وجد الباحثون أنّ روّاد الفضاء يفقدون جزءاً من كتلتهم العظمية في الفضاء، وأنّ الكثيرين منهم لا يتعافون من ذلك حتى بعد مرور عام على عودتهم إلى الأرض، محذّرين من أنّ ذلك قد يكون "مصدر قلق كبير" للبعثات المستقبلية إلى المريخ، بحسب ما أفادت صحيفة "ذا غارديان" البريطانية.
وأظهرت الأبحاث السابقة أنّ رواد الفضاء يفقدون ما بين 1 و2 بالمئة من كثافة العظام مقابل كلّ شهر يقضونه في الفضاء، حيث يؤدّي غياب الجاذبية إلى إزالة الضغط عن أرجلهم عندما يتعلّق الأمر بالوقوف والمشي.
مؤخّراً، قامت دراسة جديدة بإجراء مسحٍ للمعصمين والكاحلين لـ17 رائد فضاء قبل الإقامة في محطة الفضاء الدولية وأثناءها وبعدها، وذلك بهدف معرفة كيفية تعافي رواد الفضاء بعد عودتهم إلى الأرض.
وقال المؤلف المشارك للدراسة ومدير معهد مكايغ لصحة العظام والمفاصل ستيفن بويد، لـ"ذا غارديان"، إنّ كثافة العظام التي فقدها رواد الفضاء في الوقت الذي قضوه في الفضاء تعادل مقدار ما سيخسرونه في عدّة عقود بعد عودتهم إلى الأرض.
ووجد الباحثون أنّ كثافة عظام الساق لتسعة من رواد الفضاء لم تتعاف تماماً بعد عامٍ من عودتهم إلى الأرض، كما أنّهم ما زالوا يفتقرون إلى كتلة عظمية تعادل عقداً من الزمان.
وكان رواد الفضاء الذين ذهبوا في المهمات الأطوّل مدّة، والتي تراوحت بين أربعة إلى سبعة أشهر في محطة الفضاء الدولية، الأبطأ في التعافي. قال بويد: "كلّما قضيت وقتاً أطول في الفضاء، كلما فقدت المزيد من العظام".
وأضاف بويد أن ذلك "مصدر قلق كبير" للبعثات المستقبلية المخطّط لها إلى المريخ، حيث يمكن لرواد الفضاء أن يقضوا عدّة سنواتٍ في الفضاء.
وتابع: "هل ستستمر (الكتلة العظمية) في التدهور مع مرور الوقت أم لا؟ ذلك غير معروف لنا، من الممكن أن نصل إلى حالة الاستقرار بعد مدة، أو من الممكن أن نستمر في فقدان العظام. لكن لا يمكنني أن أتخيّل أنّنا سنستمر في خسارته إلى حدٍّ لا يبقى منه شيء".
وتوقعت دراسة النمذجة للعام 2020 أنّه على مدى ثلاث سنوات من رحلة الفضاء إلى المريخ، سيكون 33 بالمئة من روّاد الفضاء معرّضين لخطر الإصابة بترقّق العظام.
وقال بويد إنّ بعض الإجابات يمكن أن تأتي من خلال بحث يجرى حاليّاً على روّاد فضاء أمضوا عاماً على الأقل على متن محطة الفضاء الدولية.
بدوره، اعتبر رئيس قسم الأبحاث الطبية في وكالة الفضاء الفرنسية غييميت غوكلين كوش إنّ انعدام الوزن الذي يحدث في الفضاء هو "أكثر حالات الخمول البدني خطورة".
وقال الطبيب الذي لم يكن جزءاً من الدراسة: "حتّى مع ممارسة الرياضة ساعتين يوميّاً، يبدو الأمر كما لو أنّك طريح الفراش لمدة 22 ساعة أخرى". وتابع: "لن يكون من السهل على الطاقم أن يطؤوا بأقدامهم أرض المريخ عند وصولهم."
وأظهرت الدراسة الجديدة، التي نُشرت في مجلة ساينتفيك ريبورتس، كيف أن الرحلات الفضائية تغيّر بنية العظام نفسها.
وقال بويد إنّه إذا فكرت في عظام جسم مثل برج إيفل، فسيبدو الأمر كما لو أنّ بعض القضبان المعدنية المتّصلة التي تثبّت الهيكل قد ضاعت. وأضاف: "وعندما نعود إلى الأرض، نزيد من كثافة ما تبقى، لكنّنا في الواقع لا نصنع قضباناً جديدة".
ووجدت الدراسة أنّ بعض التمارين أفضل من غيرها للحفاظ على كتلة العظام. كما بيّنت أنّ رفع الأثقال أثبت فعاليته بشكلٍ أكبر من الجري أو ركوب الدراجات، ما يشير إلى التوجّه نحو المزيد من التدريبات الثقيلة للجزء السفلي من الجسم في المستقبل.
كذلك، قال بويد إنّ رواد الفضاء، الذين كانوا في الغالب يتمتعون بلياقة بدنية جيّدة وفي الأربعينيات من العمر، لم يميلوا إلى ملاحظة فقدان العظام الشديد، مشيراً إلى أن مرض ترقّق العظام على الأرض يُعرف باسم "المرض الصامت".
من جانبه، قال رائد الفضاء الكندي روبرت ثيرسك، الذي قضى معظم الوقت في الفضاء، إنّ عظامه وعضلاته استغرقت وقتاً أطول للتعافي بعد رحلة الفضاء. وأشار في بيان مصاحب للبحث: "لكن بعد يومٍ واحدٍ من العودة شعرت بالراحة مرة أخرى مثل أيّ أرضي".