التكريم عابرٌ لكنّ النتاج السينمائي باقٍ

15 فبراير 2023
ستيفن سبيلبيرغ: الأفلام أهمّ من التكريم (دايف جي هوغان/Getty)
+ الخط -

 

التكريم تقليدٌ يُمارَس في مهرجانات سينمائية كثيرة في العالم. عاملون/عاملات في مهنٍ مختلفة في صناعة السينما يُكرَّمون "على أعمالهم الكاملة"، أو لأي سببٍ آخر. المسألة عادية للغاية، فالتكريم لن يُضيف شيئاً على السيرتين، الحياتية والمهنية، للمُكرَّم/المُكرَّمة، فالأعمال أهمّ، ومدى تأثيرها في الصناعة نفسها، وفي مهتمّين بها ومتابعين لها، يكتب (المدى) فصلاً من تلك السيرتين، مع كل فيلمٍ أو موقفٍ أو حالةٍ أو قولٍ للعاملين/العاملات في تلك الصناعة.

هذا يُشبه الجوائز، في جانبٍ آخر. رغم أنّ لمهرجانات غربية عدّة مكانةً مرموقةً في المشهد العام، والمشاركة في دوراتها أساسية في السيرتين نفسيهما، تبقى الجوائز تكريماً من نوعٍ آخر، علماً أنّها نتيجة تنافسٍ، تُقرّرها (النتيجة) لجان تحكيم مؤلّفة من أفرادٍ قلائل، وإنْ يمتلك كلّ واحدٍ منهم/منهنّ، غالباً، مواقع فاعلة ومؤثّرة في الصناعة. تنافس يُشبه تعليماً مدرسياً، والمجتهد/المجتهدة يُكافَأ، وإنْ يكتفي المجتهد/المجتهدة برتبٍ أولى، من دون فعلٍ عمليّ مؤثّر وفاعل وحيوي ومُثير لمتع وتفكيرٍ وتأمّلات.

في السينما، التنافس على الجوائز يكاد يطغى على الأفلام، وعلى ما فيها من اشتغالاتٍ وحالات وأقوالٍ، مع أنّ جوائز عدّة تُمنح لمستحقّيها، ضمن لائحة مختصرة للغاية من أفلامٍ مُنتجة حديثاً، وهذا (المنح) رهنٌ بأمزجة أفرادٍ قلائل، لا أكثر.

 

 

منطلق كلامٍ كهذا يتمثّل بتكريم "مهرجان برلين السينمائي" للأميركي ستيفن سبيلبيرغ، في دورته الـ73 (16 ـ 26 فبراير/شباط 2023). سيكون التكريم عادياً، مع أنّ الحفلة ربما يحضرها كثيرون/كثيرات، فيشاركون أيضاً بلقاء موسّع معه، ويشاهدون أفلاماً مختارة من لائحة أعماله، بينها جديده الأخير "آل فايبلمان". لكنْ، ما الإضافة في هذا كلّه، باستثناء كلامٍ يقوله سبيلبيرغ في لقاء أو أكثر؟ لا شيء. الأفلام معروضة ومُشَاهَدة، والمهتمّون قادرون على مشاهدتها مراراً، وإنْ خارج صالات/شاشات كبيرة.

"التكريم"، الأهمّ والأفعل والأقدر على تحريضٍ إضافي على مزيدٍ من التفكير والتأمّل، يتمثّل بملفٍ منشور في "دفاتر السينما" (مجلة سينمائية شهرية فرنسية)، بعنوان "ستيفن سبيلبيرغ إلى الأصول" (فبراير/شباط 2023). ملفٌ منطلقٌ من "آل فايبلمان"، ومنفتح على نقاشٍ وتحليلٍ ينسحبان على سينماه وسماتها، وأنماط اشتغالاته، وتفكيره، وموقعه في مشهدٍ راهنٍ، أميركياً على الأقلّ. فجديده هذا، بارتكازه على سيرة حياتية له، يُكمِل حالة أميركية وغير أميركية، تستند إلى السيرة نفسها في مقاربة ذاكرة وحاضر وتفاصيل وتحوّلات.

26 صفحة أفضل من استعراضٍ وسجادة حمراء وأضواء، وإنْ يتضمّن هذا عروضاً لأفلامٍ، ولقاءً ما مع المُكرَّم. 26 صفحة تمنح شيئاً مفيداً من معطيات ومقاربات، رغم خلّوها من حوار مع ستيفن سبلبيرغ. هذا أيضاً لافتٌ للانتباه. فالحوار معقودٌ على الممثلة ميشيل ويليامز والمنتج والسيناريست توني كوشنر، بما فيهما من قراءات وأحاسيس تساهم في صنيعٍ سينمائي جديد للمُكرَّم. مقالات تفتح أكثر من أفقٍ، لعلّه (الأفق) يُعين على مزيدٍ من الاقتراب من أفلامه واشتغالاته، وفهمها.

المساهمون