"عاشق مُرخّص" (Certified Lover Boy) هو سادس ألبوم مُنتج داخل أستوديو لنجم البوب ومغني الراب الكندي، دريك (Drake)؛ إذ سُجّل تاريخ إصداره الرسمي، في الثالث من سبتمبر/أيلول الماضي.
أبرز ما يُميّز الألبوم هو، أولاً، عدد المشاركين الكبير، سواءً كضيوفٍ على الأغاني، أو مُنتجين/معاونين لها. الأمر الذي يكشف هول القوة الإنتاجية التي بات يملكها دريك في عالم الموسيقى الترفيهية، ليغدو اسمه علامة تجارية، أشبه بصناعة قابضة، قادرة على تأمين الموارد وتشبيك العلاقات العامة.
ثانياً، يُعد الإصدار استمراراً لهيمنة لون الراب الشائع في جنوب الولايات المتحدة الأميركية، والمعروف بـ "تراب" Trap. نمط يتسم بالسمة اللحنية والشكل المينيمالي التكراري، مقابل لون الساحل الشرقي والغرب الأوسط الإلقائي والخشن، الذي ظل سائداً خلال التسعينيات. لعل ذلك من الدلالات الثقافية على الانزياح الديموغرافي جهة المجموعة العرقية السوداء، ذات الأصول الأميركية اللاتينية (الهيسبانيك) ممثلاً في الفنون الجماهيرية.
ثالثاً، يعتمد الألبوم على استيراد أغان سابقة لنجوم سابقين، كانت قد لاقت شعبية في ما مضى، ثم معالجتها عبر وسائل تقنية، لتُشكل عربة موسيقية للأغنية. يصبح الألبوم، بذلك، أشبه بـ هولوغرام سمعي يُحاكي طوباوية الاستدعاء (أي إحياء الماضي بوسائل الواقع المعزز Augmented reality) التي تعد بها التكنولوجيا الحديثة. وفي ما يلي استعراض لأغاني الألبوم العشر الأولى.
"شِعر شامبانيا" (Champagne Poetry) أولى أغاني الألبوم. عيّنة مستوردٌة من تحفة فريق البيتلز "ميشيل" ((Michelle من ألبوم "ربر سول" (Rubber Soul) سنة 1965، والتي لحّنها عضوا الفرقة بول مكارتني وجون لينون.
عالج منتج الأغنية الكندي، نوح شبيب، الملقب بـ "40 ميشيل"، وذلك بتسريعها؛ إذ رفع من نبرة الصوت، لتحاكي صوت الأطفال. كما نسج لها جوقة غنائية تصاحبها. ثم شحنها بنقرٍ من آلة الكونتراباص الوترية، ليُضيف عليها نكهة الجاز.
على تلك الخلطة الصوتية، يدخل دريك بدفق شِعره، مناقضاً بمفرداته أجواء أغنية البيتلز الرومانسية. يتحدث عن هموم الحياة وصِعابها، في سياق نمطي من مزيج الوحدة والغربة، التي يعانيها سكان المدن الكبرى. أشد ما ميّز الأغنية، والألبوم عموماً، هو غياب النبض الإيقاعي الظاهر، مُمثلاً بأنواع الطبول الحية أو الإلكترونية، والاكتفاء بالإيقاع المستتر، مُجسّداً بدور الكونتراباص الحي.
"أبي في المنزل" (Papi’s home) تمضي على ذات المنوال؛ إذ يستورد المنتج، سوفاه ماريو Supha Mario، أغنية فنان الآر أند بي المعاصر، مونتيل جوردان Montel Jordan ذات العنوان المشابه (Dady’s home).
بأسلوب المطّ والتسريع، تُعالج العيّنة بما يُشبه التشويش المتعمد، فتتناهى كصوت الأورغن الكهربائي، السينثسايزر، الذي طالما ميّز حقبة الستينيات والسبعينيات، وما زال يُسمع إلى اليوم خلال الطقوس المسيحية عند الأفارقة الأميركيين.
