مثله مثل الإعلام الغربي، يحاول الإعلام الفرنسي منذ فترة، إيجاد مكان للسردية الفلسطينية في تغطيته للحرب على غزة. محاولة خجولة ومتردّدة، أتت متأخّرة، وزادها تعقيداً استحالة التغطية الصحافية من داخل القطاع، والتشكيك الغربي المستمر في مصداقية المصادر الصحافية المحلية.
هذه ليست المشكلة الوحيدة، فسقف التعبير ليس متساوياً بين جميع المُتحدّثين، ليس بسبب وجود رقابة ما، بل إن المتحدثين المدافعين عن السردية الفلسطينية يمارسون رقابتهم في كثير من الأحيان لعلمهم بالمُخاطرة. أي كلمة قد تجعلهم معادين للسامية، أو داعمين للإرهاب، وغيرها من الاتهامات العشوائية التي قد تجرّهم إلى المحاكم.
الخوف أو التردّد في اختيار الكلمات غالباً ما رافق أصحاب السردية الفلسطينية. بينما لا سقف ولا حرج في إعادة تدوير وجهة النظر الإسرائيلية الداعية إلى الإبادة في أغلب الإعلام الفرنسي وعلى ألسنة شخصيات عامة.
لم يجد الإعلام الفرنسي صعوبة في إيجاد ضيوفه للترويج للإبادة، والحديث بسلاسة، بينما كان الأمر أكثر صعوبة في الضفة الأخرى. مهمة المتبنّين للسردية الفلسطينية هي سيرٌ حرّ في حقل ألغام. لهذا تبدو الفجوة كبيرة بين المتحدّثين، وغالباً ما حاول أصحاب السردية الفلسطينية التعبير عن موقفهم بكلمات فضفاضة، لا تدخل في التفاصيل ولا تُسمّي الأشياء بأسمائها. محاولات التفاف وقطع طريق على الاتهامات.
مع تضخم الإبادة وازديادها وضوحاً، وصعوبة الدفاع عنها، صار أصحاب وجهة النظر الإسرائيلية من العاملين في المجالين الفني والأدبي تحت الضوء؛ ولو قليلاً، وصار خطابهم يلقى الانتقاد. نستعرض في ما يلي ثلاثة مواقف، نال أصحابها نصيباً من الاستهجان على وسائل التواصل الاجتماعي؛ وهو ما كان نادراً في بداية الحرب.
الممثل والمخرج ميشال بوجناح في الإعلام الفرنسي
استضاف راديو ج، وهي الإذاعة الفرنسية الخاصة بالطائفة اليهودية في فرنسا، الممثل الكوميدي والمخرج الفرنسي من أصول تونسية ميشال بوجناح. في سياق الحديث، عبّر بوجناح عن نفسه عبر الرجوع إلى حقبة النازيين، وعبر الاستعانة بحروب أخرى لتبرير الإبادة الحاصلة في غزة. خطاب لم يكن الأول له تعليقاً على ما يجري في غزة، ولكنه أثار في هذه المرة غضب البعض: "الأميركيون ضربوا برلين، لم يقل أحد أي شيء. وجد الجميع الأمر طبيعياً، كنا في حرب ضدّ النازيين. أقول أيضاً، أنه حتى هيروشيما. إذا كان الشعب في غزة على توافق مع حركة حماس، فإذاً لا يُمكن اعتبارهم ضحايا جانبيين للحرب. هل تفهمون؟ لا يوجد؟ نحن نتعامل مع برابرة، كشفوا لنا عن وجههم الحقيقي، وهنا لا يوجد أي مجال للشكّ".
هذا التبرير الواضح لقتل الغزيين، ووصفهم بالبرابرة الذين يستحقون مصيرهم، أوصل إلى دعوات لمقاطعة الفيلم الذي يُشارك فيه بوجناح، الذي خرج إلى صالات السينما في اليوم التالي لكلامه.
الروائية فاليري زيناتي
بدت الروائية فاليري زيناتي حازمة وهي تتساءل عن سبب امتناع حركة حماس عن ترك الغزيين يختبئون في الأنفاق. حادة وحازمة، على الرغم من محاولات المؤرخ الفرنسي فينسان ليمير، مواجهتها بالحجج. الكاتبة التي سبق وخدمت في جيش الاحتلال الإسرائيلي، وذلك خلال إقامتها في فلسطين المحتلة مع عائلتها، أثارت موجة من ردود الفعل المستهجنة لمنطقها خلال أحد البرامج التلفزيونية الفرنسية. هنا بعضٌ من كلامها، ومحاولة المؤرخ ثنيها عن فكرتها.
الكاتبة: لماذا لم تقم حماس بحماية شعبها من خلال السماح لهم بالنزول إلى أنفاقها؟ هل ترون؟
المؤرخ: لا يمكنها.
الكاتبة: لماذا لا يُمكنها؟
المؤرخ: لأن الأنفاق صغيرة. نحن نتحدث عن 2.5 مليون غزي.
الكاتبة: حتى لو، كان بإمكانها حماية جزء من الشعب.
المؤرخ: بضع مئات.
الكاتبة: جزء منهم!
منطق حاولت الروائية بثبات الاستمرار فيه. على الرغم من محاولة الضيف المؤرخ شرح الأمر لها. ثباتها في موقفها وتسميتها للأشياء من دون أي حرج، لم ينسحب على الضيوف الذين حلّوا معها وكانوا من أصول عربية. كانت الفجوة واضحة، سواء من خلال اختيار الكلمات أو الحزم والثبات في التعبير عن الرأي.
الممثل الفرنسي جيرالد دارمون
مشهد ثالث شغل وسائل التواصل الاجتماعي في فرنسا، وحمل بعض دعوات المقاطعة الخجولة لأفلام الممثل جيرالد دارمون. وقد ظهر دارمون متحدثاً أمام جنود الاحتلال الإسرائيلي خلال تناولهم المشاوي والاستراحة على بعد بضعة كيلومترات من قطاع غزة. اختار دارمون بأريحية التحدث وتصوير ونشر خطابه القصير أمام جنود الاحتلال الإسرائيلي، من دون تردد أو خوف من تأثير الفعل على مهنته. وهذا ما يستحيل أن يحصل، بينما المخاطرة بكلمة واحدة من داخل إحدى القنوات في باريس قد تتحول إلى نهاية حياة مهنية.
يقول دارمون أمام الجنود "أنت فخرنا، أنتم شرفنا. من دونكم، لن يكون باستطاعتنا التواجد هنا اليوم. أنتم تحيون دولة إسرائيل".