الأحزاب العراقية توظف أموالها في الإعلام

10 أكتوبر 2022
في العراق نحو 50 محطة تلفزيونية (جاسمين ميردان/Getty)
+ الخط -

هناك طفرة في المؤسسات الإعلامية في العراق، ويرجع بعض المراقبين ذلك إلى كثرة الأحزاب والكيانات السياسية والفصائل المسلحة التي تبحث دائماً عن منصات للترويج لنفسها ومهاجمة خصومها، عبر خطابات تتسم غالباً بالكراهية والانحياز والطائفية. وتُتهم بعض تلك المؤسسات بابتزاز رجال أعمال وشركات وغسيل الأموال وتلميع صور متهمين بالفساد، وهو ما لا ينكره صحافيون يعملون فيها، في حين لا تفصح إداراتها عن مصادر تمويلها.

في العراق نحو 50 محطة تلفزيونية، غالبيتها مموّلة ومدعومة من الأحزاب العراقية والفصائل المسلحة. وعلى الرغم من اختلاف الإمكانات من ناحية المحتوى، فإن الكلفة الأدنى لنفقات الواحدة منها لا تقل عن مليون ونصف المليون دولار سنوياً، فيما تصل بعضها إلى 5 ملايين دولار، لكن كلّها جهات ناطقة بلسان الممولين. وشهدت الفترة الأخيرة حالة جديدة، وهي اشتراك أكثر من حزب وشخصية سياسية لتمويل محطة تحمل الخطاب نفسه، ما أدى الى ارتفاع كبير في عدد القنوات الفضائية والإذاعية والصحف والمواقع الإلكترونية في العراق، خاصة قبل أشهر من الانتخابات البرلمانية الأخيرة التي أجريت في أكتوبر/ تشرين الأول 2021، إلى جانب استغلال منصات فيسبوك وتويتر وتيليغرام. ودشنت غالبية تلك القنوات مكاتب لها في العاصمة اللبنانية بيروت، إلى جانب مكاتبها في بغداد، إذ استفادت من انخفاض كلف الإنتاج وخبرات اللبنانيين في مجال الفيديو والصورة والترويج الإعلامي.

والثلاثاء الماضي، هاجم أنصار التيار الصدري مقرّ قناة الرابعة في بغداد، بسبب تعليقات وردت في أحد البرامج اعتبرت مسيئة للتيار الصدري وزعيمه مقتدى الصدر، وحطموا أجهزة ومحتويات القناة، المملوكة لجهة سياسية ضمن تحالف الإطار التنسيقي، الحليف لإيران.

يؤكد عدد من الصحافيين والعاملين في محطات فضائية عراقية أن سياسات التحرير في معظمها تخضع إلى إشراف شخصيات حزبية، مع العلم أنهم بلا وظيفة حقيقية داخل هذه المؤسسات. وهؤلاء المشرفون يتولّون تعيين المراسلين والمقدمين ومحرري الأخبار، لكنهم لا يتدخلون في تعيين الفنيين وغيرهم من العاملين خلف الكواليس، وهم لا يحصلون على مرتبات من المحطات الفضائية، لكنهم المسؤولون عن إيصال الرواتب الشهرية نهاية كل شهر.

وقال صحافي بارز فضّل عدم ذكر اسمه إن "المحطات العراقية باتت تقدّم البضاعة نفسها، لكن ربما من مناشئ مختلفة، وهناك بذخ مالي كبير خلال فترات التوترات السياسية، في سبيل الترويج للجهة الممولة وتسقيط وممارسة أنشطة صحافية صفراء تجاه الخصوم". وبيّن لـ"العربي الجديد" أن "الصفقات المشبوهة ضيّعت على العراق ملايين الدولارات والمال السياسي بات يغسل ويبيض من خلال مؤسسات الإعلام، وهناك محطات فضائية تعيش على المال السياسي منذ أكثر من عشر سنوات، أو تستغل موارد وزارة أو هيئة يشغل مسؤوليتها عضو في الحزب أو الكتلة نفسها".

يُساهم اتحاد الإذاعات والتلفزيونات العراقية، وهو مؤسسة تدعم الإعلام العراقي القريب من توجهات إيران في البلاد، في الدعم المالي. وعلى الرغم من تراجع هذا الدعم خلال العامين الماضيين بسبب الأزمات الاقتصادية الكبيرة في إيران، فإنه لا يزال يمثل الشريان الأهم لنحو 10 قنوات، بينها "الغدير" التابعة لمنظمة بدر، و"النجباء" التابعة لمليشيا النجباء، و"الأنوار الثانية" التابعة لمليشيا الإمام الغائب، و"الموقف" التابعة لمليشيا كتائب سيد الشهداء، و"الأيام" التابعة للمجلس الأعلى الإسلامي.

من جهته، قال عضو نقابة الصحافيين العراقيين علي كريم إنّ "لدى كل حزب سياسي وفصيل مسلح محطة فضائية وإذاعة وصحفاً ووكالات، وقد وفرت فرص عمل كبيرة ومهمة للصحافيين، حتى بات الصحافيون في العراق هم أقل شريحة تعاني من البطالة، مقارنة بزملائهم في المنطقة. لكن المؤسسات نفسها تمارس تجهيلاً وحرف الحقائق وطمس القضايا الإنسانية المهمة، فيما تغذي الخطاب الطائفي". وأكد لـ"العربي الجديد" أن "هذه الفوضى في الإعلام العراقي تحتاج إلى مراقبة من قبل هيئة الإعلام والاتصالات التي عليها البحث عن مصادر تمويل هذه المؤسسات".

لكن الصحافية فاتن النعيمي قالت، لـ"العربي الجديد"، إن "هيئة الإعلام والاتصالات حالها حال بقية الهيئات الحكومية؛ تعاني من تسلط الأحزاب عليها، وتخضع لمعايير مبادئ المحاصصة الحزبية والطائفية في تسمية مجلسها الرقابي، وهو منهاج عمل كل الدوائر الرسمية في العراق، بالتالي فإن فوضى الإعلام تحتاج إلى تشريعات جديدة وقوانين لمراقبة ممولي الفضائيات". وأضافت أن "السلطات العراقية لا تخشى من الإعلام الحزبي والمليشياوي، لأنه ينسجم مع طبيعة الاتفاقات السياسية، لكنها تلاحق وتضايق الصحافيين المستقلين والعاملين في المؤسسات العربية والأجنبية".

من جهته، أكد عضو فريق الرصد في بيت الصحافيين العراقيين، وهو منظمة محلية ناشطة في البلاد، علي حليم، أن "نحو 50% من المحطات الفضائية الحالية تأسست خلال السنوات الثمانية الأخيرة الماضية، وغالبيتها حظي بتمويل من قادة الفصائل المسلحة في سبيل الترويج لخطابها وعرض عناصرها الذين شاركوا في المعارك ضد تنظيم داعش، وقد استغلت هذه الفصائل المال الحكومي الذي خصص لها من قبل الدولة". وأضاف، متحدثاً لـ"العربي الجديد"، أن "هذه المحطات ليست أكثر من منصات ناطقة باسم الجهات المسلحة، وبالعادة تبث خطاباً تحريضياً وكراهية من خلال برامجها اليومية، لا سيما خلال فترات الاحتجاجات الشعبية التي ترفض السلاح المنفلت وتطالب بإصلاح النظام".

المساهمون