يتسم الاحتفال بالعام القمري الصيني الذي ينظمه السكان من أصل آسيوي في الولايات المتحدة بأجوائه المرحة، كما يحظى غالباً بحضور لافت من كل الأعراق. في هذا الاحتفال، نادراً ما يُشار إلى الأحداث أو الأزمات الدولية المتزامنة؛ فهو موكب للبهجة والاحتفال فقط. هذا العام، كان الاحتفال مختلفاً، فالأيقونة الرئيسية التي يسير خلفها الموكب، وهي على هيئة تنين ملون، تزيّنت هذه المرة بألوان العلم الفلسطيني الأربعة: الأحمر والأخضر والأسود والأبيض، في خطوة تضامنية مع الشعب الفلسطيني في غزة.
لافتات مع الشعب الفلسطيني
في هذه المسيرة التي امتدت عبر الشوارع المحيطة بالحي الصيني في نيويورك، ارتفعت عشرات اللافتات المؤيدة لفلسطين، والمكتوبة باللغات الإنكليزية والصينية والكورية والفييتنامية والعربية. يصادف الاحتفال بالعام القمري الجديد هذا مرور 140 يوماً من القصف الإسرائيلي المتواصل على قطاع غزة، الذي أدى حتى الآن، بحسب إحصائيات الأمم المتحدة، إلى مقتل أكثر من 30 ألف فلسطيني، وتشريد الآلاف من العائلات.
المشرفون على هذا الموكب الاحتفالي، رأوا أنه من الصعب الاحتفال بالسنة القمرية هذا العام من دون الإشارة إلى الجريمة التي تُرتكب في قطاع غزة على مرأى ومسمع من العالم. منذ الإعلان عن هذه المسيرة، كان هناك تأكيد على احتفاظها بالأجواء الاحتفالية التي تميزها، مع الابتعاد عن السياسة أو القضايا الخلافية. غير أن هذه الأجواء الاحتفالية سرعان ما تحولت إلى طابع احتجاجي داعم لفلسطين. بعد وقت قصير من بدء الاحتفال، ارتفعت اللافتات المؤيدة لفلسطين، وتوافد العديد من المجموعات الداعمة للقضية الفلسطينية. حملت اللافتات التي رفعها المشاركون شعارات تطالب بوقف إطلاق النار وإنهاء الحصار المفروض على قطاع غزة منذ عقود. الموكب المشار إليه، يحتفي بعام التنين، ويمثل ختاماً لاحتفالات استمرت لمدة أسبوعين، شارك فيها العديد من ذوي الأصول الآسيوية المختلفة.
خلال الاحتفال، كان من المقرر الإشارة إلى بعض القضايا المحلية التي تخص سكان الحي الصيني، ومن بينها إخلاء بعض منازل السكان في الحي. لكن منظمي المسيرة رأوا أنه من الصعب عليهم الاحتجاج على إزالة بعض الأبنية السكنية في الحي الصيني، في الوقت الذي يُهجّر فيه الاحتلال الإسرائيلي أكثر من مليوني فلسطيني من أراضيهم.
يتعمد المشاركون في الاحتفال ببداية العام الصيني إحداث أكبر قدر ممكن من الضجيج، من أجل طرد الأرواح الشريرة، كما يقولون. غير أن ضجيج هذا العام كان الأكثر صخباً، في محاولة للفت الانتباه إلى الجريمة الكبرى التي يرتكبها الاحتلال الإسرائيلي في حق الشعب الفلسطيني خصوصاص في غزة. وزع المنظمون خلال المسيرة عشرات من الكتيبات التي تحمل شعار "الحرية لفلسطين". اشتملت الكتيبات الموزعة على تعريف مُبسط بالقضية الفلسطينية، ونصوص أخرى حول مسيرة النضال الطويلة التي يخوضها الفلسطينيون منذ نكبة عام 1948.
آسيويون من أجل فلسطين
شارك في مسيرة الاحتفال بالعام القمري الجديد هذا العام عدد كبير من أعضاء مجموعة "آسيويون من أجل فلسطين (ِA4P)" وهي مجموعة تأسست حديثاً للمطالبة بتحقيق العدالة للشعب الفلسطيني. على صفحتها في "إنستغرام"، بثت المجموعة عدداً من الصور ومقاطع الفيديو تُظهر التجاوب الملحوظ لسكان الحي الصيني مع مسيرة العام القمري وهي تعبر شوارع المدينة. بين الحشود ظهرت لافتة كبيرة تطالب بوقف إطلاق النار وفك الحصار، مع رسم خريطة كاملة لفلسطين التاريخية، كما رُفعت لافتات أخرى كتب عليها الحرية لفلسطين والحرية لغزة. تُظهر مقاطع الفيديو التي بُثت مشاهدَ للمشاركين في المسيرة وهم يوزعون الحلوى والوجبات الخفيفة على الجمهور المصطف على جانبي الشارع. كما يُظهر أحد هذه المقاطع مجموعة من أنصار عضو الكونغرس الأميركي جاك شومر المعروف بتأييده لإسرائيل وهم يمرون إلى جوار الموكب، منكّسين اللافتات التي كانوا يرفعونها.
البيان الذي وزعه النشطاء خلال المسيرة، يؤكد أن دعم فلسطين يمثل تحدياً لسياسات التخويف والترهيب التي يتعرض لها مؤيدو القضية الفلسطينية في الولايات المتحدة.
باعتبارهم أميركيين من أصول آسيوية، فقد انتمى أبناء الجالية الآسيوية إلى أوطان استُعمرت بوحشية، كما يقول البيان، لكنها ظلت تناضل حتى تحررت في النهاية. يؤكد البيان أن المشاركين في هذه المسيرة سيواصلون النضال نفسه الذي قاده آباؤهم ضد الإمبريالية والاستعمار في كل مكان.
يُذكّر البيان بأنه على مدار 75 عاما، شهدت فلسطين انتفاضات متواصلة ضد الاستعمار الاستيطاني الإسرائيلي. ويدعو مجتمع الأميركيين من أصول آسيوية إلى الانضمام إلى المطالبين بالحرية لفلسطين. يشير البيان أيضاً إلى أن الحكومة الأميركية تتحمل مسؤولية دعمها السياسي والاقتصادي والعسكري لنظام الفصل العنصري الإسرائيلي، بإرسالها أكثر من 3.8 مليارات دولار من المساعدات سنوياً لإسرائيل، أي أن أموال الضرائب الأميركية تُمول هذه الجرائم وتساهم فيها.
يلفت البيان أيضاً إلى أن تقنيات القمع والمراقبة المتقدمة التي تستخدمها إسرائيل تُصدَّر إلى الولايات المتحدة كي تُستخدم ضد مجتمعات السود والآسيويين الأميركيين. كما يشير البيان أيضاً إلى أن إسرائيل تعد اليوم مصدرا عالميا للأسلحة التي تستخدمها الحكومات والأنظمة المُستبدة لقمع شعوبها، وعلى رأس هذه الدول تأتي الهند والفيليبين اللتان تستخدمان الأسلحة الإسرائيلية لقمع الأصوات المطالبة بالعدالة والديمقراطية. كما يربط البيان في جانب منه بين الإبادة الجماعية التي تحدث في غزة، والعنف الذي تمارسه حكومة الولايات المتحدة ضد الأميركيين من أصول آسيوية وأفريقية، وكذلك العنف الذي تمارسه ضد الدول الأخرى.