"بروباغندا حماس": إسرائيل تحرّض والإعلام الغربي يُصفّق

06 نوفمبر 2023
من تظاهرة تضامنية في واشنطن (Getty)
+ الخط -

مجزرة، جثث متراكمة، دمار ويد صغيرة تظهر من تحت الركام، عويل أمهات، دموع رجال يحتضنون جثث أطفالهم، وعيون مرعوبة لأطفال قد يفهمون وقد لا يفهمون كيف حاصرهم كل هذا الموت.
صور المجزرة المتواصلة في قطاع غزة، كانت كفيلة وحدها، لقلب السردية الإسرائيلية التي حاولت السيطرة على الإعلام بعد عملية طوفان الأقصى، في 7 أكتوبر/ تشرين الأول الماضي. هذه الصور والشهادات نقلها صحافيون ومدونون فلسطينيون، اختاروا التفرغ لهذه المهمة، في ظل التعتيم الإسرائيلي على وحشية العدوان، ومنع الصحافيين الأجانب من الدخول إلى القطاع.
أمام تراجع الرواية الإسرائيلية (نسبياً) على مواقع التواصل الاجتماعي، و"تسلّل" الرواية الفلسطينية إلى الصفحات، وبرامج التلفزيون، وبعض الصحف، اختارت آلة البروباغندا الإسرائيلية تغيير استراتيجيتها: التشهير بكل من يشكك في روايتها.
والتشهير كسياسة إعلامية، ليس جديداً في الإعلام الإسرائيلي، بل إن موقعاً كـ"كاميرا"، يجنّد صفحاته منذ سنوات للتحريض على الصحافيين الذين ينتقدون الاحتلال، ما تسبب في صرف عدد من هؤلاء من المؤسسات الغربية التي كانوا يعملون فيها (دويتشه فيله، ونيويورك تايمز على سبيل المثال).
لكن في العدوان الحالي، اتخذ التشهير أبعاداً أخرى، تشكّل في الحقيقة خطراً على حياة الصحافيين والمدونين، من خلال توجيه اتهامات عشوائية لهم بـ"معاداة السامية" أو "التحريض على قتل الإسرائيليين"، خصوصاً أنه خرج من إطار الإعلام الإسرائيلي حصراً، نحو مؤسسات إعلامية أميركية وبريطانية. وفي السياق نفسه، بدأ الحديث بشكل مركّز عن "ماكينة البروباغندا الخاصة بحركة حماس" من خلال تحليلات أغلبها عشوائي وشخصي، يندرج في إطار التحريض على وجوه صحافية أو مؤثرة داخل قطاع غزة وخارجه.
في ما يلي سنسلّط الضوء على بعض النماذج الفاقعة للتشهير والتحريض الإسرائيلي على صحافيين وناشطين مدافعين عن فلسطين وأهالي قطاع غزة.

صحافيو BBC عربي

لنأخذ على سبيل المثال صحافيي "بي بي سي عربي" الذين أوقفوا عن العمل بعد أسبوع من بدء العدوان، بسبب تغريدات ومنشورات "بدا كأنها تحتفي بالهجوم الذي أسفر عن مقتل حوالى 1300 إسرائيلي"، في إشارة إلى عملية "طوفان الأقصى" التي نفذتها "كتائب القسام" في 7 أكتوبر.
حتى الساعة لم تصدر نتائج التحقيق الداخلي مع الصحافيين الستة، لكن مع انتشار خبر وقفهم مؤقتاً عن العمل، نشرت "ذا تليغراف" البريطانية الخبر، مع صورة كبيرة للصحافيين الستة. هذا التشهير، في ظل كل التحريض الذي يشهده العالم ضد الفلسطينيين والعرب منذ 7 أكتوبر، رآه موظفون في "بي بي سي عربي" تهديداً مباشراً لحياة زملائهم، خصوصاً أن الهيئة فشلت في تقديم أي حماية لموظفيها منذ بداية العدوان. وما زاد حدة هذا التشهير، هو أن صحفاً بريطانية أخرى، مشهورة بمحتواها الفضائحي، أعادت نشر الصورة، بينها صحيفتا ذا صن وديلي ميل. ورغم أن "ذا تليغراف" عادت وعدلت المقال، حاذفة الصورة، إلا أن ذلك لم يغيّر من سرعة انتشارها على مواقع التواصل.

شابتان في نيويورك

في عددها الصادر الخميس الماضي، وضعت صحيفة نيويورك بوست الأميركية (شهيرة أيضاً بمحتواها الفضائحي) على غلافها، صورة لناشطتين في مدينة نيويورك تنزعان عن أحد جدران المدينة الأميركية، صوراً للرهائن الإسرائيليين الموجودين في قطاع غزة. الصورة احتلت الغلاف كاملاً، مع عنوان عريض "ولا أي ذرة من الأخلاق" ثم عنوان فرعي "حماس تتوعد بقتل اليهود مجدداً". وكان فيديو لشابتين تمزقان الملصقات عن الجدران قد انتشر على مواقع التواصل الاجتماعي، صوّرته شابة أخرى مناصرة للاحتلال حاولت مهاجمة الشابتين، إلا أنهما أكملتا ما كانتا تقومان به.

