المرصد الأورومتوسطي لحقوق الإنسان يوثق ما تواجهه الصحافيات في اليمن وفلسطين وتونس

07 مارس 2023
تستخدم السلطات التونسية حملات تشويه السمعة ضد الصحافيات المنتقدات (حسن مراد/ Getty)
+ الخط -

إلى جانب الانتهاكات والمتاعب التي يواجهها الصحافيون عامة، فإن الصحافيات في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا يتعرّضن لمضايقات إضافية تعرقل جهودهن، وتحول دون أدائهن عملهن، وتدفعهن في كثير من الأحيان إلى التخلي عن المهنة الصحافة من أجل تفادي التعرض لها، وفقاً لما رصده المرصد الأورومتوسطي لحقوق الإنسان، في تقرير أصدره بمناسبة اليوم العالمي للمرأة، وعنوانه "ليست مهنتكِ".

استند المرصد الأورومتوسطي لحقوق الإنسان، ومقره جنيف، في تقريره إلى مقابلات شخصية وإفادات من صحافيات عاملات في اليمن وتونس وفلسطين.

وذكر التقرير أنه خلال العامين الماضيين كان واحد من كل عشرة صحافيين يُعتقلون في اليمن امرأة. وهذا الرقم ليس منخفضاً إذا ما أخذنا في الاعتبار أن أعداد الصحافيات المسجلات في اليمن أقل بكثير من الصحافيين. إذ يبلغ عدد الصحافيات المسجلات والمنضمات إلى نقابة الصحافيين اليمنيين نحو 170 من أصل 1500 صحافي، أي نسبتهن 11 في المائة فقط من إجمالي المنتسبين للنقابة، فضلاً عن الفرص المحدودة المقدمة لهن والرقابة الذاتية المضاعفة التي يواجهنها بسبب الضغوطات الثقافية والمجتمعية.

ومن أبرز الانتهاكات التي تتعرض لها الصحافيات في اليمن هي القيود والعوائق التي حدت من حرية المرأة، وبينها الحق في التنقل والعمل، إذ أصدرت جماعة الحوثي قراراً رسمياً يمنع حركة المرأة من دون مرافق ذكر، وتبنت أطراف النزاع كلها هذا القرار. بناءً على ذلك، عزفت الغالبية العظمى من المؤسسات الصحافية في اليمن عن توظيف الصحافيات أو التعامل معهن، وعمدت إلى الاعتماد على الصحافيين الذكور. ولم يؤثر ذلك على عمل المرأة وحسب، بل على العمل الصحافي في اليمن ككل.

وفي هذا السياق، قالت الصحافية اليمنية وداد البدوي للمرصد الأورومتوسطي لحقوق الإنسان: "مع أن جميع أطراف النزاع تختلف في كافة الأمور، لكنها تتفق معاً ضد المرأة وحريتها. القيود المفروضة على تنقل النساء وعمل الصحافيات أثرت على دقة الشهادات التي تجمع، إذ تفضّل بعض النساء في المجتمعات المحلية المحافظة إعطاء إفاداتهن وإجراء مقابلات بأريحية مع نساء مثلهن".

إلى جانب ذلك، أشار التقرير إلى أن الصحافيات اليمنيات يتعرّضن إلى الوصم والتشهير عبر مواقع التواصل الاجتماعي التي تستخدم كسلاح لمحاربتهن من قبل جميع أطراف النزاع تقريباً. وتعددت خلال السنوات الأخيرة حملات التشهير والإساءة إلى سمعة الصحافيات والشتم والتلاعب بصورهن في حالات عدة، إلى جانب الضغوطات العائلية المترتبة على ذلك. نتيجة لذلك، اضطرت صحافيات يمنيات إلى إغلاق صفحاتهن على مواقع التواصل الاجتماعي والتزام الصمت، فيما عمدت بعضهن إلى التخلي عن العمل الصحافي وامتهان مجالات أخرى، وفضل البعض الآخر منهن الهجرة لحماية أنفسهن وعائلاتهن.

أما في تونس، فتستخدم السلطات أحد أكثر الجوانب حساسية لدى المرأة في المجتمع، وهي الوصم وتشويه السمعة. فقد شَابَت عمل الصحافيات، بعد الإعلان عن التدابير الاستثنائية التي اتخذها الرئيس قيس سعيّد، صعوبات كثيرة، كالتشويه المقصود لسمعتهن المهنية والاجتماعية، ووصمهن بأسوأ الأوصاف التي تحض على النبذ الاجتماعي. وطاولت حملة التشويه صحافيات تناولن الأحداث السياسية المحلية بشكل مغاير لوجهة النظر الرسمية.

في الأراضي الفلسطينية المحتلة يواجه الصحافيون أشكالاً مختلفة من العنف والترهيب التي يمارسها الاحتلال الإسرائيلي، ويعتقد جزء كبير من المجتمع الفلسطيني أنها لا تناسب المرأة. فطبيعة الانتهاكات التي يواجهها الصحافيون، وتشمل الاعتداءات بالضرب والاعتقالات التعسفية الدورية والتحقيق والابتزاز والمساومة على السفر وجمع الشمل مع عائلاتهم، تدفع شريحة كبيرة من المجتمعات، خاصةً في المناطق الهشة، للاعتقاد بأن الصحافة مهنة للذكور فقط. وتعتبر كثير من العائلات الفلسطينية أنه لدى استدعاء صحافية للتحقيق أو اعتقالها ومضايقتها على خلفية عملها الصحافي، فإن ذلك يعدّ - أحياناً - وصمة وعيباً لا يمس الصحافية وحسب، بل يقدح بعائلتها بأكملها، وفق ما لفت إليه التقرير.

