إضراب "تاريخي" في الوكالة الوطنية للإعلام اللبنانية

22 يوليو 2022
وزير الإعلام اللبناني: أتفهم موقف الموظفين، وأقدّر وضعهم (حسين بيضون)
+ الخط -

بدأت الوكالة الوطنية للإعلام في لبنان، اليوم الجمعة، إضراباً مفتوحاً عن العمل "لعلّ صمتها للمرة الأولى في تاريخها يكون أكثر بلاغة من صوتها الذي لطالما ملأ فضاء الإعلام وكان المورد الرئيسي للخبر اليقين على مساحة لبنان كلّه".

هذا جزء من مضمون بيان للوكالة الوطنية للإعلام جاء فيه أنه "بعد إعلانها الإضراب التحذيري الأسبوع الماضي ليومَيْن، وبعدما بلغ الوجع المعيشي مبلغاً لم يعد في استطاعة انسان تحمّله، تأسف اليوم لإعلانها الإضراب المفتوح، وتجدّد تأكيدها أنها وجدت نفسها مُكرَهة على الإضراب، بفعل تنامي جبل الصعوبات الذي لا يزال فريق عملها يحفره بإبرة الصبر، وبسبب استفحال الأزمات التي باتت تحول دون المواءمة بين الحسّ الوظيفي المسؤول والقدرة على بلوغ مركز العمل".

فكّ الموظفون والعاملون في الوكالة إضرابهم الذي استمرّ يومين الأسبوع الماضي، "إفساحاً في المجال أمام مساعي وزير الإعلام في حكومة تصريف الأعمال زياد المكاري، وذلك حتى مساء 21 يوليو/تموز، على أن يكون الإضراب مفتوحاً في كل الوزارة اعتباراً من صباح 22 يوليو، في حال لم نلمس أي خطوات فعلية إيجابية من المعنيين".

من المطالب التي يرفعها الموظفون والعاملون في الوكالة: تحويل الراتب على أساس سعر صرف 8 آلاف ليرة لبنانية (سعر الصرف الرسمي 1507 ليرات، بينما يلامس 30 ألف في السوق السوداء)، وإعطاؤهم ما يكفي من بدلات تنقل تمكنهم من الوصول إلى مراكز عملهم، وإفادة الصحافيين في الوزارة من بطاقات هاتفية مجانية تصدر عن وزارة الاتصالات، وإقرار تعديل مرسوم بدل الانتقال عن كل مهمة تغطية لمندوبي الوكالة بما يتماشى مع تغير سعر الصرف.

وأعلن موظفو قسم شراء الخدمات في الوكالة، بأقسامهم المختلفة، التوقف عن العمل إلى حين التجاوب مع مطالبهم، ضمنها "تعديل رواتبنا بشكل يسمح لنا بالاستمرار بالعمل، وتنظيم عملية تقاضي المستحقات شهرياً، ومساواتنا بزملائنا في الوكالة الوطنية لجهة تخصيص بدلات نقل، وشملنا بالتقديمات والتسهيلات التي ستخصص لهم". كذلك طالبوا في بيان بـ"تشريع مجموعة شراء الخدمات وتسوية وضعها في أقرب فرصة، لنصبح موظفين رسميين في وزارة الإعلام والوكالة الوطنية".

بالتزامن مع إضراب الوكالة، يواصل الموظفون والعاملون في القطاع العام توقفهم عن العمل للأسبوع الخامس، بعد رفضهم المقرّرات الأخيرة التي صدرت عن اللجنة الوزارية المكلفة معالجة تداعيات الأزمة المالية على سير المرفق العام، وضمنها دفع مساعدة اجتماعية تعادل راتباً كاملاً شهرياً، وإعطاء بدل نقل يومي عن الحضور قيمته 95 ألف ليرة، مع ربطها بالحضور يومين إلى مركز العمل، معتبرين أنها لا تلبي الحدّ الأدنى لمطالبهم.

ووقع الرئيس اللبناني ميشال عون، الأربعاء، مرسوماً يقضي بإعطاء مساعدة اجتماعية مؤقتة للعاملين في القطاع العام، وإعطاء وزارة المالية سلفة خزينة لتمكينها من سداد هذه المساعدة، وذلك بقيمة 3400 مليار ليرة شهرياً.

وكان وزير العمل في حكومة تصريف الأعمال، مصطفى بيرم، لفت في حديث لـ"العربي الجديد" إلى أن الخسائر اليومية من جراء الإضراب المفتوح تصل إلى 12 مليار ليرة لبنانية، وقال "إنهم (المضربون) يجب أن يقدروا أن لا إمكانات للقيام بما هو أكثر من ذلك، في ظل الأوضاع القائمة الصعبة في انتظار إقرار الموازنة".

يقول وزير الإعلام في حكومة تصريف الأعمال، زياد المكاري، لـ"العربي الجديد" إن "إضراب الوكالة الوطنية للإعلام مرتبطٌ بحالِ البلد ككلّ والإضرابات التي يشهدها القطاع العام، ولكن وضع الموظفين والعاملين فيها أصعب، فهم يداومون 7 أيام أسبوعياً، ويعملون صباحاً ومساءً، ولا دوامات ثابتة لهم، ومهامهم تتطلب أدوات كثيرة واتصالات وتنقلات باتت مكلفة جداً، ومن هنا استحالة الاستمرار".

