الأوسكار في حفلها الـ93: "نومادلاند" وأنتوني هوبكنز والبقية

27 ابريل 2021
أنتوني هوبكنز أفضل ممثل للمرة الثانية منذ 30 عاماً (Getty)
+ الخط -

الانطباع الأول، الذي أعلنه متابعون عديدون للحفل الـ93 لتوزيع جوائز "أوسكار" الهوليوودية (25 أبريل/ نيسان 2021)، يعكس نفوراً ومملاً من احتفال، يُفترض به أنْ يكون الأهمّ والأجمل في صناعة السينما الأميركية والعالمية، والأكثر جذباً للمُشاهدين في العالم. لكنّ الحالة المسيطرة على كلّ شيء، منذ تفشّي وباء كورونا نهاية عام 2019، تُحتّم اتّخاذ إجراءات كثيرة، تحرص على السلامة الصحّية للجميع، ما أدّى إلى اختيار "محطة يونيون" في لوس أنجليس مكاناً للحفل الأخير، مع فتح أبواب "مسرح دولبي"، حيث يُقام الحدث سنوياً، لمرافقة الاحتفال افتراضياً.

كما أنّ المرشّحين الأوروبيين لم يتمكّنوا من المجيء، فتابعوا الوقائع عبر الإنترنت، في باريس ولندن. لكنّ النفور والملل لم يتمكّنا من الحؤول دون متابعة الحفل. فالاهتمام بالسينما أساسيّ، والرغبة في معرفة نتائج أهمّ جوائز سينمائية في العالم، أقوى من أي شيء آخر، والوقائع الجديدة، المنبثقة من كورونا، تحرّض على اطّلاع مباشر لمعرفة كيفية التعامل مع وباء كهذا، ومع شروطه المفروضة على الجميع.

كما أنّ السياسة، وارتباطها بأحوال أميركا في الاجتماع والاقتصاد والثقافة والعلاقات، تحثّ على معاينة تفاصيل الحفلة، فـ"أوسكار" يحمل في طياته، إلى كونه أهمّ جائزة سينمائية، سياسة وإعلاماً وأحوالاً أميركية داخلية. ففوز "نومادلاند" (أرض الرّحل)، للصينية الأميركية كلوي تشاو بثلاث جوائز في فئات أساسية، أي أفضل فيلم للمنتجين، وبينهم تشاو نفسها، وأفضل إخراج، وأفضل ممثلة لـ فرانسيس ماكدورماند (المُشاركة أيضاً في إنتاجه)، من أصل 6 ترشيحات، غير بعيدٍ عن موقفٍ تريد "أكاديمية فنون الصورة المتحرّكة وعلومها" (مانحة الجوائز) إعلانه إزاء خرابٍ يعتمل في الاجتماع الأميركي، من خلال تكريم فيلمٍ يتناول أحوال المشرّدين في الطرقات، جرّاء أزمات الاقتصاد والمال والعيش.

أما "تغييب" فيلم آرون سوركِن، "محاكمة شيكاغو 7" (The Trial Of The Chicago 7)، فيُعبِّر ضمنياً عن موقفٍ آخر، بعدم منحه جائزة واحدة على الأقلّ من الجوائز الأساسية، علماً أنّه مُرشّح لـ6 منها، أبرزها في فئات أفضل تصوير وأفضل سيناريو أصلي وأفضل مونتاج. لكنّ هذا غير منسحبٍ على الجوائز كلّها، من دون أنْ تلتزم الأكاديمية أخلاق المهنة كلّياً. فغالبية مواقفها مستلّة من راهنٍ يترافق ولحظة التصويت للجوائز، والتوجّهات العامّة تبدو كأنّها أساس التصويت والاختيار معاً

ولعلّ أكثر الأمثلة وضوحاً في هذا الإطار، ما نقله الصحافي أندرو مارزال، في تقرير له وزّعته وكالة "فرانس برس" قبل يومٍ واحد على موعد الحفلة، عن بِتْ هامّوند، كاتب عمود في الموقع السينمائي "ديدلاين"، في حديثه عن كلوي تشاو: "سيُصوّتون لها حتّى وإنْ لم يُشاهدوا فيلمها". وهذا لاحقٌ على قولٍ لمارك مالكِن، الصحافي في المجلة السينمائية المتخصّصة "فارايتي"، للوكالة نفسها: "لا أتخيّل ألا يحصل "نومادلاند" على الجائزة الكبرى (المقصود بهذا أنْ يحصد الفيلم أكبر عدد من الجوائز الأساسية). ولا أتخيّل ألا تحصل كلوي تشاو على جائزة أفضل إخراج"، مستدركاً بأنّ هذا العام (2020، عام الأفلام المُرشّحة لـ"أوسكار") "غريبٌ جداً"، إلى درجة "أنّنا لن نعرف أبداً ما الذي سيحصل لحظة توزيع الجوائز".

