"كلارك"... مغامرة الحرية والشهرة

29 يونيو 2022
أدى دور كلارك الممثل بيل سكارسغارد (نتفليكس)
+ الخط -

لم تكن طفولة السويدي كلارك أولوفسون (1947) كتلك التي قد يحظى بها أي طفل آخر؛ إذ وُلد لأب سكّير وعنيف، وأمّ مُحبّة لكن ما بيدها حيلة. كان الأب يضربه ويعنّفه من دون أي أسباب. في يوم ما، أُدخلت أمه إلى مستشفى الأمراض العقلية، أما هو فإلى دار أيتام. لاحقاً، أرسلته دار الأيتام كي يعيش مع رجل مُسنّ وقاس وعنيف ومتحرّش. هرب الطفل من ذلك الجحيم، ليواجه العالم، ويصبح، مع الوقت، أحد أكثر المجرمين شعبية في السويد وأوروبا.

قد لا يعني لنا اسم كلارك أولوفسون أي شيء. لكن هذا الاسم سيغدو مهمّاً لنا، بعد أن نعرف أنه من يقف وراء ما يُسمّى بمتلازمة استوكهولم، كما نشاهد في مسلسل "كلارك" (Clark) الذي صدر أخيراً عن "نتفليكس". كما سنعرف عند متابعة المسلسل (ست حلقات)، أن مغامرة السطو على البنك التي أدت إلى ظهور مصطلح "متلازمة استوكهولم"، ليست سوى واحدة من سلسلة مغامرات كثيرة خاضها كلارك (أدى دوره بيل سكارسغارد)، وربما أقلها أهميةً.

عاش الرجل، الذي يبلغ الآن الخامسة والسبعين من عمره، قرابة نصف حياته في السجن، أما النصف الآخر، فأمضاه في تجارة المخدرات وتهريبها، والترحال بين مختلف بلدان العالم، والسطو على بنوك ومتاجر ومؤسسات مالية مختلفة.

يُطرح المسلسل بصيغة أقرب إلى الكوميدية، لأن كلارك كان "لصّاً ظريفاً". ويُشكّك العمل الدرامي بدقة مفهوم متلازمة استوكهولم العلمي؛ فهو ليس بالاستسهال الذي نعهده، أي أنه ليس مقتصراً على أن الرهينة تحب مختطفها. الرجل كان وسيماً، وله كاريزما مميزة، ولم يكن يسعى إلى إيذاء أحد من الرهائن، وهذا ما كان يوضحه في كل عملية سطو يقوم بها. على العكس من ذلك، كان كريماً وعطوفاً مع الأشخاص الموجودين في المكان الذي يسطو عليه. كان يحيدهم ويبقيهم في غرفة مغلقة، مطمئناً إياهم أنه لن يتسبب لأي منهم بأي أذى، ينفذ عملية السطو بأقل أضرار ممكنة، ثم يهرب.

لم يقتصر نشاط كلارك الإجرامي على السويد، بل توسّع في عدة مدن أوروبية؛ إذ سطا على بنك في ألمانيا، وفي بلجيكا، كما هرب في إحدى المرّات إلى بيروت، معتقداً أنها "باريس الشرق"، كما سمع. هناك، تعرّف إلى تجّار المخدرات، وبدأ يعمل معهم، ثم عاد إلى السويد، وألقي القبض عليه.

وخلال أسفاره، وسرقاته، كان يلتقي كلّ مرة بامرأة، يورّطها في علاقة معه، ويُطلق لها الوعود، ثم يهجرها ويمضي إلى بلد آخر، أو يُلقى القبض عليه ويُرمى في السجن. كان له نظرياته الخاصة حول الحرية ومفهومها: "إذا لم أدخل السجن، لن أعرف معنى الحرية أبداً". كانت الحرية، بالنسبة له، التوق إليها، وليس الحصول عليها. كان، بطريقة أو بأخرى، يتعمّد أن يُزجّ به في السجن، كي يمنح نفسه الراحة من العالم الخارجي. كان يمضي وقته بالقراءة، وقيادة الثورات والإضرابات، وتحريض المساجين ضد المنظومة التي تحكم السجون في السويد.

في إحدى المرات، تسلّم رئاسة تحرير صحيفة مختصة في شؤون السجناء في السويد، بعدما درس الصحافة. وعبر هذه الصحيفة، استطاع إقناع السجناء، في عدة مراكز أمنية، أن يقيموا إضراباً عن الطعام، لتحقيق مطالبهم. طبعاً، لم يضرب هو عن الطعام فعليه "أن يبقى في صحة جيدة، كي يستطيع قيادة الثورة".

بتبرير كهذا، استطاع كلارك أن يتلاعب بكلّ من حوله؛ زوجته، حبيباته، أصدقائه، وحتى والدته. طوال الوقت كان يخلق تبريرات لنفسه وللآخرين حول ما يُقدم عليه من أفعال لم يهمّه منها سوى أمر واحد: أن يصبح رجلاً شهيراً، وقد كان.

المساهمون