ويلفت المكاري إلى أن "الضرر حتماً سيكون كبيراً، فالوكالة لم تتوقف سابقاً عن العمل، وهي مصدر الأخبار الأساسي في لبنان الذي تستند إليه مختلف وسائل الإعلام والصحافيين". ويضيف: "نأمل أن يكون هناك حل جدي الإثنين من جانب رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي للإنقاذ، وإيجاد حلول على مستوى البلد ككلّ".

ويوضح: "سننتظر حتى الإثنين، وسنترقب الوضع، وما إذا سيستمرّ الإضراب. الخوف يبقى من أن يلحق كل القطاعات"، لافتاً إلى أن "تلفزيون لبنان صامدٌ حتى الساعة، ووضعه يشبه طبعاً غيره، وسبق أن اعتصمَ العاملون فيه، ولكنه شركة خاصة مملوكة من الوزارة، والحلول فيه تبقى أسهل، لكن نتمنى ألا يطاوله الإضراب".

يضيف المكاري: "لا يعرف حجم المشكلة إلا من يعانيها. الموظفون يعملون صباحاً ومساء وحتى منتصف الليل. أحياناً يعملون بلا كهرباء، ولا يمكنهم شحن هواتفهم، وهناك موظفون لا يمكنهم الوصول إلى مراكز عملهم بسبب تكلفة البنزين العالية... الحلول التي تطرح حتى الساعة لم تلقَ قبول الموظفين، لأنها ليست على مستوى الأزمة، وأنا أتفهّم موقفهم، وأقدّر وضعهم، ومطالبهم محقة جداً".

من جهة ثانية، تقول المنسقة العامة لـ"تجمع نقابة الصحافة البديلة"، إلسي مفرّج، لـ"العربي الجديد" إن الوكالة الوطنية للإعلام والموظفين فيها "مظلومون، سواء مهنياً أو معنوياً، فوسائل الإعلام المحلية تذكر الوكالات الأجنبية التي تنقل عنها أخبارها وتعطيها حقها الكامل بذلك، على عكس التعامل مع الوكالة الرسمية، علماً أن دورها أساسي، ومن هنا فإن إضرابها يؤثر حتماً على المؤسسات الإعلامية ككلّ".

تضيف مفرّّج: "أقلّ ما يمكن فعله للموظف في القطاع العام إعطاؤه حقه، ليس فقط المادي، بل أيضاً في حرية التجمّع بكل أشكاله، ومن ضمنها الإضراب والتعبير عن الرأي، وهذا للأسف يُحارَب، إذ لا يريدون منحهم حقوقهم، ولا يسمحون لهم بالتحرك وإطلاق الصرخة، وذلك يُترجَم بالضغوطات التي يتعرَّض لها الموظفون والمتعاقدون مع الوكالة وباقي الموظفين في الإدارة العامة، وهو ما نلمسه مباشرة".

وتؤكد قائلة: "نحن كتجمّع، انطلاقاً من مبادئنا وأهدافنا، نقف وندعم الزملاء والزميلات في الوكالة، في إضرابهم واعتصامهم وحقهم في التظاهر وإصدار البيانات وحقوقهم المادية". وتتوقف عند ما يُحكى عن تُخمَة في القطاع العام، لتلفت إلى أن "هذا يعود إلى سياسات الزبائنية المُعتَمَدة من قبل مافيات الحكم، والحلّ يكون بإعادة النظر في أماكن التضخّم، لا معاقبة الموظفين كلهم".

في السياق، يقول مصدر ضمن مجموعة متعاقدي شراء الخدمات في الوكالة، لـ"العربي الجديد"، إنهم مُنِعوا من المطالبة بحقوقهم وتعرّضوا لضغوطات كبيرة، وتحديداً مع إصدارهم بيانهم، ووُضِعوا في آخر سلم الأولويات، علماً أنهم يعملون محررين ومندوبين على الأرض وفي المكاتب، ويتولون منصات مواقع التواصل الاجتماعي العائدة للوكالة، ويقومون بالمهام نفسها العائدة للموظفين الثابتين، لكنهم في المقابل غير مثبتين ولا يتقاضون رواتب شهرية بل سنوية، ولا يحصلون على بدل نقل رغم تغطياتهم الميدانية وتنقلاتهم لأماكن الحدث.

ويلفت المصدر الذي فضَّل عدم ذكر اسمه إلى أنه على الرغم من الأزمة الاقتصادية وما يعانيه متعاقدو شراء الخدمات، فقد اقتطع جزء من رواتبهم، أي نحو 300 ألف ليرة لبنانية، إبان عهد وزيرة الإعلام السابقة منال عبد الصمد، بذريعة أن لا مال في الدولة اللبنانية، مشيراً إلى أن معدل الرواتب للمتعاقدين يتراوح بين 11مليونا و13 مليون ليرة في السنة من دون بدلات نقل.

المساهمون