تضاعفت الانتهاكات الرقمية بحق المحتوى الفلسطيني بمقدار 14 ضعفاً خلال عام 2023، مقارنة بالانتهاكات الرقمية الموثقة عام 2022، وتصاعدت حدّة الانتهاكات الرقمية ضد المحتوى الفلسطيني، وممارسة مزيد من الحجب للمنشورات الفلسطينية، والانحياز للاحتلال الإسرائيلي في إبادته للفلسطينيين، وفقاً لما رصده مركز صدى سوشال.
وفي التقرير السنوي الذي أصدره "صدى سوشال"، الأحد الماضي، وعنوانه "مجزرة عصر الإنترنت: الرقمية كسلاح في الإبادة"، دقّق في التعتيم الرقمي الذي فرضه الاحتلال وتأثيره على الفلسطينيين عامة والصحافيين منهم خاصة، والتحريض الإسرائيلي على الصحافيين والعاملين في مجال الإعلام، ليقارب الإبادة الرقمية.
استهداف البنى التحتية
ولتنفيذ خطة الإبادة الرقمية استهدف الاحتلال البنى التحتية للاتصالات والإنترنت، وتكرر قطعها خلال 2023 سبع مرات بشكل كامل عن قطاع غزة كله، ولا تزال مناطق واسعة تعاني من العزل التام بشكل متواصل، مضافاً إلى ما يواجهه القطاع أصلاً منذ عام 2005 من التقييد على تطوير البنية الاتصالية، حيث لا يسمح الاحتلال بدخول المعدات التقنية إلا بعد تنسيق طويل لأشهر، ومراقبته كل سنتيمتر من الكوابل والمعدات التقنية الداخلة إلى القطاع عبر مسؤولين أمميين، وحتى اللحظة لا توجد خدمة جيل ثالث هناك.
وأوجد الانقطاع المتكرر لسبع مرات لشبكات الاتصالات في قطاع غزة معاناة إضافية للفلسطينيين تحت العدوان، مع عدم إمكانيتهم طلب النجدة عند وقوعهم تحت قصف إسرائيلي، وهو ما تكرر كشفه في اليوم التالي من عودة الاتصالات الجزئية، مع الكشف عن عشرات الشهداء تحت أنقاض المنازل، كما شكل معاناة إضافية للنساء الحوامل اللواتي احتجن خدمات طارئة لم تستطعن الاتصال بها.
ووفقاً لـ"صدى سوشال"، فقد شكل انقطاع الاتصال والإنترنت بيئة خصبة لانتشار المعلومات الكاذبة والمضللة.
وأضاف قطع الإنترنت والاتصالات مزيداً من المعاناة للصحافيين والعاملين في مجال الإعلام الذين انقطعوا لفترة عن أعمالهم ولم يستطيعوا حكاية قصصهم، ولا تزويد مؤسساتهم بالأخبار. وأعاق انقطاع الاتصال إمكانية طلب الصحافيين للنجدة في حال تعرضهم للأذى والتبليغ عما يجري لديهم، فضلاً عن فقدان الكثير منهم لمعداتهم وأدواتهم، ما أعاقهم عن إنجاز عملهم.
الإبادة الرقمية... حجب المواقع والصفحات
فوق كل ذلك، ازداد الحصار الرقمي على الصحافيين الفلسطينيين ليقارب الإبادة الرقمية من خلال حجب مواقعهم وصفحاتهم الإخبارية على منصات التواصل الاجتماعي التي نفذت خلال الحرب رقابة مشددة على المحتوى الفلسطيني، وانحازت بسياساتها إلى إسرائيل، وتعرض عدد منهم للتشهير والتحريض على صفحات المستوطنين، ما أفقدهم وظائفهم في مؤسسات صحافية دولية.
وقد رصد "صدى سوشال" تعرض بعض المواقع الإخبارية الفلسطينية لهجمات إلكترونية أدت لتوقفها عن العمل وعدم تمكنها من النشر في وقت تكون فيه الحاجة ماسة إلى المعلومات والأخبار في إطار العدوان، ومن هذه المواقع موقع وكالة الرأي الفلسطينية، وموقع الرسالة نت، وموقع وكالة الصحافة الفلسطينية "صفا"، وموقع وكالة فلسطين اليوم.
ووصلت إلى "صدى سوشال" شكاوى مختلفة عن تعرض صحافيين وناشطين لمحاولات اختراق، تحديداً عبر تطبيقات فيسبوك وإنستغرام وواتساب المملوكة لشركة ميتا. وقد انتحلت حسابات صفة المنصة، وأرسلت رسائل إلى المستخدمين تخبرهم بأن صفحاتهم معرضة لقيود رقمية، وأنهم بحاجة لتوثيق حساباتهم من خلال الضغط على رابط أدى إلى فقدانهم إمكانية الوصول إلى حساباتهم. وصلت مثلاً إلى مستخدمي "واتساب" رسالة تخبرهم بأن "أحدهم يحاول الدخول إلى واتساب من جهاز آخر، مع رمز الدخول".