هنا، ينسجم كلام دريك مع الإطار الموسيقي؛ إذ يتحدث عن أب يُخاطب ابنه، وقد ملأه الندم. بعد أن غاب عنه لتُربيه أمه وحدها: "كنت صبياً يسعى إلى أن يظهر كرجل. تركت ابني وحيداً ورحلت"، متخذاً من عنوان أغنية جوردان لازمةً، يردد دريك "داد إز هوم"؛ ها هو والدك قد عاد.
في "فتيات يرغبن بفتيات" (Girls want Girls)، يعود دريك بتلك الأغنية إلى علامته الغنائية الفارقة، التي يمزج من خلالها دفق الراب مع الغناء بأسلوب تمتمة مينينالية، ذات نسق إيقاعي مطرد، كما لو كان يغني كي لا يسمعه أحد.
تستضيف الأغنية فنان الراب ليل بيبي Lil Baby، ليشارك دريك بنظم الراب مُلحّناً، ومصاحباً بمعالجات إلكترونية هادئة رقيقة من إنتاج السويسري من أصل تركي أوزان يلديريم Ozan Yildirim والملقب OZ. تلمس الموضوعات الحب بين الفتيات. وإن استخدمت إطار المثلية الدارج لتتطرّق إلى العلاقات العاطفية بسياقها العام والعريض.
تتصل أغنية "في الكتاب المقدس" (In The Bible) بسابقتها، وتُسمع كامتدادٍ لها. لذا، تُميّزها ذات الأجواء الليلية اللطيفة. وتستضيف كلا من فناني الراب، ليل دورك Lil Durk، من ولاية إلينوي، ومغني الآر أند بي غيفون إيفانز Giveon Evans.
تُستهل "محبة الكل" (Love All) بعرض بمحاكاة مُقدمي البرامج الإذاعية. ثم يسترسل دريك بأسلوبه المعتاد الجامع ما بين الراب والترنيم. يتحدث عن مواضيع نمطية، لطالما ميزت هذا اللون الغنائي؛ كالعلاقة بين رفاق الحي، وعصابات الجريمة المنظمة والاحتكاك المعيشي المستمر بمظاهر العنف في المجتمعات المهمشة والفقيرة. يُشاركه في نظم الراب الفنان، والمنتج الموسيقي والإعلامي الملقب يجي زي Jay Z، أما الإنتاج بصورة رئيسية فيعود إلى أوزان يلديريم.
مع أغنية "تجارة عادلة" (Fair Trade)، يستمر الجو الليلي، العذب والرقيق، والذي مثّل علامة دريك التجارية في دنيا البوب والراب. في البداية، تُسمع أصداء غناء آر أند بي، بمعالجة إلكترونية. معالجةٌ يخضع لها صوت دريك نفسه، حين يبدأ الغناء؛ فتقنيات تحسين نوعية الصوت البشري بصورة رقمية، والتي وفّرت لكثير من أنصاف المواهب الغنائية فرص النجاح والشهرة، باتت تستعمل اليوم، ودريك نموذجاً، لغرض التلوين الصوتي.
الموضوع الذي تدور حوله الكلمات رومانسي. سينضم مغني الراب الموهوب، ترافيس سكوت Travis Scott، فضلاً عن مشاركته في إنتاج الأغنية، التي ترتكز بصورة أساسية على استرجاع صدى الجوق النسائي في الخلفية، فيما يتناوب كل من دريك وسكوت الغناء وإلقاء الراب في الواجهة، بأسلوب متشابه لا يخلو من خصوصية تُميّز كلّ منهما.
ننتقل إلى "شديد الفتنة" (Way 2 Sexy)، وتلك هي المفردة الرئيسية Lead single للألبوم. تعتمد، أيضاً، على استعادة أغنية للفرقة الإنكليزية "رايت سايد فريد"، التي كانت قد لاقت رواجاً كبيراً في أول التسعينيات بعنوان I am too Sexy. هنا، لا تُوظّف الاستعادة كعينة صوتية فقط. وإنما تُمنح حضوراً أوسع، من حيث اقتباسها في عنوان الأغنية، وتداول بعضٍ من كلماتها خلال الغناء وأثناء نظم الراب.
