البولندية أنجيشكا هولاند تندِّد بواقع مرفوضة رؤيته

09 فبراير 2024
"حدود خضراء": مسّه بمحرّم بولندي جعل مخرجته هولاند "عدوّة الشعب" (الملف الصحافي)
+ الخط -

 

"هذه صدمة. الصُّور مذهلة (بالمعنى السلبيّ)، تُثير غضباً وانفعالات". بهذه الجملة، تبدأ غايل موري مقالتها عن فيلمٍ بولندي جديد، يتناول مسألة الهجرة، المنشورة في "لو سوار"، في 7 فبراير/شباط 2024. تذكر الصحافية السينمائية فيلماً سابقاً للمخرجة نفسها، كتذكير بالتزامٍ أخلاقي وثقافي وإنساني إزاء قضايا تمسّ أناساً يعانون أهوال حروبٍ وتشريدٍ وتعذيب. تقول إنّ البولندية أجنيشكا هولاند (وارسو، 28 نوفمبر/تشرين الثاني 1948) تُحقِّق "حدود خضراء" (2023)، بعد 33 عاماً على إنجازها "أوروبا أوروبا" (1990)، المُرشَّح رسمياً لـ"أوسكار" أفضل سيناريو مقتبس، في النسخة الـ64 (30 مارس/آذار 1992)، الذي يروي القصة الحقيقية لشاب يهودي يُدعى سالومون بيرل (1925 ـ 2023)، ينضمّ إلى "فرماخْت" (الاسم الممنوح لجيش الرايخ الثالث، بين 21 مايو/أيار 1935 و20 أغسطس/آب 1946، تاريخ صدور قانون من الحلفاء المنتصرين على النازية، يُجيز حلّه)، لينجو بحياته من المحرقة.

جديدها، "حدود خضراء"، الفائز بجائزة لجنة التحكيم الخاصة بالمسابقة الرسمية للدورة الـ80 (30 أغسطس/آب ـ 9 سبتمبر/أيلول 2023) لـ"مهرجان فينيسيا السينمائي ـ موسترا" ("العربي الجديد"، 18 أكتوبر/تشرين الأول 2023)، يتابع مسارات مهاجرين عالقين في الحدود بين بيلاروسيا وبولندا، ومعاناتهم القاسية، المُصوّرة فوتوغرافياً، وفي أشرطةٍ متنوّعة، كما تذكر هولاند نفسها في أكثر من حوار صحافي: "بعد فرارها من الحرب، تقوم عائلة سورية برحلة شاقة، بهدف بلوغ السويد"، بحسب تعريف بالفيلم، الذي يُعرض في بولندا بدءاً من 22 سبتمبر/أيلول 2023.

على الحدود بين بيلاروسيا وبولندا، أي في المنطقة التي تُعتبر مدخلاً إلى أوروبا، يعلق أفراد العائلة مع أفراد عشرات العائلات الأخرى، في حيّز جغرافي مليء بالمستنقعات، تحت رحمة جنودٍ يتعاملون معهم/معهنّ بأساليب عنيفة: "إنّهم يدركون تدريجياً أنّهم رهائن غير راغبين في وضعٍ يتجاوزهم"، لأنّ الجميع، أي حرس الحدود، والناشطين في المجال الإنساني، والسكان المحليين، يؤدّون أدواراً، لن تكون كلّها في مصلحة هؤلاء المهاجرين.

"فيلمٌ قاتم وضروري، مُشبع بالرؤية الملتزمة لأنجيشكا هولاند، التي تُندِّد بواقعٍ لا نزال نرفض رؤيته أحياناً كثيرة"، تُضيف موري. زميلتها الفرنسية إيلين بيافُنو تكتب، في "لو موند" (14 سبتمبر/أيلول 2023)، أنّ "الفيلم الروائي هذا، المستوحى من وقائع حقيقية، يروي حيوات مضطربة في "بودْلاتشي"، منطقة ريفية بولندية متاخمة للحدود مع بيلاروسيا، في عمق أزمة هجرة تحدث منذ عامين"، أي في شتاء 2021، مع سلوك عشرات آلاف الرجال والنساء والأطفال، القادمين جميعهم من الشرق الأوسط وأفريقيا، هذه الطريق الجديدة للهجرة، التي يستغلّها ألكسندر لوكاتشينكو، الزعيم البيلاروسيّ، "بتلويحه بهذه الورقة" للانتساب إلى الاتحاد الأوروبي: "بعد تصدّي السلطتين البيلاروسية والبولندية لهؤلاء، عبر ممارسة أجهزة مختلفة تابعة لهما أشكالاً عدّة من القمع والتنكيل والقهر، وأحد تلك الأشكال متمثّل بتشييد جدار فولاذي على الحدود، في يوليو/تموز 2022، (بعد هذا كلّه) يُقتل نحو 50 شخصاً منهم/منهنّ".

 

سينما ودراما
التحديثات الحية

 

"عام 2014، يشهد فوز الحكومة السابقة الانتخابات في بولندا، بلعبها ورقة المهاجرين، بينما لم يكن يوجد مهاجر واحد في البلد"، تقول هولاند في حوار سابق مع "لو سوار"، يُعاد نشر مقتطفات منه في مقالة غايل موري: "اليوم، في بولندا، هناك 70 بالمائة من الناس موافقون على الحالة. هؤلاء غير متخيّلين كيف يبدو الأمر. إنّهم يُغمضون عيونهم"، تقول المخرجة، مُضيفة أنّ هذا الوضع أحد الأسباب الدافعة إلى إنجاز "حدود خضراء"، المُصوّر بشكل شبه سرّي، تحديداً في غابة خاصة، وغير الحاصل على أي دعم من الدولة البولندية، المحكومة من PiS (حزب محافظ جداً وقومي للغاية) إلى وقتٍ قليل سابق (انتخابات 15 أكتوبر/تشرين الأول 2023 تُطيحه، مُعيدةً المعارضة إلى الحكم).

في مناخ سياسي كهذا، يتعرّض الفيلم، بعد عرضه الدولي الأول في المسابقة الرسمية لـ"موسترا" (2023)، لحملة كراهية: "إنّه بروباغاندا نازية"، "قمامة مُعادية لبولندا"، "(المخرجة) متعاونة (مع أعداء البلد)"، "يهودية ذات أصول بولشيفية"، وغيرها.

بهذا كلّه، تُصبح هولاند "عدو الشعب رقم 1". لكنّ فوز المعارضة في الانتخابات الأخيرة تلك يمنحها شعوراً براحة وفرح. تقول إنّ الفوز الجديد لـ"حزب القانون والعدالة (PiS)"، إنْ يتحقّق في ذاك التاريخ، يعني أنّها غير متمكّنة من الذهاب إلى بولندا، أو نادراً جداً (يُمكنها ذلك). تُضيف: "إنّ الشباب هم الفائزون بالانتخابات. إنّهم غير مُصوّتين، عادة، لكنّهم هنا الآن يخرجون بكثافة". ربما لهذا، سيُشاهد نحو 800 ألف بولندي "حدود خضراء"، وهذا "غير متوقّع"، بالنسبة إلى هولاند: "غير محظّيةٍ بردود فعل إزاء أفلامي السابقة، كتلك الحاصلة الآن، مع فيلمي هذا. إنّها (ردود فعل) صادقة وعاطفية. هناك نقاشات لاحقة على أكثر من عرضٍ. الناس يرغبون في التحدّث (عن الفيلم وموضوعه والمسألة برمّتها). الأمر رائعٌ للغاية".

المساهمون