المدونون والصحافيون الغزيون

يوم الخميس الماضي، نشرت صحيفة جيروزالم بوست الإسرائيلية تقريراً مطوّلاً، اتهمت فيه 5 مدونين وصحافيين غزيين بالعمل لصالح "فريق الدعاية التابع لحركة حماس". المستهدفون من حملة التشهير هذه هم وجوه فلسطينية شابة، نجحت في الوصول إلى العالم من خلال مقاطع الفيديو والصور التي التقطوها منذ بدء العدوان، فظهروا على قنوات غربية عدة، ناقلين حقيقة ما يتعرّض له القطاع منذ بدء الحرب. وهؤلاء المدونون والصحافيون هم: بلستيا العقاد، وبيسان عودة، وهند الخضري، وأحمد حجازي، وعبد الله العطار. وبنت الصحيفة الإسرائيلية سيناريو، غير مبني على أي معلومة، سوى التحريض الصرف، عن علاقة هؤلاء بحركة حماس.

مقال "نيويوركر"

نهاية الشهر الماضي، نشرت مجلة " ذا نيويوركر" مقالاً مطولاً بعنوان "بروباغندا حماس". الفكرة الأساسية التي ينطلق منها التقرير، ويتوسّع فيها، هي المقارنة بين الجمهور الغربي والعربي في تقبّل الفيديوهات التي نشرتها الحركة وتظهر فيها وهي تتعامل بشكل إنساني وبلا عنف مع الأسرى الإسرائيليين. طيلة النص، يشرح الكاتبان ديفيد كيركباتريك، وآدم راسغون كيف نجحت الحركة في كسب عقول وقلوب الجمهور العربي، بينما بقي الغرب ينظر إليها كحركة وحشية إرهابية. وبين فكرة أخرى، يتنقّل الكاتبان لانتقاد أداء عدد من الصحافيين العرب الذي احتفوا بعملية "طوفان الأقصى"، وانتقاد استخدام مؤسسات إعلامية عربية لتعبير "مقاومين" للحدث عن مقاتلي كتائب القسام. يسمّي المقال الصحافيين بالاسم، في إطار انتقادهم، ثمّ يصل إلى مراسل قناة الجزيرة وائل الدحدوح. فقبل الإشارة إلى استهداف منزل عائلته واستشهاد زوجته وابنه وابنته وحفيده، يخبرنا الكاتبان أن الدحدوح "سبق وتلقى إشادات في السابق من قادة حركة حماس لنقله وجهة نظرهم في التغطية". ويعود المقال إلى مقابلة مع الدحدوح عام 2021 حين قال إنّ "نحو عشرين فرداً من عائلته قتلوا في مواجهات مع إسرائيل"، ليخبرنا المقال بعدها أن أربعة من هؤلاء الأقارب "على الأقل ينتمون إلى حركة الجهاد الإسلامي المسلحة".

نيويورك تايمز

وصفت صحيفة نيويورك تايمز، ما يحصل حالياً على الشبكة "بالحرب العالمية على الإنترنت". وسرعان ما انتقلت في إطار شرحها لبروز آراء مدافعة عن الفلسطينيين، إلى اتهام "إيران وروسيا، وبدرجة أقل الصين، باستخدام وسائل الإعلام الحكومية ومنصات الشبكات الاجتماعية الرئيسية في العالم لدعم حماس وتشويه سمعة إسرائيل، وحليفها الرئيسي أي الولايات المتحدة... كما انضم وكلاء إيران في لبنان وسورية والعراق إلى المعركة عبر الإنترنت، إلى جانب الجماعات المتطرفة، مثل تنظيم القاعدة والدولة الإسلامية، التي كانت في السابق على خلاف مع حماس".
من هي الجهات التي اعتمدت الصحيفة على تحليلها للخروج بهذه المعلومات؟ بشكل أساسي رافي مندلسون، نائب رئيس شركة Cyabra الإسرائيلية. كما نقلت الصحيفة تصريحات متقاطعة من مسؤولين في الحكومة الإسرائيلية، (لم تكشف هويتيهما)، قولهما إن إسرائيل تتعقب نشاط حسابات وهمية من إيران ودول أخرى "هذه أكبر من أي حملة سابقة شاهدناها".
إلى جانب تصريحات من معهد الحوار الاستراتيجي (مقره لندن)، وهو معهد أسسه عام 2006 جورج ويدنفيلد في لندن. ويدنفيلد الذي عرف عن نفسه طيلة حياته كـ"صهيوني مخلص" عمل مستشاراً لأول رئيس لدولة الاحتلال الإسرائيلي حاييم وايزمان عام 1949.

المساهمون