الناحية الإنتاج الفني، والذي اضطلع به المنتج برايان سيمونس والملقب TM88؛ تُعد تلك الأغنية الأكثر إثارة من بين أغاني الألبوم، وذلك من حيث الخلفية الإلكترونية الحادة المرتفعة وغير التقليدية، إضافة إلى كثافة التركيب وتعدد مناسيبه الصوتية، الأمر الذي لا يؤثر على السماكة أو الوزن. لتطل الأغنية خفيفة طائرة بصورة لطيفة، ومحفّزة، باعثة على القلق في آن.
بالنسبة إلى أغنية TSU؛ فأثارت (إنتاجياً) مقدمة الأغنية التي يُسمع فيها صوت المنتج ومغني الآر أند بي روبرت كيلي R Kelly ردود فعل مستهجنة من قبل المستمعين والنقاد على حد سواء؛ إذ إن الأخير متورطٌ في عدّة تهم، منها التحرش وتهريب البشر. تقنياً، يخضع الصوت إلى المؤثرات الإلكترونية، عبر مطّه وإبطائه هذه المرة، ومن ثم إضافة مدى الصدى. هكذا، وبمصاحبة الأجواء المطرية، تُفتتح الأغنية بأجواء درامية. فيما يتناهى صوت كيلي مُستفزاً يمزج ما بين الغزل والرعب.
إلى أن يدخل دريك مرنماً على طريقته، مرافقاً بالنسق الهارموني والإيقاع الإلكتروني. ليُقدّم موضوعاً حياتياً مُناقضاً تماماً. فيتحدث عن شابة تبحث عن بداية جديدة. بعد مصاعب كابدتها وأزمات مرّت بها. الوحدة والغربة في مواجهة العالم ما بعد الصناعي تبرز من جديد من بين ثنايا الكلام الدارج والسوقي الذي يُميّز صياغة الراب الشعرية.
N2Deep والعنوان بالأساس اسم فرقة للراب من ولاية كاليفورنيا الأميركية، اشتُهرت في حقبة التسعينيات من خلال أغنية مفردة بعنوان "العودة إلى الفندق" (Back to The Hotel).
أما الأغنية، فلها شكل عقد بحبّات مختلفة. تركيب خطي كأني به ينتقل من أغنية إلى أغنية أخرى مغايرة. أما ضيفها فهو فنان الراب فيوتشر Future، الذي سبق له أن استضاف دريك منذ عام، في أغنية له بعنوان "الحياة سعيدة" (Life is Good).
الأغنية التالية تحمل عنوان Pipe Down، وهي عبارة تستعمل في اللهجة العامية بمعنى "اصمت"، أو "اهدأ"؛ إذ يطلب دريك من عشيقته أن تهدأ وترتاح، بعد أن وفّر لها، كما تزعم الكلمات، كل وسائل الراحة والنجاح في علاقة عاطفية. أما الإطار الموسيقي، هنا، فيأتي مطابقاً للمضمون الموضوعاتي؛ حيث الشكل قريب من الجاز بنكهة الآر أند بي، الذي غالباً ما يجسّد الحب سمعياً في الثقافة الجماهيرية، وذلك في مراحله الرغدة، ومشاعر الرومانسية التي تصاحبها.
لعلّ تلك الأغنية، بشكلها ومضمونها، أحسن ما يُمثّل إسهام دريك الأساسي في عالم الراب. فمع إبقائه على الخطاب التحتي بشكله العام، المرتبط بحياة الجماعات العرقية المهمشّة، من فقر وجريمة ومواجهة مع قوى الدولة في إدارتها للفضاء العام، إلا أن دريك، الكندي من أم بيضاء البشرة، كان قد أضفى بعضاً من الرِقّة واللياقة، لا تخلو من سطحية، إلى مشهد الراب الخشن. وهو الأمر الذي جعل منه نجماً عابراً- جماهيرياً، يُجيد تقديم منتج موسيقي يرضي الجميع ولا يستثني أحداً.