انتهت، الأربعاء، المهلة المحددة من نقابة الصحافيين المصريين لتلقي أوراق المرشحين لشغل منصب النقيب و6 أعضاء في مجلس الإدارة، خلال الانتخابات المقررة في مارس/ آذار المقبل، وخيّم الهدوء على الأجواء التي كانت تميزها المنافسة الحامية في الدورات السابقة.
ومع انتهاء اليوم الأخير من المهلة، لم يكن قد تقدم أحد من الأسماء الصحافية المعروفة للترشح لمقعد النقيب سوى رئيس تحرير صحيفة الأخبار ووكيل نقابة الصحافيين الحالي، خالد ميري، المحسوب على الدولة، بالإضافة إلى عضو مجلس النقابة السابق خالد البلشي المحسوب على التيار المعارض، والصحافي السابق في صحيفة المصري اليوم المتخصص في شؤون التعليم العالي أبو السعود محمد.
ولمقاعد أعضاء المجلس، فقد ترشح عضو المجلس الحالي محمود كامل، والصحافيان عمرو بدر وأبو السعود محمد، العضوان السابقان، والعضو الحالي هشام يونس، والصحافي في "الأهرام" عبد الرؤوف خليفة، وريمون فرنسيس.
وميز انتخابات الصحافيين هذا العام عدم الاستقرار على مرشح لمنصب النقيب قبل وقت كاف من الانتخابات، سواء من جهة الدولة أو من جهة المعارضة. فحتى اللحظات الأخيرة قبل فتح باب الترشح، لم تحدد جبهة المعارضة من الناصريين واليساريين داخل النقابة مرشحها لخوض الانتخابات، بينما اختارت أجهزة الدولة في اللحظات الأخيرة رئيس تحرير صحيفة الأخبار ووكيل نقابة الصحافيين الحالي خالد ميري.
وكانت المفاضلة بين مرشحي الدولة تنحصر ما بين رئيس مجلس إدارة "الأهرام" عبد المحسن سلامة، وبين ميري، لكنها حسمت لصالح الأخير، وهو ما أثار حفيظة صحافيي مؤسسة الأهرام الذين يشكلون كتلة تصويتية كبيرة داخل الجمعية العمومية للنقابة، واعتادوا أن يكون نقيب الصحافيين من مؤسستهم، كما حدث في الدورات السابقة التي فاز بها مرتين متتاليتين ضياء رشوان، وقبله عبد المحسن سلامة.
وقالت مصادر صحافية من داخل "الأهرام" إن "عدم اختيار أحد أبناء المؤسسة للترشح لمنصب النقيب، وفي الوقت نفسه الدفع بخالد ميري، ابن مؤسسة أخبار اليوم الذي لا يتمتع بشعبية كبيرة داخل الجماعة الصحافية، جعلاهم يفكرون في انتخاب أي مرشح آخر يحظى بالاحترام". وأضافت المصادر نفسها أن "حديثاً دار بالفعل داخل المؤسسة عن ذلك، واقترح البعض انتخاب نقيب الصحافيين السابق يحيى قلاش (ناصري) في حال أعلن ترشحه".
في المقابل، قال مصدر مقرب من قلاش إنه "حسم أمره بعدم الترشح في انتخابات النقابة، مفضلاً إفساح المجال لأجيال جديدة من الشباب".
كانت محكمة الجنح المصرية قد قضت، في 25 مارس من عام 2017، بالسجن عاماً واحداً مع إيقاف التنفيذ بحق قلاش وعضوي مجلس النقابة السابقين خالد البلشي وجمال عبد الرحيم، بتهمة "إيواء الصحافي عمرو بدر والمتدرب محمود السقا في مقر النقابة، مع علمهم بأنهما مطلوبان لسلطات التحقيق"، على خلفية تهم تتعلق بتظاهرات ما عُرف بـ"يوم الأرض" المناهضة لاتفاق مصر والمملكة العربية السعودية على تبعية جزيرتي تيران وصنافير الاستراتيجيتين في البحر الأحمر للأخيرة.
وقبل الحكم، خسر قلاش منصب نقيب الصحافيين إثر إجراء انتخابات التجديد النصفي للنقابة في 17 مارس 2017، فيما لم يتمكن البلشي من الحفاظ على عضويته في المجلس، على عكس عبد الرحيم.
وقالت مصادر من داخل كتلة اليسار داخل النقابة إن "يحيى قلاش، برفضه الترشح لمقعد النقيب، يبدو وكأنه يخشى تكرار سيناريو الهزيمة عام 2017 أمام رئيس مجلس إدارة مؤسسة الأهرام عبد المحسن الذي كان مدعوماً بقوة من الدولة". وكشفت المصادر نفسها أن "يحيى قلاش ومجموعة اليسار اتفقا على الدفع بعضو المجلس السابق خالد البلشي لمقعد النقيب، وذلك قبل يوم واحد من فتح باب الترشح". وأضافت أن "كتلة اليسار تواصلت أيضاً مع الكاتب والباحث عمرو الشوبكي من أجل إقناعه بالترشح، لكنه رفض أيضاً".
