دونالد ترامب (Getty)
03 نوفمبر 2020
+ الخط -

لا يمكن إلّا أن تلاحظه، بغرته الشقراء التي تشبه عرف الطائر، ولون بشرته البرتقالي، وربطة عنقه الحمراء الطويلة جداً، وسرواله الضخم.  
يتساءل البعض إذا كان للرئيس الأميركي من يصفف شعره، وإذا كان لديه شخص مسؤول عن انتقاء ملابسه، بسبب الخيارات الخاسرة التي يتخذها بهذا الخصوص، وطريقة تعامله معها غير الأنيقة، كالكثير من الخيارات السياسية التي لم تكن ناجحة بالضرورة.
ذهب البعض ساخراً إلى اعتبار فشله في الأزياء نابعاً من الاختلافات السياسية بينه وبين معظم مصممي الشعر، أو صانعي الأزياء في الولايات المتحدة (الديمقراطيين غالباً) الذين يرفضون سياساته، ويرفضون تقديم الملابس له، كـ توم فورد ومايكل كورس، إذ أكّدا أنهما لن يساهما في تحسين صورته أمام الناس. أي أن ملابسه أصبحت أيضاً سياسية، وأصبح مظهره يدل على عزلته أمام أسياد الموضة الأميركية، على الرغم من هويته المانهاتنية الواضحة. 
فيما يتساءل آخرون إذا كان محيطه قادراً على تقديم النصح له في ما يتعلق بملابسه، للتأكيد على أنه غاضب دائماً، ولا يحتمل أي انتقاد، وأن من يتجرأ على انتقاده سينهال عليه بالسباب والصراخ. 

توم فورد ومايكل كورس، إذ أكّدا أنهما لن يساهما في تحسين صورته أمام الناس. أي أن ملابسه أصبحت أيضاً سياسية، وأصبح مظهره يدل على عزلته أمام أسياد الموضة الأميركية

يحب ترامب إحداث جدل حوله، ضمن الاستراتيجية التي يتبعها والمنبثقة من أفكار مستشاريه الجدليين، روجر ستون وبول مانافورت، وشركائهما، القائمة على الاستفزاز والبقاء تحت الأضواء وجذب الأنظار بشكل دائم، حتى وإن كان يتطلب ذلك التعرض للسباب. لهذا، يدافع دونالد ترامب عن أسلوبه في الملابس، يقول إنه يتوجه إلى الأميركي العادي، ويحاول أن يتشابه معه، فيما يعتبر النقاد أن هذا الخيار ينسجم مع الصورة التي يريد نقلها؛ فهو شخص مقتدر ولن يكلف نفسه عناء قواعد اللياقة والأناقة، كما أنه شخصية إعلامية شهيرة، ولهذا يجب أن تكون أزياؤه جدلية أيضاً، وفق ما تنقل مجلة "مدام فيغارو" الفرنسية عن أختصاصيين في عالم الموضة. المجلة نفسها اتهمت الرئيس  بالبخل، فهو يستخدم نوعاً رخيصاً من مثبت الشعر لم يغيره منذ الثمانينيات، وأعادت الطول الغريب لربطات عنقه وألوانها العجيبة إلى وزنه الزائد الذي يحاول إخفاءه بربطة عنق.

إعلام وحريات
التحديثات الحية

كان أكثر المشاهد غرابة خلال زيارته لقصر باكينغهام للقاء الملكة إليزابيث عام 2019؛ إذ بدا ببدلته ذات المعطف طويل الأذناب وربطة عنقه المائلة وكأنه دخيل عليها، وكأنه يهزأ من الملكة، ما أضاف إلى خياراته السيئة في الملاحظات التي قدمها عن بريطانيا. وبالمناسبة، كان خيار زوجته ميلانيا أيضاً سيئ جداً خلال تلك الزيارة، إلى درجة أن وسائل الإعلام اعتبرت معطفها الأصفر نوعاً من الاستهزاء بالملكة. وقالت مجلة فوربز إنها غفرت له ربطات العنق الموضوعة باستخدام شريط التلصيق، وغفرت له سراويله الكبيرة جداً، وغفرت له البدلات التي لا تتناسق فيها الألوان أو الأحجام وغيرها من التفاصيل، لكن لم تتقبل أبداً ملابسه خلال زيارة ملكة بريطانيا. 

