الذكاء الاصطناعي والاحتلال: وجوه المهجّرين المتعَبة (2/3)

07 ديسمبر 2023
تُهدّد هذه التقنيات حقوق الإنسان التي لا يتمتّع الغزيون بأي منها (علي جاد الله/ الأناضول)
+ الخط -

ما زال الاحتلال الإسرائيلي ينشر خرائط الإخلاء من شمال غزة إلى جنوبها. لكنه، بعد الهدنة وبداية العملية العسكرية في الجنوب، قسّم القطاع بأكمله لما يفوق الـ2700 بلوك، يجب على السكان التحرك بينها كي لا يقتلوا بالقصف على "الأهداف" التي يحددها جيش الكيان.
لكن، في خضم عمليات الإخلاء، وخصوصاً تلك التي أُجريت قبل الهدنة، تكررت الشهادات عن استخدام الاحتلال لكاميرات تحوي تقنيات التعرف إلى الوجه، وذلك لمسح أوجه النازحين وبطاقاتهم الشخصية، للإمعان في التنصت والتجسس، ومحاولة إثبات نظرية أن مقاتلي حماس ينتقلون من الشمال إلى الجنوب، ما يعني بصورة ما، أن إسرائيل لا تعلم أين هم قيادات ومقاتلو حماس.
هذه التقنيات سبق أن أدانتها منظمة العفو الدوليّة، كونها وظّفت في تطبيق نظام الأبارتهايد. لكنها، في هذا العدوان على قطاع غزة، اكتسبت أبعاداً جديدة، إذ أقيمت "بوابات" في شارع صلاح الدين الذي يعبره النازحون نحو الجنوب، على من يمر فيها أن يحدق في الكاميرا ويرفع هويته الشخصيّة، كي يتم التحقق من هويته.
لحظة التحديق في الكاميرا هذه، تفعّل مساحة استثناء مؤقتة؛ إذ يمكن قتل المشتبه به في لحظتها، وهذه ليست سابقة لإسرائيل، لكن هذا يدفعنا أيضاً إلى التساؤل: هل يتم استهداف شارع صلاح الدين أثناء نزوح الغزيين، بهدف قتلهم وزرع الرعب في قلوبهم فقط، أم هناك "أهداف" محددة تحاول إسرائيل إصابتها؟
ذات التقنيات كانت تطبق في الضفة الغربيّة، والآن تستخدم بشدة لتطبيق ما يشبه الاعتقال المنزلي، كما في حالة أحمد، الذي مُنح بعد مسح وجهه مدة ساعة، كيف يعود إلى منزله بعد عبوره إحدى نقاط التفتيش، وإن لم يعد خلال ساعة، فلن يتمكن من دخول منزله. ويصف أحمد معاناته هذه قائلاً إن سكان الضفة الغربية أشبه بـ"فئران التجارب".
لطالما حذرت منظمات حقوق الإنسان من هذه التقنيات، بل دعت هيومان رايتس ووتش إلى التحرك من أجل منع استخدام كاميرات التعرف إلى الوجه في المساحات العامة، كونها تهدد كل حقوق الإنسان التي لا يتمتع سكان غزّة بأي منها. ناهيك عن أن التقارير أشارت إلى تزويد وادي السيليكون جيش الاحتلال الإسرائيلي، منذ بداية العدوان، بطائرات درون قصيرة المدى، لا نعلم بعد كيف ستستخدم، وما هي طبيعة التكنولوجيا التي توفّرها. هل سيتم القصف بناءً على التعرف إلى الوجه أم لا؟ هذه الرغبة بحرب عالية التكنولوجيا، الولايات المتحدة الأميركية جزء منها، وكشفت ما سمي بـ"فجوة في سياسة بايدن الخارجيّة"، كون إسرائيل لم تنصَع إلى بيان "الاستخدام العسكري المنطقي للذكاء الاصطناعي والآلات ذاتية التشغيل".
إذن، نحن أمام عدوان من مستوى جديد. تقنيات كتائب عز الدين القسام تمكنت من تفاديها لحظة الهجوم، لكن ما مستقبل هذا العدوان، خصوصاً حين ننظر إلى عنوان مقال نُشر في صحيفة لوس أنجليس تايمز، يلخص مخاوف كثيرين: "لا نعلم كيف يستخدم الجيش الإسرائيلي الذكاء الاصطناعي في غزة، لكن علينا أن نعرف". وجاء فيه ما يشير إلى تقنيات لم توظف بعد باسم " مصنع النار". تقنيات تتيح قصف آلاف من الأهداف العسكرية باستخدام الطائرات والدرونات ضمن جدول زمني وجغرافي محدد.
لا يخفي الاحتلال الإسرائيلي على أحد استخدام هذه التقنيّة. ولن نخوض هنا في مفاهيم انتهاك الخصوصيّة، بل في الدعاية التي تُستخدم لفائدة هذا النوع من التقنيات، إذ انتشرت أخبار عن استخدامها في أحد المشافي الإسرائيلية للتحقق من هويات المصابين الإسرائيليين الذي وصلوا المشفى من دون أوراق رسميّة.

وهنا تكمن المفارقة، هذه التقنيات تستخدم على المستوطنين الإسرائيليين أيضاً. نحن، إذن، أمام قواعد بيانات هائلة وتطبيقات قادرة على مسح وسائل التواصل الاجتماعي لمعرفة هوية أي شخص كان، مهما كانت جنسيته، والفرق إذاً بين "العدو" و"الصديق" هو ما يقرره الذكاء الاصطناعي.

المساهمون