وأخيراً، أعلن خالد البلشي ترشحه لمقعد النقيب، وقال في بيان عبر حسابه في موقع فيسبوك إن قراره جاء "من أجل استعادة نقابتنا ووقف نزيف الخسائر فيها بوجودنا معاً حين تحين لحظة الحقيقة... وأراها قد حانت، ومن أجل نقابة محمية بوجود جمعيتها وأبوابها مفتوحة لأبنائها جميعاً". وأضاف البلشي أن "ترك الساحة خالية هو الذي يرسخ للصور المعلبة، ويرسخ لحالة استفراد شخص أو مجموعة بعينها بمصير جموع الصحافيين، بدلاً من إعادة الاعتبار للجمعية العمومية ورقابتها على تصرفات النقيب والمجلس وضبطها، بشرط أن يشعروا أن الجمعية هي من أتت بهم وليس أطراف خارجها، وعبر تنافس حقيقي يلزمهم جميعا بمراعاة أصحاب الحق والفضل في اختيارهم".
والبلشي رئيس تحرير موقع درب التابع لحزب التحالف الشعبي الاشتراكي، وكان رئيساً للجنة الحريات في مجلس نقابة الصحافيين بين عامي 2013 و2017، سجل خلالها مواقف عدة رافضة لحبس الصحافيين في قضايا النشر. واتهم، العام الماضي، بـ"نشر أخبار كاذبة عبر حسابه في فيسبوك"، في بلاغات تقدم بها مجهولون ضده، إلا أن النيابة العامة أخلت سبيله بالضمان الشخصي.
وقال نقابي سابق وأحد وجوه المعارضة البارزين داخل مجلس النقابة -مشترطاً عدم ذكر اسمه- إن "السبب الرئيس وراء انسحاب المنتمين لصفوف المعارضة من خوض الانتخابات هو الأجواء السياسية الرديئة المحيطة بالنقابة التي أفقدتها قوتها وتأثيرها على مدار سنوات، بالإضافة إلى الإفساد المتعمد لمهنة الصحافة من خلال احتكار وسائل الإعلام من قبل النظام، ما حوّل مصر ببطء إلى بلد الصوت الواحد، عن طريق آلاف السجناء السياسيين، ومئات من ضحايا التعذيب، ووفيات لا حصر لها داخل السجون".
وأوضح هذا النقابي السابق أن "قبول جبهة اليسار بالدفع بخالد البلشي للمنافسة على مقعد النقيب يعني اعترافاً مسبقاً بالهزيمة، لأن الدولة ستحشد بقوة لمرشحها خالد ميري، رغم كل ما عليه من اعتراضات حتى داخل المؤسسات القومية (الأخبار والأهرام والجمهورية)، كما أن فرص المعارضين من المرشحين لمقاعد المجلس ستكون ضعيفة أيضاً، لأن الدولة ستحشد لقائمتها مع النقيب".
وبدأت لجنة الانتخابات، التي شكلتها نقابة الصحافيين المصرية السبت، بتلقي أوراق الأعضاء الراغبين في الترشح لمقعد النقيب والمقاعد الستة الشاغرة في مجلس الإدارة، وذلك في انتخابات التجديد النصفي للنقابة المقررة في 3 مارس. في حال عدم اكتمال النصاب القانوني حينها، وهو حضور نصف أعضاء الجمعية العمومية زائد واحد، تؤجل لأسبوعين، لتعقد في 17 مارس، ويشترط لاكتمال النصاب القانوني في الانعقاد الثاني حضور 25 في المائة ممن لهم حق التصويت.
وقبل أسبوع، أعلن مجلس نقابة الصحافيين صرف معاش بطالة لنحو 405 صحافيين عاطلين من العمل، بقيمة 1250 جنيهاً شهرياً (40 دولاراً تقريباً)، بداية من مارس.
يعاني صحافيو مصر من أوضاع معيشية شديدة الصعوبة، دفعت الكثير منهم إلى ترك المهنة والعمل في مجالات بعيدة عن الصحافة، بسبب ضعف منظومة الأجور في الصحف الحكومية والخاصة والحزبية على حد سواء، من ناحية، والتضييق على عملهم الصحافي من مؤسسات الدولة الأمنية، من ناحية أخرى، في ظل ارتفاع غير مسبوق في أسعار جميع السلع والخدمات الأساسية، من جراء فقد العملة المحلية أكثر من 90% من قيمتها في غضون عام.
ويأمل الصحافيون إقرار زيادة جديدة على قيمة بدل التدريب والتكنولوجيا الذي يتقاضاه أعضاء النقابة شهرياً وقيمته 3 آلاف جنيه (98 دولاراً)، بالتزامن مع إجراء انتخابات التجديد النصفي، باعتبار ذلك "رشوة" انتخابية معتادة، ودائماً ما تقرها الحكومة مع انتخابات مجلس النقابة كل عامين دعماً لمرشحها.