المصوّر الصحافي حسن شعبان: لا حريات في لبنان اليوم

04 سبتمبر 2022
شعبان (وسط) خلال وقفة احتجاجية الجمعة (حسين بيضون)
+ الخط -

"نعيش في غابة. لا أحد هنا يُحاسِب أو يُحاسَب"، يقول المصور الصحافي اللبناني حسن شعبان الذي تعرّض للضرب ويواجه تهديدات متواصلة يحمّل مسؤوليتها لأعضاء في حزب الله، وسط تصاعد الاعتداءات على الصحافيين في البلاد منذ انتفاضة أكتوبر/تشرين الأول عام 2019.

في 3 أغسطس/آب الماضي، تعرّض حسن شعبان للضرب على يد أنصار حزب الله، في بيت ياحون جنوبيّ البلاد، وذلك خلال تغطيته اعتصاماً لأهالي البلدة احتجاجاً على انقطاع المياه. في اليوم التالي، وجد رصاصة مثبتة على نافذة سيارته من جهة السائق. بعد نحو عشرة أيام، وُضع مسمار معدني في دولاب سيارته المركونة في قريته، وعلقت ورقة كتب عليها: "فل (ارحل) من الضيعة، يا عميل يا كلب". والخميس، عثر على علبة كرتون قرب سيارته داخلها زجاجة بنزين موصولة بلوح تحكم وشريط.

يقول شعبان، لـ"العربي الجديد"، إن مسؤولين في حزب الله قصدوه بعد الاعتداء الأول عليه، وحاولوا التنصل من مسؤولية أتباعهم عنه، ثم تعهدوا بالمحاسبة. تقدم شعبان أيضاً بشكوى لدى القوى الأمنية بعد التهديد الأول الذي تلقاه، لكن القضاة في البلاد يخوضون إضراباً مفتوحاً.

يؤكد شبعان أن طلبه بسيط: "هذه حياتي، وأنا حرّ. لا أشتم أحداً، بل أنتقد وأسخر من الوضع الذي وصلنا إليه في البلاد عبر حساباتي في مواقع التواصل الاجتماعي. وحين أعمل، أريد أن أصوّر بحرية". ويضيف: "لا حريات في لبنان اليوم. وحتى حين لا نتعرض للضرب والإهانات والتهديد، فنحن نشعر طوال الوقت أننا مراقبون. التضييقات موجودة في المناطق كلها. أي مكان نقصده نتعرض للقمع، إن من قبل أعضاء في الأحزاب، أو مناصرين لهم، أو من قبل القوى الأمنية".

نقابة المصورين الصحافيين في لبنان قصدت وزير الداخلية بسام مولوي قبل أسبوعين، للاحتجاج على ما يحصل مع شعبان، وستكرر الخطوة نفسها الأسبوع المقبل. وزير الإعلام في حكومة تصريف الأعمال، زياد المكاري، اتصل بشعبان قبل نحو عشرة أيام، وعبّر عن "صدمته" مما تعرّض له، وقال إنه تواصل مع مسؤولين في المكتب الإعلامي في حزب الله ووعدوه بالتواصل مع شعبان والاعتذار منه. لكن ذلك لم يحصل، وفق ما يؤكد المصور الصحافي لـ"العربي الجديد".

ما يواجهه شعبان وزملاؤه دفع الصحافيين إلى التظاهر الجمعة أمام وزارتي الداخلية والإعلام في العاصمة بيروت، حيث استنكروا الاعتداءات وأساليب التهديد والترهيب التي يتعرّضون لها. وقال تجمّع نقابة الصحافة البديلة، في كلمة من أمام وزارتي الداخلية والإعلام، إنّ "هذه الرسائل المباشرة بالقتل أمرٌ خطيرٌ جداً وغير مسبوق وتصرف أمني جبان من الفاعلين". وأشار التجمّع إلى أنّه "رغم كلّ التهديدات ومرور الوقت لم تحرّك الأجهزة الأمنية أو وزير الداخلية ساكناً، وكأنّهم عاجزون أو متواطئون أو خائفون من قوى الأمر الواقع، وفي كل الحالات لن نسمح بالاستفراد أو التهديد لأيّ صحافي أو صحافية (...) ما يتعرّض له الزميل شعبان يتطلّب تحركاً فورياً من المعنيين والمسؤولين، خصوصاً من قبل الأجهزة الأمنية اللبنانية ووزيري الداخلية والإعلام". وحمّل مسؤولية سلامة شعبان لحزب الله "الذي لا يتوقف عن ممارسة الضغوط على الصحافيين وعلى معارضيه والذي يمارس ازدواجية في تصاريحه، ويتلطّى خلف شعارات واهية".

