الإبداع الرأسمالي... كل قطعة صغيرة مشروع للربح

25 سبتمبر 2023
لكل قطعة تُنتجها هذه الشركات شاحنها الخاص (Getty)
+ الخط -

تمكّن الاتحاد الأوروبي، أخيراً، من "الانتصار" على شركة آبل، وفرض عليها أن تطبق القانون الذي صوّت عليه عام 2022 البرلمان الأوروبي، الذي يفرض على كل منتجي التكنولوجيا استخدام وصلة USBC لشحن الجهاز (أي جهاز) نهاية عام 2024.
هذا الانتصار كبير، خصوصاً أن الاتحاد يواجه شركات التكنولوجيا بصورة دائمة، سواء في ما يخص قوانين الخصوصيّة ومشاركة المعلومات، الأمر الذي دفع فيسبوك مثلاً إلى فتح مقر في فرنسا عام 2017، من أجل التقاضي على الأراضي الأوروبية وفق قوانين خصوصية أكثر صرامة من تلك التي يخضع لها المقر الأوروبي لفيسبوك في دبلن.
يمثّل هذا "الانتصار" نوعاً من الوقوف في وجه شركات التكنولوجيا التي أصبحت تمتلك سلطة دول في بعض الأحيان، خصوصاً أن آبل، في محاولة لمراكمة الربح، لم تعد تقدم تغييرات "ثورية" في هواتفها، حسب كثير من المنتقدين، بل أجبرتنا نوعاً ما على شراء سماعات الأذنين اللاسلكية.
تحاول آبل، إذن، "الربح" من كل جزء من الهاتف المحمول. ذلك يحدث منذ عام 2012، حين فرضت شواحنها الخاصة، وعام 2020 حين توقفت عن توزيع الشاحن مع هواتفها النقالة بحجة إنقاذ الكوكب. وفي ذات الوقت، وفرت 6.5 مليارات دولار. لكن، نهايةً، انصاعت الشركة في أوروبا و"كل العالم"، حسب تصريحها لـUSBC، لتساهم بالحدّ من 11 ألف طن من مخلفات الأجهزة الإلكترونية الخاصة بالشواحن. 
أكثر ما يلفت الانتباه هو أن مقاومة آبل للقرار أتت من منطق أنه "يحدّ الإبداع"، لكن ما الذي يحدّ الإبداع في أن يكون الشاحن موحداً لكل الأجهزة؟ وبالأصل، في هواتف آبل، مدخل الشاحن لا يستخدم سوى للشحن، والباقي كلّه لاسلكي بالنسبة للمستخدم العادي، فأي إبداع هذا الذيّ يُحدّ؟
حجة الإبداع هذه رأسمالية بحتة، تمارسها الشركات الكبرى للحفاظ على الربح، والأهم، تجزيء الربح نفسه. كل قطعة من أي جهاز، تحوي احتمالاً للربح ونشتريها منفصلةً، وليس كما كان الأمر في ذاك الزمن الجميل، وهنا مبالغة منذ بضع سنوات، كان الهاتف النقال يحوي تلك الإكسسوارات عند شرائه. 
يقدم الإبداع الرأسمالي، تكنولوجيا لا يمكن الاقتراب منها وإصلاحها إلا من قبل "الشركة"، كحالة هواتف آبل، الشأن الذي انتبهت له شركة "نوكيا" التي تحاول بخجل شديد دخول السوق مرة أخرى، إذ أطلقت هذا العام هاتفاً محمولاً يحوي معدات إصلاح، يمكن للمستخدم نفسه أن يوظفها لصيانة بعض الأعطال في هاتفه. 
صورة الإبداع الرأسمالي في العصر الحاليّ تتمثل بالحلّ الوحيد لـ"كل شيء"؛ جهاز واحد للموسيقى والتصوير والاتصال، حبة واحدة "سحريّة" لحل المشكلة الصحيّة (لقاح كورونا، وفياغرا، وزانيكس)، التي للمصادفة كلها من إنتاج شركة فايزر، وهنا يظهر الوجه الآخر لهذا الإبداع: الاحتكار.

يتجلى الاحتكار عندما نقرأ كيف قاضت عام 2020 شركة آبل رجلاً في النرويج لأنه يصلح هواتف آيفون. المفارقة هنا أن الاختراع والإبداع، إذن، لا يتم إلا داخل "الشركة"، تلك التي تمتلك التكنولوجيا وتتحكم بها، كل من هم في "الخارج" مستخدمون ومستهلكون فقط. وهنا تأتي أهمية USBC، ليس فقط للجوانب البيئيّة، بل كونها نزعت مسماراً من ماكينة الهيمنة الرأسمالية المغلقة على ذاتها. 
"الإبداع الرأسمالي" يتجلى أيضاً في الشركات الكبرى التي "تقتنص المهارات"، لتضمها إلى مقراتها التي تحوي ألعاباً وصالة سينما. صورة "المخترع" في كراجه التي رسخها بيل غيتس وستيف جوبز تتلاشى، فكيف يمكن أن نخترع شيئاً، وكل قطعة تكنولوجية بحاجة لشاحنها الخاص. صحيح أن أجهزة أندرويد تفخر بـ"انفتاحها"، لكنها أيضاً ألغت مقبس السماعات، ما يعني أننا مجبرون على الـEarpods حالياً، وتجاوز قلق ضياعها بأي صورة ممكنة، لأن الإبداع الرأسمالي يعني الربح، وليس تعدد الوظائف، بل المهمّة الواحدة والمحددة، كحبوب فايزر، وهواتف آبل.

المساهمون