الإعلام الأجنبي وتحديات تغطية العدوان الإسرائيلي على غزة

28 أكتوبر 2023
الاحتلال الإسرائيلي قتل أكثر من 24 صحافياً في غزة (محمد عابد/ فرانس برس)
+ الخط -

بين الدعاية وتعقيدات التغطية على الأرض في قطاع غزة وضغوط شبكات التواصل الاجتماعي والآراء العامة الغاضبة، تواجه وسائل الإعلام الغربية صعوبات كبرى في نقل وقائع العدوان الإسرائيلي المتواصل.

وترى مديرة الأخبار في هيئة الإذاعة البريطانية (بي بي سي)، ديبورا تورنيس، في مقال نشر الأربعاء، أن "هذه الحرب هي من الأحداث الأكثر تعقيداً واستقطاباً التي غطيناها في تاريخنا".

ومن أبرز خصوصيات هذه الحرب أنه من المستحيل على الصحافيين الأجانب دخول قطاع غزة بسبب الحصار الإسرائيلي المحكم عليه وعدم إمكانية العبور إليه من مصر. ولم يبق على الأرض سوى صحافيين فلسطينيين ينقلون صوراً ومعلومات إلى وسائل الإعلام الدولية، غير أنهم هم أنفسهم يخضعون لقيود على نشاطهم وحركتهم، بسبب القصف الإسرائيلي المكثف وانقطاع الوقود والكهرباء.

ووفقاً لنقابة الصحافيين الفلسطينيين، فإن الاحتلال الإسرائيلي قتل أكثر من 24 صحافياً في غزة وعشرات من عائلات الصحافيين، ودمر عشرات المؤسسات الإعلامية، وقصف عشرات المنازل لصحافيين، منذ بدء العدوان في 7 أكتوبر/ تشرين الأول الحالي.

وأكد مكتب الإعلام الحكومي في غزة، مساء الجمعة، أن "سلطات الاحتلال الإسرائيلي تقطع الاتصالات ومعظم الإنترنت بالكامل لارتكاب مجازر"، مضيفاً أن الجيش الإسرائيلي يقوم "بقصف جوي وبري ومن البحر دموي انتقامي هو الأعنف منذ بدء الحرب على مدينة غزة ومخيم الشاطئ ومناطق شمال القطاع كافة".

ويقول مدير الأخبار في وكالة فرانس برس التي لها مكتب في قطاع غزة، فيل تشتويند، إنه "في نزاعات أخرى، كان لا يزال بإمكاننا إرسال مراسلين خاصين. أما الآن، فطواقمنا في غزة مقطوعة عن العالم".

ويعدّ فريق فرانس برس في القطاع نحو عشرة صحافيين اضطروا إلى الخروج من مدينة غزة والتوجه إلى الجنوب حيث يعيشون في ظروف رديئة، بعضهم في خيم، مع اشتداد القصف وتحذير الاحتلال الإسرائيلي بوجوب إخلاء شمال القطاع.

في المقابل، أحصت حكومة الاحتلال 2050 صحافياً حضروا لتغطية الحرب في الأراضي المحتلة، بينهم 358 أميركياً و281 بريطانياً و221 فرنسياً. وبينهم أيضاً صحافيان من أوكرانيا التي تخوض حرباً منذ الغزو الروسي لأراضيها في فبراير/ شباط 2022.

ونتيجة "خنق الإعلام" في غزة، بحسب تعبير منظمة مراسلون بلا حدود، باتت وسائل الإعلام تعوّل على "مصادر رسمية لدى الطرفين، من دون أن تتمكن من التثبّت من صحتها"، بحسب ما أورد الاتحاد الدولي للصحافيين في بيان. وأضاف الاتحاد: "نشرت وسائل إعلام عدة معلومات وصوراً خاطئة من دون سياق ومن غير التثبّت من صحتها، خالطة بين السرعة والتسرّع".

وكان مسؤولون إسرائيليين زعموا بأن عناصر من المقاومة الفلسطينية "قطعوا رؤوس أطفال" خلال هجومهم في عملية طوفان الأقصى، وهي معلومة انتشرت بصورة واسعة من دون أن يتثبّت أحد من صحتها.

وكتبت الصحافية في شبكة سي أن أن الأميركية ساره سيدنر، عبر منصة إكس (تويتر سابقاً)، في 12 أكتوبر، أنها أخطأت بنقل هذا الخبر، مضيفة "كان يجدر بي أن أكون أكثر حذراً في كلامي، وأعتذر عن ذلك".

وفي 17 أكتوبر، نقلت وسائل إعلام عدة بينها إعلان وزارة الصحة في القطاع عن سقوط "200 إلى 300 قتيل" بضربة إسرائيلية على المستشفى المعمداني. نفت إسرائيل أن تكون وراء القصف، وزعمت أن صاروخاً أطلقته حركة الجهاد الإسلامي وحاد عن مساره سقط في المكان.

ويميل العديد من وسائل الإعلام إلى تبني الرواية الإسرائيلية بالاستناد إلى مصادر في أجهزة استخبارات أو تحليل مقاطع فيديو. ودفع ذلك صحيفتا نيويورك تايمز الأميركية ولوموند الفرنسية الى نشر "تحقيقات" حاولت التعمّق بالموضوع أكثر.

وقال المسؤول في صحيفة واشنطن بوست الأميركية دوغلاس جيل، لبودكاست "ريكود ميديا": "في كل حرب، معرفة الأمور بصورة مؤكدة تستغرق وقتاً. وهذا على قدر خاص من الصعوبة في هذه الحالة، في ظل التأثر الكبير في الجانبين ووجهات النظر المتعارضة في غالب الأحيان حول النزاع وتدقيق الجميع في تغطيتنا".

وهذا ما يحتم توخي الحذر في التعابير المستخدمة. وفي هذا السياق، تضع وسائل الإعلام توجيهات داخلية حول التعابير الواجب استخدامها أو تفاديها. والكلمات الأكثر إشكالية هي "الإرهاب" و"الإرهابي". وانتُقدت "بي بي سي" لعدم وصفها حماس بـ"تنظيم إرهابي"، فردت أنها لا تستخدم العبارة إلا داخل الكلام المنقول عن جهة ما، من دون أن تتبناها بنفسها. وتعتمد وكالة فرانس برس السياسة نفسها بالنسبة إلى هذه الكلمة.

(فرانس برس، العربي الجديد)

المساهمون