"إضراب" نقابة الحرامية: 20 ممثلاً ومسرح

"إضراب" نقابة الحرامية: 20 ممثلاً ومسرح

17 نوفمبر 2022
لم يكن العرض منحازًا إلى طبقة بعينها (العربي الجديد)
+ الخط -

في مغامرة شبابية لافتة، استطاع فريق "سين" إزالة الغبار عن المسرح الغنائي، ضمن مشهد فني أردني آخذ في الاضمحلال. يحاول فريق "سين"، في مسرحيته العاشرة، "إضراب"، تقديم عرض فني متكامل من اللوحات الغنائية والرقصات، والحوارات الساخرة، التي تمثل مرآة لأحاديث الناس وهمومهم اليومية، على امتداد ساعة ونصف تخللتها أفكار محمّلة بالدلالات الاجتماعية والسياسية.
تتشكّل التحالفات والصراعات بين شخصيات العرض منذ الدقائق الأولى، في محاكاة واضحة ومباشرة لأنماط الإنتاج البسيطة القائمة عليها حارة الفناجين، ومسرح الأحداث في العرض، إذ سرعان ما يتحالف المال السياسي والدين وشبكة الفساد العميقة المتمثلة بنقابة "الحرامية".
هكذا، تتعقد شبكة العلاقات، وتثار تناقضات عوامل الإنتاج، ما يؤدي إلى بلوغ شكل مشوه من عقد اجتماعي مأزوم ومتوتر، يعكس في طياته هشاشة فترة ما بعد الربيع العربي. لم يكن العرض منحازًا إلى طبقة بعينها أو فكرة، بل اكتفى بعرض الواقع كما هو، تاركًا لشخصيات المسرحية عرض أفكارها ومواهبها واستقلاليتها في طريقة التمثيل والطرح.
يوضح معد النص ومخرج العرض، عناد بن طريف، أن مهمة الفنان ليست إصلاحية بالدرجة الأولى، بقدر ما هي محاولة لاستلهام ما يحدث والإشارة إلى مكامن النقص والخلل، وعكسها بالطريقة الإبداعية التي تراها عينه. وفعلًا، استطاع بن طريف أن يخوض هذه المغامرة بعشرين ممثلًا، مشيرًا إلى ذلك النقص في مفهوم الفنان الشامل؛ فقد واجه تحديات تتعلق بالغناء والرقص؛ فمشروع "سين" المسرحي قائم على العنصر البشري. وفي عرضهم العاشر، "إضراب" يقدم هؤلاء خطًّا فنيًّا متكاملًا، غناءً وأداءً على حد قوله.
بدوره، يروي أحمد معاليقي، مساعد المخرج ومدير العرض، حكاية فريق سين المسرحي، الذي بدأ داخل أسوار الجامعة، وامتد إلى خارجها، مشيرًا إلى تحديات يواجهها المسرح والممثل مع الثقافة العامّة، بوجود حالة مسرحية حقيقية في الأردن، وهذا أحد أهم أهداف الفريق في خلق هذه الحالة والعلاقة القريبة مع الجمهور.
وبالفعل استطاع العرض أن يقترب من الجمهور بطرحه الساخر، وتعريته طبقات المجتمع المتصارعة على توزيع الثروة، ليطرح سؤاله: "كيف يكون شكل العقد الاجتماعي إذا كانت السرقة مهنة رسميّة بدوام كامل؟". يقدم العمل قراءة عميقة في تأثير المال على الطبقات، وقدرته على تغيير الشخوص. ففي لحظة غير متوقعة تقوم "نقابة الحرامية" بإضراب شامل يشل نمط الإنتاج، في إشارة واضحة إلى أن السارقين ليسوا فقط من أعضاء النقابة.

غاب هذا النوع من العروض عن المسارح الأردنية لزمن طويل. يشير بن طريف إلى أنه خلال تجربته، منذ عام 2011، لم يرَ عملا مسرحيًّا غنائيًّا أردنيًّا خالصًا. من هنا بدأ يحلم في عرض غنائي متكامل، يعيد إلى الأذهان هذا الشكل الفني. ومن الجدير بالذكر أن القائمين على العمل محيطون بأزمة المناخ؛ إذ تخففت السينوغرافيا من المبالغة، واعتمد على قطع معاد تدويرها بالكامل. هنا، يشير مساعد المخرج إلى أن عرضهم المسرحي لم يقطع شجرة، ولم يستخدم البلاستيك.
في هذا السياق، يشير بن طريف، إلى أن فريق العمل أنجز ثماني مسودات للنص أثناء إعداده، معتمدًا على ألحان أصيلة من البيئة الأردنية. كل هذه عوامل ساهمت في تقديم عرض لفريق شبابي ما زال يتلمّس طريقه في بلد يعاني أزمات مركبة.

المساهمون