الفن العربي "يسلسل" شيفراته الرقمية

17 نوفمبر 2021
"قط أسود" لـ فهد سالم (موقع وزارة)
+ الخط -

تصف منصة "وزارة" (Wizara)، التي تأسست بداية عام 2021، نفسها بـ "أول منصة قائمة على البلوكتشين أو سلسلة الكتل صممها فنانون للفنانين"، أهدافها "الحفاظ على الثروة داخل المجتمعات الفنيّة"، و"النهوض بالثقافة عبر الحدود". من هذا المنطلق، استضافت "وزارة"، إنتاجاً وتنظيماً، معرض "أرقام" للفن الرقمي، لـ "عرض أحدث الأعمال الفنية للفنانين الرقميين العاملين اليوم على البلوكتشين أو سلسلة الكتل". مع فنانين من مصر وسريلانكا وسورية وكينيا وفلسطين وكوريا الجنوبية وأرمينيا من بين آخرين، لـ "استكشاف مجموعة أعمال فنية متعددة الوسائط والتقنيات".
يدخل معرض "أرقام" ضمن سياق التعاملات التي ما زالت جديدةً في العالم، والأهم، ضمن عالم الفن. فما نشاهده من "أعمال" موجودة ضمن عالم الشاشة والعالم الافتراضي، يمكننا تملكها، إذ يتم تسجيل الأعمال عبر تقنية "سلسلة الكتل"، ما يتيح بيعها وتبادلها. ما يهمنا هو الجانب العملياتي/التقني لهذا المعرض، كوننا أمام تقنية جديدة، وباب دخله عالم الفن تصل فيه أسعار الأعمال إلى مستويات خيالية في بعض الأحيان، إذ بيع "عمل" يحمل عنوان CryptoPunk #2338، بـ 4،37 ملايين دولار، وعمل Everydays: the First 5000 Days، بـ 69,3 مليون دولار.
أسس منصة "وزارة" آدم كحارسي وأدهم حافظ ومنى جميل، ويتم عبرها عرض الأعمال الرقميّة، ثم تسجيلها بشكل NFT، لتطرح للبيع والمزاد أمام المقتنيين. فـ "وزارة" مساحة لخلق فضاء فني عابر للحدود، خصوصاً في ظل هجرة الكثير من الفنانين العرب و توزعهم في مختف أنحاء العالم، لتظهر منصة "وزارة" كأسلوب للعرض والبيع يراهن على اللامركزية، ويسهل التعاملات المباشرة والاستقلال المادي للفنان في الكثير من الأحيان، خصوصاً أن المنصة تتعامل مع العملة الرقميّة Ethereum.
ما زال عالم البلوك تشاين غامضاً بالنسبة للكثيرين، فنانين ومتلقين على حد سواء، وهذا ما تعمل عليه وزارة عبر توفير دعم تقني للفنانين، يتعلق بتسجيل الأعمال كـNFT، ثم كيفية عرضها والإشراف على المزايدة عليها وبيعها وشرائها. وهنا، يمكن أن يتضح ما تشير إليه منصة "وزارة" في بيانها الصحافي: "كثيرا ما يجد الفنان المهاجر نفسه بدون تمثيل ثقافي وبدون سياسات ثقافية تدعم أعماله".
الفنان المهاجر يجد نفسه في مواجهة سوق ومؤسسات، تصعب المنافسة ضمنها، في ذات الوقت تمتلك "فئات" محددة يوضع ضمنها الفنان المهاجر، هذه الفئات لا تهدد فقط دخله، بل طبيعة عمله وما هو مقبول ومسموح، لتأتي "وزارة" كمساحة متحررة من القيود المسبقة، لا تدخل ضمنها حسابات السوق والسياسات الثقافية المرتبطة بالفنان كمهاجر أو لاجئ، أو ملون، بل مساحة أشد انفتاحاً، وقدرة على التمثيل.
افتتح معرض "أرقام" أخيراً، وبالإمكان تصفح كاتالوغه، والمزايدة على الأعمال التي ينتمي أصحابها إلى بلدان مختلفة. الأعمال، كما نشاهد، وبحسب بيان القائمين على المعرض، لم تُجمع ضمن موضوعة واحدة، لكنها تحاول استكشاف العلاقة بين الفن والتكنولوجيا والتغيرات البيئيّة.
نشاهد مثلاً "فيديو توليدي" لأحمد الشاعر بعنوان "نهر"، وهو جزء من سلسلة "الجنة" التي يحاول فيها استكشاف الحياة الآخرة بالاستعانة بالذكاء الاصطناعي، أو حسب كلماته: "كيف يمكن للآلة أن تتخيل الميتافيزيقي والمتعالي؟"، وذلك عبر صور يقوم الذكاء الاصطناعي بتوليدها من دون تدخل الفنان.

نهايةً لا يمكن وصف ورصد كافة الأعمال في المعرض الرقمي، لكننا أمام تجربة مميزة ومثيرة للاهتمام، خصوصاً أنها تفتح الباب أمام الاستقلال المالي للفنان، وخلق تجمعات فنيّة لا تحكم بالسياسة أو المتطلبات اللوجستية والإداريّة، المعرض ما زال مستمراً، والمزايدات مستمرة، يكفي فقط انتشار ثقافة الـNFT بصورة أكبر في العالم العربي، وازدياد أعداد مستخدمي العملات الرقميّة، كي لا يقتصر المشترون على الفاعلين ضمن هذه المجالات، أو ما يمكن أن يتحول لاحقاً إلى جامعي الفن الرقمي.

المساهمون