هوليوود: مزحة ترامب لم تعد تحتمل

03 نوفمبر 2020
الضربة الأشد التي كشفت عن سوء ترامب جاءته من هوليوود نفسها (Getty)
+ الخط -

اليوم هو موعد الانتخابات الرئاسية الأميركيّة، والحملات والدعايات الانتخابيّة على أشدّها، ومشاهير هوليوود جزء مهم من هذه الحملات، إذ نراهم يخرجون بأسمائهم وشخصياتهم الحقيقية والوهميّة، ويدعون الناس إلى التصويت. كل صوت الآن ذو قيمة، لأن مزحة ترامب لم تعد تحتمل، ولا بد من التخلص منه "ديمقراطيّاً"، ولو لصالح بايدن.

هذا الموقف الواعي والجدّي له وجه آخر أشد انتقاداً، يتناول دونالد ترامب كشخص وكرجل سياسية، ويمكن تلخيصه بكلمات الممثل روبرت دنيرو: "تباً لك يا دونالد ترامب"، وفضلنا هنا الترجمة المخففّة المعتادة، لأن المعنى حاضر في ذهن القرّاء.
العداوة بين ترامب وهوليوود تتحرك على عدة مستويات، أولها وأهمّها أن هوليوود كانت خشبة ترامب الأولى، التي قدم فيها نفسه كمليونير نيويوركي، وعازب مثير للجدل، فهو الرئيس الثاني بعد رونالد ريغين الذي يدخل البيت الأبيض من بوابة هوليوود. الاختلاف أن ترامب ليس ممثلاً، لكنه ظهر عشرات المرات على الشاشات السينمائية والتلفزيونيّة، إذ نراه في sex and the city وfresh prince of Bel-aire، وHome alone، كما أنه واحد من مشاهير الشاشة الفضيّة بسبب برنامجه الشهير The apprentice.
هذه الصورة التي تحتوي ترامب لم تكن تعامل بجدّية، كان محط النكات، أو ضيفاً عابراً في مشاهد بسيطة، جمع بعضها في مقطع يوتيوب لا يتجاوز طوله الثلاث دقائق، أشبه بغني يريد فقط أن يكون على الشاشة، إلا أنّه لم يتمكن من عقد صداقات مع نجوم هوليوود الكبار أو أسماء القائمة الأولى، كحالة باراك أوباما، بل تلك الفئة المثيرة للجدل أصلاً كحالة صداقته مع كانييه ويست وكيم كارداشيان. 
فوز ترامب بالانتخابات شكّل صدمة. ما كان مزحة غير قابلة للتصديق؛ أصبح حقيقة. ومع استمرار سياساته العنصرية وتصريحاته المتحيزة جنسياً، وجدت هوليوود نفسها في مواجهة مع ترامب كشخص، وكسياسي، والأهم في معركة لأجل أميركا وقيمها التي تزعزعت بسبب ترامب، إذ طبّع بأسلوبه وأكاذيبه ما كان دائماً محط مخاوف اليسار، ألا وهو اليمين الشعبويّ، ذاك الخائف على أرضه وسلاحه. 

قبل الخوض في أثر ترامب على المستوى الفني، لا بد من الإشارة إلى أن هناك تهديداً اقتصادياً قد يطاول هوليوود؛ فعداوة ترامب للصين، جعلت الصناعة السينمائيّة مهددة بخسارة واحد من أكبر الأسواق العالمية لتصريف الأفلام، وقد يؤدي هذا إلى انخفاض المبيعات على شباك التذاكر، والأهم، قد تقرر الصين منع أو إيقاف الأفلام الأميركيّة، ما يعني خسارة واحد من أكبر الأسواق العالميّة. كما أن تصريحاته وسياساته المعادية للمهاجرين والأجانب، قد تدفع الكثيرين للتوقف عن العمل في هوليوود، فضلاً عن أن بعض نجوم هوليوود الأميركيين تركوا البلاد نفسها بسبب ترامب، كالممثل دينيس أوهار الذي قرر العيش في فرنسا لأن الوضع لم يعد يحتمل في الولايات المتحدة، بحسب تصريحه. 

الضربة الأشد التي كشفت عن سوء ترامب كشخص، لا كسياسي فقط، جاءته من هوليوود نفسها

الضربة الأشد التي كشفت عن سوء ترامب كشخص، لا كسياسي فقط، جاءته من هوليوود نفسها، فموقع Access Hollywood هو الذي نشر التسجيل الشهير الذي يتحدث فيه ترامب عن أسلوب تعامله مع النساء، ما دفع الكثيرات للظهور إلى العلن وتقديم شكاوى ضده.
لن نخوض في الأشكال التي تمت فيها السخرية من ترامب كشخص، أو تلك التي استهدفت تصريحاته أو أسلوب أدائه، بل تلك الأفلام والمنتجات التي كشفت عن كذبه، أو أعادت النظر في حقيقة ما قاله وطبيعة سياساته وأثرها على المجتمع الأميركي.

