أصدر المرصد العربي لحرية الإعلام "اكشف" تقريره السنوي حول الأوضاع الإعلامية في مصر لعام 2023، بعد عشر سنوات من "الحكم العسكري" الذي بدأ بانقلاب 3 يوليو/ تموز 2013، ووصفته المنظمة بأنه "العشرية السوداء".
وأفاد التقرير الصادر اليوم الجمعة بأن السنوات العشر الماضية "أكثر سواداً على الإعلام المصري الذي واجه القمع، منذ اللحظات الأولى لبيان الانقلاب"، بإغلاق العديد من القنوات والصحف، ثم التحول نحو حبس عشرات الصحافيين.
ووفقاً لإحصائيات المرصد، تعرض أكثر من 300 صحافي لتجربة السجون، سواء من خلال أحكام بالحبس أو بقرارات حبس احتياطي، وشهد العديد منهم تجديد مدد الحبس بشكل مستمر، بالإضافة إلى استمرار وجود 45 صحافياً في السجون حتى الآن، حيث جرت إعادة تدويرهم على اتهامات جديدة من دون توجيه تهم رسمية وتقديمهم للقضاء.
"إعلام السامسونغ"
أكد تقرير "اكشف" السنوي حول الأوضاع الإعلامية في مصر لعام 2023 أن السنوات العشر الماضية شهدت تغييراً جذرياً في بنية الإعلام المصري، فـ"في الفترة التي تلت ثورة 25 يناير/كانون الثاني 2011، حيث كان الإعلام يتمتع بحريات واسعة، وصل الأمر إلى إعلام مقيد بشدة بعد الانقلاب وحتى الآن".
وأشار التقرير إلى أن ملكية وسائل الإعلام تحولت من ملكيات خاصة مستقلة إلى ملكية الدولة، والتي تُمثل في شركة المتحدة للخدمات الإعلامية المملوكة للمخابرات المصرية. وهذه الشركة استطاعت السيطرة على 90% من القنوات التلفزيونية والصحف الخاصة، وذلك من خلال صفقات تخارج قسرية، حتى لو تمت بشكل رسمي عبر عمليات شراء شكلية.
وأوضح المرصد أن "الإعلام المصري أصبح، خلال السنوات العشر الماضية، مادة للسخرية والتندر بسبب تشابه المانشيتات والطريقة التي يتعامل بها الإعلام مع بعض القضايا عبر الشاشات". وصف التقرير هذا الواقع بـ"إعلام السامسونغ"، وذلك في إشارة إلى جهاز هاتف من ماركة "سامسونغ" يحمله ضابط صغير يقوم بتوجيه رؤساء تحرير الصحف والقنوات إلى اتباع سياسات محددة تجاه بعض الأحداث.
قمع غير مسبوق
في ظل "هذا القمع غير المسبوق" حسب وصف التقرير، تراجعت أوضاع الإعلام المصري "بعد أن عاش فترة ذهبية عقب ثورة الخامس والعشرين من يناير".
وأظهر التقرير أن "مصر فقدت جاذبيتها الإعلامية، حيث انصرف القرّاء والمشاهدين إلى وسائل إعلام مصرية معارضة تبث من الخارج أو إلى بعض القنوات والمواقع الصحافية غير المصرية. هذا الانصراف تسبب في تراجع إيرادات الصحف والقنوات، ما أدى إلى تقليص العمالة والرواتب بشدة، وذلك في ظل الظروف المعيشية الصعبة التي تمر بها مصر. وبشكل عام، ظلت مصر في المنطقة السوداء لمؤشر حرية الصحافة".
وطالب المرصد العربي بتحقيق في مقتل العديد من الإعلاميين الذين كانوا يؤدون واجبهم المهني في تغطية الأحداث، وخاصة بعد مرور عشر سنوات على مذبحة رابعة في 14 أغسطس/آب 2013. وأشار التقرير إلى أن السلطات المصرية لم تقم بفتح تحقيق في جرائم قتل هؤلاء الصحافيين ومعاقبة المتهمين.
وكشف التقرير السنوي الصادر عن المرصد العربي لحرية الإعلام "اكشف" عن ارتفاع حالات انتهاك حقوق الصحافيين في مصر خلال فترة الحملة الانتخابية وحتى يوم الانتخابات الرئاسية. وقد وثق التقرير 23 انتهاكاً بحق الصحافيين خلال هذه الفترة.
وأظهر التقرير استمرار عمليات التضييق على حرية الصحافة بشكل عام، إذ تعرضت بعض المواقع الصحافية الخاصة، التي لا تزال خارج نطاق السيطرة الحكومية، لملاحقات قضائية أو إدارية بهدف منعها من تقديم تغطيات حرة. وقد شهدت مواقع، مثل "مدى مصر" و"ذات مصر" و"الحرية"، تصاعداً في حالات الاضطهاد.
وتعرضت بعض المواقع الصحافية الخاصة لملاحقات قضائية وإدارية بهدف تقييد تغطيتها الحرة. كما جرى تسجيل 47 إعلامياً جديداً في "قوائم الإرهاب"، من دون تقديم أي أدلة تثبت تورطهم في أنشطة إرهابية.
انتهاكات في السجون
أشار التقرير إلى وجود انتهاكات في السجون، خاصة في مجمع سجون بدر، حيث تعرض الصحافيون السجناء وأقاربهم لانتهاكات خلال الزيارات. ودعا المرصد والمنظمات الحقوقية الأخرى في بيان مشترك إلى التنديد بتلك الانتهاكات والمطالبة بوقفها.
ووفقاً لما أمكن فريق المرصد رصده، فقد شهد العام الماضي 366 انتهاكاً، ما يعادل انتهاكاً واحداً يومياً. و"قد تنوعت هذه الانتهاكات بين تجديد الحبس الاحتياطي بواقع 145 حالة، وقرارات إدارية تعسفية بواقع 69 حالة، وانتهاكات في السجون بواقع 47 حالة، وإدراج في قوائم الإرهاب بواقع 47 حالة، وانتهاكات خلال فترة الانتخابات بواقع 23 حالة، وقيود على النشر بواقع 13 حالة، ومنع ومصادرة بواقع 10 حالات، وحالتي اعتداء على مراسلين، وحالة اختفاء قسري".
وفي ما يتعلق بالأشهر، جاء إبريل/ نيسان في صدارة الانتهاكات بواقع 57 حالة، يليه يناير/ كانون الثاني بـ42 حالة، ثم يوليو/ تموز بـ37 حالة. وتوزعت الحالات الأخرى على باقي الأشهر بشكل متفاوت.
وكانت قضية التجديد المتكرر للحبس الاحتياطي بلا أساس قانوني هي واحدة من أبرز الانتهاكات، إذ تجاوز العديد من الصحافيين فترات الحبس الاحتياطي المقررة بسنتين، وجرى تجديد حبسهم بتهم جديدة بشكل متكرر.
وأكد التقرير أيضاً حدوث انتهاكات في السجون، حيث رصد 47 انتهاكاً ارتكبت بحق الصحافيين السجناء بأحكام قضائية أو بقرارات حبس احتياطي أو بذويهم. وكان أبرز تلك الانتهاكات هي الحرمان من العلاج والتريض وغيرهما من الحقوق التي تضمنتها لائحة السجون، وقد شكا عدد من الصحافيين والصحافيات خلال عام 2023 من مشاكل صحية بالغة، مثل توفيق غانم ومحسن راضي وهالة فهمي ومنال عجرمة وأحمد سبيع وغيرهم.