أعلنت بلدية أنطاليا التركية إلغاء النسخة الـ60 لمهرجان البرتقالة الذهبية، أقدم المهرجانات السينمائية في تركيا، بعد تطورات واستقالات، وسحب الحكومة دعمها للمهرجان. وقال رئيس بلدية أنطاليا محيي الدين بوجك الذي ينتمي إلى حزب الشعب الجمهوري المعارض، ليلة الجمعة ــ السبت، إن البلدية اتخذت قراراً بإلغاء المهرجان هذا العام، محمّلاً مدير المهرجان، المخرج أحمد بوياجي أوغلو، مسؤولية ما حصل، بعد استقالة هذا الأخير، واستقالة أعضاء لجنة التحكيم، مساء الجمعة.
وأفاد رئيس البلدية، قائلاً: "النقطة التي وصلنا إليها أن المهرجان الذي تحدى كل الصعاب رغم كل السنوات السابقة، تحول إلى أداة في يد البعض، ولن نساهم في تجاوز حقوق العاملين في قطاع السينما". وأضاف: "الموضوع يهمّ كل تركيا وأنطاليا والعاملين في قطاع السينما، ولهذا فإن بلديتنا التي تستضيف المهرجان اضطرت إلى اتخاذ قرار بهذا الصدد، وهو إلغاء المهرجان".
وحمّل بوجك مدير المهرجان المسؤولية، بقوله: "مدير المهرجان وفريقه الفني يتحملون المسؤولية، وكان عليهم أن يحولوا المهرجان إلى نموذج فني، وكانوا مكلفين اختيار المحتوى، ولكن المخرج وفريقه الفني لم يستطيعوا إدارة الأزمة جيداً، ولم تُحدَّد المشكلة". وأكد أيضاً: "بصفتي طرفاً يحاول أن يعود بمهرجان البرتقال الذهبية إلى أصل الفن السينمائي، وإضافته إلى المحتوى المحلي، لم أكن قادراً على قبول هذه التطورات، كان يجب أن يكون المهرجان فوق السياسة، ولن أسمح بأن يتحول المهرجان إلى أداة سياسية لطموحات بعض الأطراف". وبين أنه "بسبب كل ما سبق وما سبّبه فريق الإخراج وإدارة المهرجان، فإننا نلغي مهام جميع الفريق الفني، وأدعو كل محبي السينما والفنانين إلى دعم مهرجان البرتقالة الذهبية في أنطاليا، وبسبب التطورات التي كانت خارج إرادتنا، نعلن بحزن لمحبي السينما إلغاء المهرجان الذي كان مقرراً في الفترة 7-14 أكتوبر/ تشرين الأول المقبل".
وكان المهرجان قد شهد تطورات دراماتيكية سرقت الأضواء من العروض، تمثلت بداية باستقالة رئيسة لجنة التحكيم دمت آكباغ، وتخلي وزارة الشباب والرياضة عن دعمه.
والسبب وراء هذه التطورات الدراماتيكية، فيلم وثائقي "ذو حساسية سياسية"، أثار جدلاً حاداً. وقد أعلنت وزارة الثقافة والسياحة التركية، الخميس، سحب دعمها للمهرجان بسبب الفيلم المعروف بـ"قانون حكمو" أو "المرسوم"، الذي يحكي قصة مدرس وطبيب فُصلا من وظائفهما في تركيا بعد محاولة الانقلاب عام 2016.
بداية فصول التطورات جاءت بعد اعتراضات حكومية على إدراج الفيلم في برنامج المهرجان، ما أدى إلى إزالته من العرض من قبل اللجنة المنظمة. وردت لجنة التحكيم ومجموعة من المخرجين ببيانات تندد بقرار استبعاد الفيلم، مع التهديد بالانسحاب، معتبرين ذلك "محاولة للتدخل في حرية الفن". وفي استجابة لهذه الضغوط، أعيد إدراج الفيلم في البرنامج مرة أخرى.
وعلى الرغم من ذلك، أعربت وزارة الثقافة والسياحة التركية عن أسفها لاستخدام الفن للدعاية لما تعتبره "منظمة إرهابية". وقالت في بيان إنّ "من المحزن للغاية" أن تُستَخدَم قوة الفن في الدعاية لما أطلقت عليها "منظمة إرهابية"، في إشارة إلى حركة تعرف اختصاراً باسم "فيتو"، وهي جماعة الخدمة المتهمة بالوقوف خلف المحاولة الانقلابية.
بعد ذلك، أعلن وزير العدل التركي يلماز تونج، الجمعة، عدم "سماحه بالدعاية للإرهابيين ضمن المهرجان"، ما أدى إلى إزالة الفيلم مرة أخرى من العرض بناءً على تصريح من مخرج المهرجان أحمد بوياجي أوغلو، الذي أشار إلى تحقيقات تجري بشأن "دعم الإرهاب".
وتواصلت التطورات، فأعلنت وزارة الشباب والرياضة إلغاء دعمها السابق للمهرجان الذي كان من المقرر أن يُقام في قاعة أنطاليا الرياضية.
وأصدرت الوزارة بياناً يقول: "نعلن سحب دعمنا للمهرجان بسبب عمل الدعاية والمظلومية لجماعة الخدمة، ونعلن إلغاء تخصيص قاعة أنطاليا الرياضية للمهرجان لهذا السبب".
ونقلت وسائل إعلام تركية، منها قناة خبر تورك، أنّ "الحكومة ترى أن الفيلم يتضمن عبارات تقلل من اعتبار الدولة التركية وقرارات القضاء التركي من خلال الحديث عن القرارات التي أدت إلى طرد عشرات الآلاف من الخدمة، وسجن آخرين وذكرها في الفيلم".
وتوالت التطورات في المهرجان، حيث أعلنت رئيسة لجنة التحكيم، الفنانة التركية الشهيرة دمت آكباغ، استقالتها من منصبها بسبب التطورات الراهنة.
وفي بيان أصدرته، قالت آكباغ: "خلال أسبوع كامل، وبدل الحديث عن السينما وأن نكون مع السينما بشكل كامل، أعلن مغادرتي لمهامي في رئاسة اللجنة، بسبب الخطأ في التواصل وعدم إدارة الأزمة جيداً، وإدراج اسمي في أحداث لم أكن فيها، فسبّب كل ما سبق لي انزعاجات دفعتني إلى ترك مهامي".
ويعقد مهرجان البرتقالة الذهبية في أنطاليا منذ عام 1963، ويُعتبر واحداً من أهم الفعاليات في التقويم الثقافي التركي.
تجدر الإشارة إلى أن تركيا لا تزال تشهد تصاعداً في التوترات السياسية، حتى بعد انتهاء الانتخابات الرئاسية والبرلمانية التي جرت في مايو/ أيار الماضي. ومع اقتراب الانتخابات المحلية المزمع إجراؤها في نهاية مارس/ آذار المقبل، يظل الانقسام السياسي قائماً ويعكس تأثيره بجميع جوانب الحياة في البلاد.
ويلاحظ أن مشاهير الفن والموسيقى والسينما في تركيا يعبّرون بين الحين والآخر عن انتقاداتهم للحكومة التركية بسبب ما يعتبرونه تدخلاً في مجال الفن والثقافة، وتواجه بعضهم تحقيقات قانونية تتعلق بقضايا ترتبط بالانقسام السياسي والأيديولوجي.