ورغم أنّ أحد التوقّعات قال بإمكانية تكريم الأكاديمية للممثل الراحل تشادويك بوزمان، المتوفّي في 28 أغسطس/ آب 2020، بعد 3 أعوام على تشخيص إصابته بسرطان القولون، بمنحه "أوسكار" أفضل ممثل عن دوره في Ma Rainey’s Black Bottom لجورج سي وولف؛ إلا أنّ التصويت اختار أنتوني هوبكنز (الأب). والفيلم، الذي نالت فيولا ديفيز ترشيحاً رسمياً كأفضل ممثلة عن دورها فيه، يروي سيرة مَا رايني، الملقّبة بـ"أمّ البلوز"، عند اشتغالها على ألبوم جديد لها، في شيكاغو، عام 1927. أيكون حجب الجائزتين هاتين متأتٍ، أيضاً، من انفضاض "أكاديمية فنون الصورة المتحرّكة وعلومها" عن "شيكاغو" برمّتها؟ غياب "محاكمة شيكاغو 7" عن الجوائز الأساسية يُشبه، إلى حدّ كبير، غياب "مانك" لديفيد فينشر عنها، مع فرقٍ واحد بين الفيلمين، يتمثّل بترشيح الأول لـ6 جوائز، والثاني لـ10، نال منها جائزتي أفضل تصوير (إيريك مسّيرسشميدت) وأفضل ديكور وإدارة فنية (دونالد غراهام بيرت ويان باسكال).

وإذْ يغوص الأول في أحوال أميركا، عبر أسئلة العنصرية والاجتماع الأميركي وحرب فيتنام وانتخابات الرئاسة الأميركية نهاية ستينيات القرن الـ20؛ فإنّ الثاني يعرض بعض تلك الأحوال أيضاً، لكنْ في فترات زمنية أخرى، عبر حكاية السيناريست هرمان جي. مانكيافيتز، في فترة كتابته "المواطن كاين"، الذي أخرجه أورسون ويلز عام 1941. لكنّ آراء نقدية غربيّة عدّة لم تكن كلّها إيجابيّة إزاء "مانك"، المعتَمِد على الأسود والأبيض في استعادة مرحلة مضطربة في التاريخ الأميركي، تلت "الانهيار (الاقتصادي) الكبير" عام 1929.

في مقابل الصدمة السلبيّة، المنبثقة من تغييب "محاكمة شيكاغو 7"، رغم أهميته السينمائية، موضوعاً ومعالجةً ومسائل مرتبطة بالعنصرية وتاريخ أميركا وراهنها في عهد دونالد ترامب تحديداً؛ هناك فوز أجمع كثيرون عليه منذ عرض الفيلم للمرّة الأولى قبل أشهرٍ: فوز أنتوني هوبكنز بـ"أوسكار" أفضل ممثل، عن دوره في "الأب" لفلوريان زيلّر، المخرج الفرنسي الذي حصل، مع كريستوفر هامبتون، على جائزة أفضل سيناريو مقتبس، عن مسرحية له بالعنوان نفسه (2012). المفارقة كامنةٌ في أنّ هوبكنز يحصل على هذه الجائزة للمرّة الثانية في حياته المهنية، بعد 30 عاماً على تأديته دور هانيبال ليكتر في "صمت الحملان" (1991) لجوناثان ديمي (الجائزة ممنوحة له في حفلة عام 1992). فمن آكل لحوم البشر، بكلّ ما يمتلكه من جماليات تمثيلية، وتمكّن أدائيّ مذهل في تقديم تلك الشخصية القاتلة والمليئة، في الوقت نفسه، بحساسيات إنسانية وفكرية وثقافية عدّة؛ بات هوبكنز عجوزاً يبلغ 80 عاماً، ويُقيم وحيداً في منزله في لندن، ويرفض كلّ مساعدة من ابنته، قبل أنْ ينزلق شيئاً فشيئاً في عالمٍ، لا حدود فيه بين الواقع والتخيلات والأوهام والرغبات والقلاقل.

عربياً، لم يتمكّن "الرجل الذي باع ظهره"، للتونسية كوثر بن هنيّة، من الفوز بـ"أوسكار" أفضل فيلم عالمي، الذي حصل عليه "ثملٌ" للدنماركيّ توماس فنتربيرغ، علماً أنّ هذا الأخير مُرشّح أيضاً في فئة أفضل إخراج. كما أنّ "الهدية"، للفلسطينية فرح النابلسي، لم يحصل على "أوسكار" أفضل فيلم قصير، الذي ناله "غريبان تماماً" للأميركيين ترافون فري ومارتن ديزموند رو. الحفلة انتهت، لكنّ كورونا يتمدّد، يوماً تلو آخر، في الحياة اليومية للناس، وفي مهنٍ واشتغالات وعلاقات وأحوال. السينما مستمرّة، وأسئلة المنصّات ومدى تمكّنها من السيطرة على المشهد برمّته مطروحة دائماً. "أوسكار" مُطالَبٌ بالخضوع لها، خصوصاً "نتفليكس"، وهذا واضحٌ في لائحة الأفلام الفائزة. فهل سيعتمد الإنتاج والتوزيع والمشاهدة كلّياً على المنصّات فقط، في المقبل من الأيام؟ وإلى متى؟

دلالات
المساهمون