إعلام وحريات
التحديثات الحية

وفي حالات أخرى، تعتقل سلطات الاحتلال بعض الصحافيات، أو تفرض عليهن قيوداً متعلقة بالمنع من السفر أو التنقل، من دون إعلامهن بسبب المنع أو الاعتقال، وتُعد قضيتهن "ملفاً سريّاً". يواجه الصحافيون عادةً هذه الادعاءات من خلال الإجراءات القانونية، لكن تلك الاتهامات تعد موضوعاً حساساً حين يتعلق الأمر بالنساء. لذلك، فإن العديد من الصحافيات قد يواجهن ضغوطات من عائلاتهن أو أزواجهن للتخلي عن مهنة الصحافة، أو التوقف عن التطرق لمواضيع حساسة، تجنباً للملاحقات. وفي كثير من الحالات، تفرض الصحافيات رقابة ذاتية على عملهن، خشية مواجهة انتقادات من المجتمع أو ضغوطات من عائلاتهن.

وذكر التقرير أنه على الرغم من كون النساء يشكلن نسبة مرتفعة من إجمالي عدد الصحافيين العاملين في الأراضي الفلسطينية، فإن ذلك لا يعد مؤشراً على تكافؤ الفرص في هذا القطاع. فطبيعة الوضع على الأرض تدفع بعض الجهات الصحافية والإعلامية إلى الاعتقاد بأن العمل مع الصحافيين الذكور في مناطق النزاع أسهل وأكثر مرونة، باعتبار أن بإمكانهم العمل بحرية أكثر فيما يتعلق بساعات العمل المتواصلة والمتأخرة، إلى جانب قدرتهم على الركض في أماكن الاشتباك والهجمات العسكرية. لذلك، تميل الوكالات الإخبارية والصحافية إلى التعاون مع صحافيين ذكور في الأوقات الحرجة، فيما تعمد إلى تكليف الصحافيات بأعمال أقل أهمية أحياناً.

وقالت صحافية تعمل لصالح وكالة محلية في قطاع غزة، فضلت عدم الكشف عن اسمها، للمرصد، إنها لم تُكلف لمرة واحدة بتغطية أحداث عاجلة على الأرض، وهو الأمر الذي طلبته من إدارتها أكثر من مرة. وأضافت: "عبّرت لمسؤولي أكثر من مرة عن رغبتي في المشاركة في تغطية أحداث أكثر أهمية، من خلال الذهاب إلى أماكن الاستهداف وإجراء المقابلات كما يفعل زملائي الذكور، لكنه في كل مرة كان يقول لي إنني لن أحتمل الصعوبات التي تترافق مع تغطية الأحداث الساخنة والخطيرة، وأنني لن أتمكن من التصرف أو الركض في حال استهداف المكان الذي أوجد فيه، إلى جانب أنه من الصعب عليه أن يكلفني بمهام في أوقات متأخرة من الليل".

ودعا المرصد الأورومتوسطي لحقوق الإنسان الأمم المتحدة وأجسامها ذات العلاقة إلى إنشاء آليات محاسبة مستقلة للتحقيق في ومحاسبة مرتكبي الانتهاكات الممنهجة ضد الصحافيات في كل من اليمن وتونس والأراضي الفلسطينية، وضمان تحقيق العدالة لهن، وحماية حقهن في حرية التعبير عن الرأي والعمل الصحافي. كذلك طالبها بالعمل مع شركات التواصل الاجتماعي، لتطوير آليات تبليغ فعالة ومخصصة لمساعدة الصحافيات في التبليغ عن حالات التهديد والترهيب والابتزاز التي يتعرضن لها على خلفية عملهن الصحافي.

وطالب السلطات اليمنية بإنهاء القيود التعسفية وغير المبررة على حقوق المرأة في البلاد، بما في ذلك الحق في العمل الصحافي وحرية التنقل وحرية التعبير عن الرأي، والتعاون مع الصحافيات وتسهيل عملهن الصحافي، والتوقف عن حجب المعلومات عنهن وعرقلة جهودهن.

وأوصى السلطات التونسية باحترام الحق في حرية التعبير عن الرأي وحرية الصحافة، ووقف حملة التحريض ضد الصحافيات والمدونات، والالتزام بالدستور التونسي والقوانين الوطنية الناظمة للعمل الصحافي والمواثيق الدولية، إلى جانب إصدار قوانين واضحة وعقوبات للتنمر الإلكتروني والاعتداءات المتكررة ضد الصحافيات، وزيادة الرقابة على حملات التشهير وفرض عقوبات صارمة على مرتكبيها.

وطالب سلطات الاحتلال الإسرائيلي بالتوقف عن استهداف وملاحقة واعتقال وتهديد الصحافيات والتحقيق معهن عشوائياً على المعابر والحواجز العسكرية بسبب نشاطهن الصحافي. كذلك دعا السلطة الفلسطينية والسلطات الحاكمة في غزة إلى إنهاء القيود المفروضة على الحق في حرية الرأي والتعبير، وضمان ممارسة الصحافيين لعملهم بحرية، والحد من كافة الممارسات التي من شأنها عرقلة العمل الصحافي أو فرض الصحافيين رقابة ذاتية على عملهم.

المساهمون