"أصوات لغزة"... هل توقف الكلمات المذبحة؟

29 مارس 2024
كيف يمكن أن نعيش بعد غزّة؟ ما الذي يمكن قوله؟ (فرانس برس)
+ الخط -
اظهر الملخص
- تجمع "الثقافة لأجل وقف إطلاق النار في غزة" في فرنسا يطلق صفحة "أصوات لغزة" على إنستغرام، حيث يقرأ ممثلون فرنسيون شهادات مؤثرة لغزيين تحت الحرب، بما في ذلك شهادات لأشخاص استشهدوا، لإيصال صوت الغزيين للعالم.
- الحملة تهدف إلى تسليط الضوء على معاناة الغزيين وإنسانتهم، بمشاركة شخصيات فنية مثل كاميليا جوردانا، لزيادة الوعي بالقضية الفلسطينية وتقديم دعم معنوي.
- تثير الحملة تساؤلات حول أثرها السياسي وتبرز أهمية الشهادات الفلسطينية كوسيلة لتحدي الروايات المضادة، مع التحديات التي يواجهها الفنانون في التعبير عن مواقفهم السياسية، مؤكدة على التزامهم بالقيم الإنسانية.

أطلق تجمع "الثقافة لأجل وقف إطلاق النار في غزة"، في فرنسا صفحة على منصة إنستغرام، تحمل اسم "أصوات لغزة" (Voices for Gaza)، يظهر فيها ضمن مجموعة من التسجيلات، ممثلون من فرنسا، يلقون فيها شهادات غزيين يرزحون تحت وطأة حرب الإبادة الجماعية التي يشنها الاحتلال الإسرائيلي. بعض أصحاب هذه الشهادات قد استشهد.

الممثلون والصحافيون المشاركون في الحملة، سبق وأن وقعوا على رسالة موجهة للرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، يطالبون فيها بـ"وقف إطلاق نار فوري في غزّة"، الأمر الذي لم يقرّره مجلس الأمن إلّا بعد ستة أشهر من حرب الإبادة.

الهدف من هذه الحملة، حسب البيان الذي أطلقه التجمع، هو "إيصال أصوات الغزيين التي تصمّ الحكومات آذانها عنها"؛ إذ تقرأ الممثلة والمغنية الفرنسية-الجزائريّة كاميليا جوردانا، مثلاً، شهادة زياد، ذي الـ35 عاماً. تقول واصفةً تجربتها في تصريح صحافي: "أتمنى أن تساعد هذه التجربة في أنسنة الغزيين، وزيادة الوعي بما يختبره الفلسطينيون منذ زمن طويل… أتمنى أن نساعدهم على أن يشعروا بوحدة أقل".

هذه الحملة ليست الأولى من نوعها؛ أطلق العديد من المنصات والمنظمات حملات تهدف إلى جمع شهادات ونصوص لفلسطينيين من قطاع غزة، تقرأها شخصيات عامة من فانين وممثلين ومغنين، في سبيل الحشد والتذكير الدائم بما يحدث في قطاع غزة. لكن، نتساءل: إلى أي حد تستطيع هذه "الأصوات" على ترك أثر سياسي؟ ربما، تندرج هذه الحملات في إطار حرب السرديات بين الاحتلال الإسرائيلي وأبواقه، وأنصار الحق الفلسطينيّ. إلا أن الإبادة تُبث مباشرةً على مرأى ومسمع "العالم" الذي ما زال يتفرج، وصوت القرار السياسي ما زال أعلى من صوت الإنسان.

تعبر كلمات الفلسطينيين الغزيين الحدود واللغات. شهادات من يعيشون الإبادة تثير القشعريرة في جسد المستمع. مهما كانت اللغة، الكلمة هنا تمثّل وصيةً من نوع ما، أو نشيداً، أو بصورة أدق؛ نداء موجه إلى العالم، الذي لا بد أن يعيد النظر في إنسانيته بعد ستة أشهر من الإبادة.

اللافت في هذه الحملة، كما في غيرها، أنها تعيد تقسيم العالم. هذه الكلمات، ونقيضها الذي يحرّض على الإبادة، يكشفان الشرخ العميق في الموقف من الاحتلال الإسرائيلي على الصعيد العالمي. نحن أمام لحظة إعادة النظر في الأيديولوجيا في النظام القائم، والمؤسسات الإعلامية والأكاديميّة. كلمات الضحايا شهادة ذاتية لكل من يرددها؛ إذ لا يرفض هؤلاء الفنانون ما يحصل وحسب، بل يخاطرون بعملهم وأسمائهم في سبيل الإنسانية نفسها. وهذا ما يكسب التجارب من هذا النوع قيمتها. الفرد هنا يضع "حياته" على المحك. فكما رأينا، قاطع بعض الشركات فنانين ومشاهير كثيرين بسبب موقفهم المناهض للاحتلال الإسرائيلي. لكن، أليس هذا أقل ما يمكن القيام به في مواجهة ماكينة الإبادة العسكريّة؟

جاء في الرسالة التي وجهها تجمع "الثقافة لأجل وقف إطلاق النار في غزة" إلى الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون العبارة التالية: "الكرامة الإنسانيّة على المحكّ". هذه العبارة تدفع إلى التأمل: هل هي على المحكّ فعلاً؟ أم أنها انتهكت إلى الأقصى؟ لا نتحدث فقط عن كرامة الفلسطينيين في قطاع غزة، بل كرامة كل مُشاهد صامت. وما هو المحك بدقة؟ هل يتمثّل في أن نفقد إنسانيتنا ونتأمل ما يحصل عاجزين؟ أليس هذا ما نعيشه يومياً؟ سؤال الكرامة الإنسانية يجب إعادة النظر فيه، لنطرح تساؤلاً آخر: كيف يمكن أن نعيش بعد غزّة؟ ما الذي يمكن قوله؟

ما من إجابة واضحة ونهائية عن السؤال، لكن ما نعلمه أن سؤال "أين أمي؟" الذي طرحه الممثل الفرنسي سوان أرلود على لسان محمود فروخ، سيبقى صداه متكرراً، بل ربما هو بالضبط المحك الذي تقف عنه الكرامة الإنسانيّة. أن يسأل الآلاف من الغزيين: "أين أمي؟" من دون أن يجدوا جواباً، هو بالضبط ما يعطب فينا شيئاً كبشر، خصوصاً أن السائل يحرك ناظريه بين الأشلاء والخراب.

المساهمون