قتل واعتقال وتحريض
أكثر من مائة صحافي فلسطيني استشهدوا خلال العام الماضي، واعتقلت سلطات الاحتلال 60 صحافياً وصحافية في الضفة الغربية وقطاع غزة والقدس، منهم من تم اعتقالهم على خلفية نشاطهم على منصات التواصل الاجتماعي.
وتابع صدى سوشال عملية تحريض إسرائيلية رقمية واسعة بحق الصحافيين والصحافيات الفلسطينيين، منهم الصحافية سمية جوابرة، من مدينة نابلس، التي جرى التحريض عليها عبر قناة عبرية على "تليغرام"، تحمل اسم "صيادو النازية". أسفرت الحملة عن اعتقالها وهي حامل في شهرها السابع وأم لثلاثة أطفال، قبل أن يفرج عنها مع شرط تحويلها إلى الحبس المنزلي ومنع استخدام منصات التواصل.
حذف الصفحات الإخبارية
فرض تغيير منصات التواصل الاجتماعي سياسات المحتوى ومعايير المجتمع مزيداً من القيود على المحتوى والأخبار الفلسطينية، ومن ضمن توثيق "صدى سوشال" للانتهاكات جاءت أكثر من 45% منها بحق الصحافيين والمؤسسات الإعلامية. هذه الانتهاكات انعكست على أدائهم الصحافي، وشعبية وصولهم، واعتبار الصحافة مصدر دخل لهم.
فعلى منصة تيك توك، حجبت العديد من الصفحات الإعلامية الفلسطينية، وحذفت مقاطع فيديو لناشطين، وحذفت حسابات بشكل كلي، مثل صفحة آمنة خندقجي، وهي الصفحة الفلسطينية الأكثر متابعة في "تيك توك" قبل أن تعيدها، ومقطع فيديو للإعلامية منى حوا.
وتابع "صدى سوشال" حملة واسعة من شركة ميتا تجاه شبكة قدس الإخبارية، وهي واحدة من أكبر الشبكات الإخبارية في فلسطين، بأكثر من 10 ملايين متابع على صفحتيها عبر "فيسبوك" باللغتين العربية والإنكليزية. حذفت الشركة الصفحتين على "فيسبوك"، وحذفت حساب الشبكة باللغة الإنكليزية على "إنستغرام"، وأدخلت رابط قناة الشبكة على "تليغرام" في خوارزميات الحظر، فمنعت إرساله عبر المحادثات الخاصة ونشره في المنشورات والقصص وحذفت كل محاولات الشبكة لإعادة إنشاء صفحات جديدة، ما اضطر شبكة قدس الإخبارية إلى اعتماد قناة تليغرام كمنصة أساسية في العمل خلال تغطيتها لحرب الإبادة.
ويكيبيديا تحارب أيضاً
تابع "صدی سوشال" محاولات جديدة من محاربة السردية الفلسطينية وشبكات الأخبار من خلال المنصة الإنكليزية لموسوعة المعلومات ويكيبيديا، إذ يسعى فريق من محرري المنصة مرتبطون بالاحتلال الإسرائيلي لخلق روايات غير صحيحة عن شبكات الأخبار وتقديم معلومات مزيفة عنها وعن دورها وسياستها التحريرية، وتجريدها من استقلاليتها عبر توصيفها كشبكات تتبع لفصائل فلسطينية.
إحدى هذه المحاولات التي تابعها "صدى سوشال" كان لشبكة قدس الإخبارية على "ويكيبيديا" باللغة الإنكليزية، إذ استمر تعديل وصف الشبكة لربطها بفصائل فلسطينية في كل مرة تقدم فيها الشبكة أدلة ومصادر إخبارية تنفي ذلك، واعتمد محررو المنصة على مصادر إسرائيلية أو تتبع للوبي الصهيوني.
تهديد الأرشيف الصوتي الفلسطيني
رصد "صدی سوشال" خلال عام 2023 انتهاكات على منصة ساوند كلاود. وصلت للمركز شكاوى بشأن حذف أغان فلسطينية على "ساوند كلاود"، ومنصات إخبارية فلسطينية تنتج محتوى أصيلاً وتقارير صوتية وبودكاست بشكل كامل على المنصة، مثل منصة شبكة قدس الإخبارية وقناة الأغاني الفلسطينية.
تكمن خطورة دخول منصة ساوند كلاود على خط الانتهاكات الرقمية للمحتوى الفلسطيني في ما يشكله ذلك من تهديد مباشر للأرشيف الصوتي الفلسطيني وانتهاك للذاكرة المنطوقة التي حاول الفلسطينيون على مر السنين توثيقها ورفعها على التطبيقات الصوتية.