجرامية، حيث يبدو أنّ الخيار الأنسب حالياً هو ما يسمى "فخ تسجيل الدخول" الذي يوفر البيانات، وتتضمنه "اتفاقية تحالف إشارات المرور"، التي تشير إلى أنه إذا دعا أحد المتطرفين على الشبكة إلى القتل يمكن مستخدماً آخر الإبلاغ عن المنشور ويمكن الشرطة إنشاء "فخ تسجيل الدخول"، فإذا ما عمد إلى تسجيل الدخول على حسابه مرة أخرى، يقع في المصيدة ويجري اعتراض عنوان البروتوكول الخاص به (آي بي)، حيث يمكن الشرطة استخدام هذه البيانات للاستعلام عن هوية مزود الاتصالات. 

في الدول الديمقراطية يمكن استخدام "تيليغرام" لنشر الكراهية والتحريض على العنف، وفي الأنظمة الاستبدادية يمكن ناشطي حقوق الانسان من التواصل سرًا، لذلك لا أحد يريد منع الاتصال المشفر

ماذا يمكن أن تفعل الدولة؟ 

أعلنت وزيرة الداخلية في "ائتلاف إشارات المرور" نانسي فيزر، الأسبوع الماضي، أنها "لن تقبل بعد الآن تجاهل مشغلي تطبيق المراسلة في دبي طلبات برلين لحذف روايات المؤامرة حول التطعيمات، أو على سبيل المثال، الإبلاغ عن المستخدمين الذين يدعون للقتل". ولكن السؤال هو كيف تريد الوزيرة تغيير ذلك إذا ما رفضت شبكات خدمة الإنترنت التعاون مع السلطات. هنا، تفيد "زود دويتشه تسايتونغ"، بأنه "في دولة دستورية لا يمكن ببساطة توجيه الزناد إلى صدور الشركات والطلب منهم تنفيذ ما نريده"، مبرزةً أنّ العدالة تتحرك ببطء، وفي حالة "تيليغرام" بدأت بعد فوات الأوان، ولا سيما أنه كان معروفاً منذ سنوات أنّ المتطرفين اليمينيين يستخدمونه. ومع عدم وجود عواقب لذلك، يمكن السياسيين حالياً فقط تهديدهم، فيما الكراهية ستستمر بالغليان، وهو ما لفت إليه مع الصحيفة عينها وزير داخلية تورينغن غيورغ ماير، قائلاً: "هناك عقبات قانونية كبيرة للحجب الفني للخدمة في ألمانيا، وقد يستغرق الأمر سنوات". 

وفي الإطار، اعتبرت شبكة "اي ار دي" الاخبارية، أنه "في النهاية قد لا يتمكن الساسة الألمان من التعامل مع "تيليغرام" إلا على المستوى الدولي". وأشارت إلى أنّ "الاتصالات المشفرة سيف ذو حدين. ففي الدول الديمقراطية يمكن أعداء الدستور استخدامه لنشر الكراهية والتحريض على العنف، وفي الأنظمة الاستبدادية يمكن نشطاء حقوق الانسان التواصل سرًا. لذلك لا أحد يريد حقاً منع الاتصال المشفر". 

المساهمون