وهنا نجد أنفسنا بداية أمام الخطاب النسويّ الفاعل ضد ترامب وإدارته، وأولئك الذين يدعمونه، خصوصاً نظرته الدونيّة للنساء، تلك التي طبّعها بكلماته وتصريحاته العامة، سواء كانت جدّية أو مازحة. علاقات القوة هذه نتلمس أثرها في فيلم Bombshell الذي يكشف عن التحرش المنهجي الذي مارسه Bill O’Reilly ضد مذيعات ومعدات في قناة فوكس، الداعم الأكبر لدونالد ترامب. 
أثر خطاب ترامب، ولو كان مازحاً، لا يمكن ألا يُرى سوى بشكل جدّي، كونه الرئيس، وكلامه دوماً ذو معنى وقيمة قانونيّة، ويبيح للآخرين تلقيه بوصفه كلاماً رسمياً، خصوصاً في ما يتعلق بقضايا الملونين، والتفوق الأبيض، الذي ما زال إلى الآن يتردد ترامب بإدانته، وهذا ما نراه بصورة ساخرة لكن شديدة التأثير في فيلم BlacKkKlansman، للمخرج سبايك لي، الذي ينتقد فيه تاريخ أميركا العنصري، وأثر فيلم the birth of a nation على حيوات الملونين، وكيف انتهى الأمر ببعضهم على المشانق بعد أن قام بعض المتحمسين من مشاهدي الفيلم بتطبيق ما شاهدوه فيه من مشاهد يشنق فيها السود. 


الأنواع السينمائيّة وجمالياتها لا تقتصر على المحاكاة المباشرة للواقع أو التاريخ. الخيال العلمي أيضاً يلعب ذات الدور، ففي فيلم Bright نشاهد انتقاداً لعلاقة الشرطة مع المهاجرين والمختلفين وأسلوب التعايش بينهم، فنحن أمام تخيل مستقبلي للعالم، ما زالت فيه مشاكل المهاجرين قائمة، لكن ما يحاول أن يقوله الفيلم أن "تركهم خارجاً" و"طردهم" لا يحلان المشكلة الداخليّة، المتمثّلة بتصاعد اليمين المتطرف الشعبويّ، المتمسك بآرائه الخاطئة علمياً والمتعصبة للذات البيضاء. 


من جهة أخرى، يقسم الاستعراض عوالمه إلى فضاءين؛ الأول جدّي، متماسك، يدّعي الشرعية ويتمثل بالمؤسسات الرسمية وحكاياتها وكلام القائمين عليها من سياسيين، والآخر غير جدّي، يتمثل بصناعة الترفيه بأشكالها المختلفة، والتي يمكن اعتبار هوليوود أقصى أشكالها.
ترامب تمكن من الانتقال في أعين الناس من مقاول ورجل استعراض غير جدّي إلى المساحات الجدّية.

هذه النقلة وبسبب "أداء" ترامب نفسه، كشفت أن الاستعراض، سواء كان جديّاً أم لا، محكوم بذات القواعد، الأسلوب والحكايات وتقنيات الإقناع، كلها، شكل من أشكال الأداء الذي راهن عليه ترامب لخلق صورته، ما دفع هوليوود نفسها لإعادة النظر في الاستعراض من جهة، وإكساب نفسها الجدّية اللازمة للوقوف بوجه المؤسسة السياسيّة. هذه الملامح نراها في فيلم سبايك لي، ونهايته التي تحوي تعليقاً على تاريخ السينما وتسجيلات واقعيّة لأحداث عنيفة حرّض عليها فيلم "نشوء أمة"، الذي يتناوله لي. إعادة النظر هذه نراها أيضاً في الوثائقيات كفيلم "لا يتحد أحد: محاكمات الصحافة الحرّة"، الذي يتناول الشريط الإباحي الخاص بهولك هوغان والذي منع من البث لأن واحداً من العاملين بإدارة ترامب أراد تلقين الصحافة درساً، ما يتركنا أمام وثيقة تكشف الدور الذي تلعبه إدارة ترامب في تهديد "الحقيقة" وأسلوب إنتاجها.

فيلم who is roger stone، يتناول دور روجر ستون، رجل الظل المسؤول عن الصورة العامة لترامب وحاشد الجموع لأجله


الأمر ذاته نراه في فيلم who is roger stone، الذي تناول دور روجر ستون، رجل الظل المسؤول عن الصورة العامة لترامب وحاشد الجموع لأجله. كل هذه الأشكال التي لا يمكن حصرها والتي تندرج تحت علامة "الترفيه"، تعكس موقفاً سياسياً مناهضاً لترامب وإدارته، في ذات الوقت تحمل رسائل وأشكال تمثيل تحاول دفع المشاهدين للتفكير في قيمة أصواتهم وطبيعة الخطاب الذي يتبنونه وأثر إدارة ترامب على أميركا، لا كدولة فقط، بل كمفهوم.

المساهمون