السوق نازل... اختصار حي لمدينة نابلس
في أجواء احتفالية أعادت أهالي مدينة نابلس الفلسطينية إلى ماضٍ ارتبط بطقس رمضاني يتواصل منذ زمن، انطلقت فعاليات "السوق نازل" في منطقة باب الساحة، التي تحوي مباني تاريخية قديمة، أشهرها الساعة العثمانية، ليتجمّع المئات عندها، قبل أيام، ويغنوا مع فرقة "طرابيش نابلس" التي ارتدى أعضاؤها الزي التقليدي، وحملوا الطبول العتيقة في أيديهم. وبلهجة أهلها المميّزة ردّدوا: "نزلت عالسوق نازل، لقيتلي تفاحة، حمرا حمرا لفاحة... حلفت ما باكلهي لييجي خيي وبيي... إجا خيي وبيي، أطلعني عالعلية، لقيت شب نايم... حاكاني حكيته، وشربت من زيته، زيته طعم الحنة، معلق باب الجنة. يا جنة ما أحلاكي... رب السما هناكي... هناكي بمحمد".
وقال عماد الصابر، مدير الفرقة، أمام مئات المحتشدين: "في نابلس، الكل يعرف السوق نازل، الكبير والصغير والمقمّط بالسرير، فهو طقس تاريخي قديم جداً، وها نحن بمبادرة من الشباب أصحاب البسطات، وخاصة في البلدة القديمة، وبدعم من غرفة تجارة وصناعة نابلس، نعيد هذا الطقس إلى المدينة مُجدداً، ما يعزز هويّتنا الوطنية والحضارية، ويبث الفرح بقدوم شهر رمضان، شهر الخير والبركات".
سرد الصابر شذرات من طقوس "السوق نازل" متقمصاً دور الحكواتي، مشيراً إلى أنه، ومنذ زمن بعيد، كان أهل نابلس بغالبيتهم ينزلون فور إعلان شهر رمضان، وتحديداً إلى "هذه الساحة وشارع النصر المجاور"، حيث يحمل الأطفال فوانيسهم التي أعدت سابقاً، ويعلقون ما يعرف بـ"كيس الحوايج" في رقابهم، بحيث تتدلى على صدورهم، لجمع الحلويات من أصحاب المتاجر الذين كانوا يقدمونها لهم بالمجان، فيما تعج الساحة بالعربات التي تبيع الحلويات، والعصائر، والذرة، وغيرها.
في هذا العام، كان الأطفال يحملون فوانيسهم في الساحة كما تُسمى أيضاً، يتجهون نحو باعة العصائر الرمضانية، كالتمر الهندي والخروّب والسوس، التي تصنع في المنازل بمدينة نابلس، وتُقدّم لهم بالمجان، على مقربة من شرفة المبنى الذي كان ذات يوم "السراي العثماني". فيما اتجه آخرون، ولكن من دون "كيس الحوايج"، إلى بسطات الحلويات من كنافة وتمريّة، وهريسة، والحلاوة القرعية والزلابية، أو شعر البنات، والقطايف المرتبطة برمضان.
الصابر كان يقدّم أغنيات تراثية ووطنية، في حين كان يمكن ملاحظة باعة الفراولة، والذرة، والحمّص والفلافل، والحاملة (الحمص الأخضر)، يرّوجون لبضائعهم.
يشير العديد من المراجع إلى أن الأطفال في نابلس قديماً كانوا ينتظرون قدوم شهر رمضان المبارك بفارغ الصبر، لإحياء طقس "السوق نازل"، بحيث ينزلون إلى سوق البلدة القديمة الشهير بـ"الخان" أو "خان التجّار"، بعد الإفطار، وطيلة ليالي شهر رمضان، يأكلون الحلوى التي يكرمهم بها أصحاب محال الحلويات، بل ويجوبون حارات وأزقة البلدة القديمة حاملين الفوانيس، ومن لم تكن لديه مقدرة على شراء فانوس، كان يَحفر له أهله بطيخة ويضعون شمعة داخلها، حتى يصلوا إلى "باب الساحة"، ومن ثم ينطلقون نحو السوق، يشترون بالتعريفة (عملة أردنية لم تعد متداولة)، وقبلها بالعملة العثمانية التركية شعر البنات، وملبّس الحامض حلو، لافتين إلى أن "السوق نازل" اختصار للمكان وزوّاره، فالسوق هي المكان والنازل هو كل زائر للسوق.
في هذا العام، كانت البداية من أصحاب المطاعم والمتاجر القليلة المتبقية في الساحة، ومن ثم أصحاب البسطات والعربات الذين انضموا إليهم بشكل تلقائي، وفي وقت لاحق، بادرت غرفة تجارة وصناعة نابلس، بالشراكة مع هيئة الأعمال الخيرية العالمية، للمشاركة في تنظيم حفل إطلاق مهرجان "ع السوق نازل" في الساحة التي أُنيرت بزينة رمضان، قبل انطلاق سوق رمضان الخيري (ع السوق نازل) إلى متنزه العائلات الشهير، ويتواصل حتى اليوم الأخير في رمضان، ليس على حساب سوق الساحة وأجوائها، بل بالتوازي معها.
بدوره، أشار ياسين دويكات، الناطق باسم غرفة تجارة وصناعة نابلس، لـ"العربي الجديد"، إلى أن سوق رمضان الخيري (ع السوق نازل) هذا العام، يأتي لتنشيط الحركة التجارية في مدينة نابلس عامّة، وبلدتها القديمة على وجه الخصوص، وتعزيز صمود صُنّاعها وتجّارها ومستورديها، وبما يخفّف من حدّة الحصار الإسرائيلي على نابلس، مؤكداً أن زوّار السوق في المتنزه لا بد أن يزوروا "باب الساحة" والبلدة القديمة التي هي بوصلة نابلس الأولى.
يتذكر السبعيني أبو السعيد، كما عرّف نفسه لـ"العربي الجديد"، حين كان طفلاً، وفي إطار الاحتفاء بشهر رمضان، كيف كانوا يحيون "السوق نازل"، وكيف كان يرتدي "كيس الحوايج" الذي تخيطه له والدته كما لشقيقاته وأشقائه. يقول: "في السوق، كنا نمكث خارج المنزل إلى وقت متأخر على عكس أيام السنة الباقية، كنوع من مكافأتنا من أهالينا على صيامنا"، مستذكراً سنوات ما قبل احتلال عام 1967، حيث كانت تطلق سبع طلقات مدفعية من على أعلى نقاط جبلي نابلس الشهيرين، جرزيم وعيبال، بمجرد إعلان مكبرات المساجد عن ثبوت هلال شهر رمضان المبارك.