أثناء زيارة دونالد وميلانيا ترامب للملكة إليزابيث (Getty)

لا يسعنا الحديث عن دونالد ترامب، صاحب الأبراج الكبيرة، وملك العقارات في نيويورك وسلطان برنامج المبتدئ، من دون تذكّر غرته الكبيرة التي أخذت حيزاً مما نشره الناس على وسائل التواصل الاجتماعي، واحتلت مكاناً لا مثيل له في الفقرات الكوميدية الأميركية والأفلام. فقد قال الممثل توماس إف ويلسون إنه استوحى شكل شخصية بيف تانون في فيلم العودة إلى المستقبل 1985 من قصة شعر دونالد ترامب، فيما غرق الإنستغرام بصور القطط التي صفف أصحابها غرات قططهم على طريقة الترامب وشاع هاشتاغ #trumpyourcat
على الرغم من كل ما سبق، شئنا أم أبينا أثر دونالد ترامب في صناعة الأزياء. بما أن مهمة صناعة الأزياء تكمن في تقديم انعكاس عن العالم الذي نعيش فيه، أشارت عدة دراسات إلى أن ترامب أزاح الموضة بشكل غريب جداً. فقد ألهمت ملاحظاته المهينة للمرأة فكرة تمكين المرأة وزيادة البعد النسوي لها في الموضة، كما في مجالات أخرى، كرد فعل عكسي على سلوكه المتحيز ونظرته القديمة جداً للنساء.

هكذا، هيمنت البدلات النسائية، خاصة مع السروال، كما رأينا عند بالانسياغا وسيلين وستيلا ماكارتني، وحتى ديور ومديرته الفنية صاحبة قميص "يجب أن نكون جميعاً نسويات"، وغيرها من دور الأزياء، كي تشعر المرأة بالقوة وتبدو أكثر صلابة. فيما تطورت الملابس لتكون فضفاضة تضيق عند الخصر لتقديم صورة الثبات، أو تبقى مسدولة من دون حدود لتقديم صورة التماسك، وتحولت الأكمام لتبدو أكثر ضخامة لتقديم مظهر القوة كرد على سراويله الذكورية العريضة وخصره الكبير الذي يظهر ضعفاً في الأداء. وكتحد قوي لابنته إيفانكا وزوجته ميلانيا ونساء إدارته الترامبيات، كهوب هيكس وسارة هوكيبي المفرطات في الأنوثة لتعزيز نوع جديد من السلطة البعيد عن ملاحظات مثال الرجل الأبيض الذكوري القديم دونالد ترامب. 

هيمنت البدلات النسائية، خاصة مع السروال (من مجموعة ستيلا ماكارتني/Getty)

إضافة إلى كل هذا، أصبحت الملابس النسائية أكثر احتشاماً وتغطية للجلد، كالتنانير متوسطة الطول، أو الطويلة، والقمصان ذات القبة العالية كما رأينا عند فيكتوريا بيكهام وسيلين. لم تكن هذه المتغيرات بمحض الصدفة، إنما أتت كرد على تصريحات ترامب الجنسية الفاضحة والمزاعم حول سلوكه السيئ مع النساء، والتفاخر بالحديث عن أجسادهن. 
وعادت أيضاً فكرة وضع السروايل تحت الفساتين، ورأينا هذا الأسلوب عند إيما ستون وروزي هنتنغتون وايتلي وإيما واتسون.

أصبح التستر شكلاً من أشكال تمكين المرأة، ففي حين ترى بعض النساء أن التحرر يكمن في التباهي بأجسادهن، وهي فكرة جيدة ولها أبعاد مختلفة وهامة، رأت أخريات أن الملابس المحتشمة والعملية جداً ترد على ذكورية ترامب وعلى طريقة ارتداء زوجته للملابس غير العملية، فقد تلقت الكثير من الانتقادات عند زيارتها للمتضررين من إعصار هارفي عام 2017 لارتدائها حذاء بكعب عال وضيق جداً. 
يحب دونالد ترامب، صاحب برنامج ملكات جمال أميركا، الظهور دائماً بمظهر الرجل الأبيض الغني أو الألفا الذكوري، القادر على ترويض أجمل الجميلات بسبب أمواله الطائلة، ولهذا يفضل الظهور أمام جميلات أميركا وكأنه سيرمي أوراق المال عليهن ليلهثن خلفه ويخضعن لنزواته.

يحب ترامب، صاحب برنامج ملكات جمال أميركا، الظهور دائماً بمظهر الرجل الأبيض الغني (Getty)

لم يكن يعلم أنه أهم سبب لتطور الحركات النسوية العالمية منذ توليه السلطة، فقد ظهرت الحركات النسوية الضخمة كـ "أنا أيضاً" وغيرها رداً على دونالد ترامب، وخرجت النساء من علبة الباربي إلى مكان واسع جداً لتسمع صوتها وتأخذ مكانها. لهذا يمكن أن نقول إن وصول ترامب إلى الموضة لم يكن سيئاً، بل كان سلاحاً ضرورياً. 

المساهمون