ودعا التجمع "الدولة الغائبة والمغيّبة والغارقة في سبات عميق إلى تحمّل مسؤولياتها ومحاسبة المعتدين عليه فوراً". وحذّر وزير الداخلية في حكومة تصريف الأعمال بسام مولوي من "الاستمرار في صمته وإطلاق الوعود، في وقت يتعرض الصحافيون لتهديدات مباشرة بالقتل عبر أساليب تافهة وخطيرة وإجرامية". وأضاف: "سيتخذ التجمع إجراءات تصعيدية في حال لم يتحرّك الوزراء المعنيون والأجهزة الأمنية ضدّ حملات التخوين وتحليل الدم وكمّ الأفواه بالرسائل الكرتونية الجبانة". وشدّد على أنّ "لبنان أصبح دولة بوليسية بسبب سياسات السلطة الموجودة التي تغضّ النظر عن القمع وتمارسه وتفرضه على الناس، تماماً كما تفعل في كل الملفات الأخرى".

إعلام وحريات
التحديثات الحية

يشار إلى أن "تجمّع نقابة الصحافة البديلة" تأسس من صحافيين وصحافيات لا تمثلهم نقابتا الصحافة والمحررين الرسميتان، وسط انتفاضة أكتوبر/تشرين الأول 2019. 

منظمة مراسلون بلا حدود أصدرت بياناً الشهر الماضي، بعد التهديدات التي طاولت شعبان ومقدمة البرامج ديما صادق، استنكرت فيه "بشدة الموجة الأحدث من الكراهية التي أطلقها حزب الله ضد الصحافيين في لبنان". وأشارت إلى "استمرار ظهور هذه التهديدات العنيفة وغالباً ما تؤدي إلى أعمال عنف وقد تصل إلى القتل". وحثّت السلطات اللبنانية على "حماية الصحافيَّين المعنيَّين والتحقيق بما تعرّضوا له من ترهيب".

وأفادت المنظمة بأنه، وبحسب حصيلة أعدتها، "قام أعضاء حزب الله بتهديد أو مضايقة نحو 30 صحافياً خلال العامين الماضيين. وأولئك المسؤولون عن تلك التهديدات قادرون على تحويلها إلى أفعال، وهو ما تم مع الصحافي والكاتب لقمان سليم الذي قُتل في 4 فبراير/شباط 2021 بعد تعرضه على مدى أشهر لتهديدات واتهامات مماثلة بأنه خائن وعميل أجنبي".

كما طالبت لجنة حماية الصحافيين (CPJ) السلطات اللبنانية بالتحقيق فوراً في الاعتداء على حسن شعبان والتهديدات الموجهة إليه، ومحاسبة المسؤولين.

كانت مقدّمة البرامج التلفزيونية، ديما صادق، واجهت في أغسطس حملة تحريض وتهديد بالقتل والاغتصاب، عبر منشورات على مواقع التواصل الاجتماعي ورسائل نصية موجهة إلى رقمها الشخصي، إثر نشرها على موقع تويتر صورة تجمع قائد "فيلق القدس" في الحرس الثوري الإيراني قاسم سليماني الذي اغتالته واشنطن في العراق عام 2020، والمرشد الإيراني الراحل آية الله الخميني، تحت تعليق "آيات شيطانية". وحمّلت صادق "علناً ورسمياً" مسؤولية أي مكروه قد يطاولها لـ"قيادة حزب الله"، علماً أن هذه ليست المرة الأولى التي يستهدفها أنصار "حزب الله" بمنشورات من هذه النوع.

وفي نهاية نوفمبر/تشرين الثاني 2020، نُقل إلى المستشفى الصحافي ربيع شنتاف والمصور محمود السيد بعد تعرضهما للإهانة والضرب على أيدي نحو 30 من أنصار حزب الله، بذريعة أن راديو صوت بيروت إنترناشونال، حيث يعملان، يشوه سمعة قادتهم الدينيين.

يذكر أن لبنان تراجع في تصنيف منظمة مراسلون بلا حدود لحرية الصحافة هذا العام من المرتبة 107 إلى المرتبة 130، من أصل 180 بلداً. وحذرت المنظمة من أنه "بينما ساد الاعتقاد في الأوساط الإعلامية أن ثورة أكتوبر قد كسرت الخط الأحمر المتمثل في عدم انتقاد الشخصيات النافذة، أضحت اليوم الضغوط السياسية على أهل المهنة أقوى وأشد من أي وقت مضى".

المساهمون