"شاشات الواقع" في لبنان... وثائقيات تستعيد تاريخاً وتروي حاضراً

10 ابريل 2022
إيتل عدنان نواة وثائقيّ لجوانا حاجي توما (كاثرين بونشوت/ Getty)
+ الخط -

الاحتفاء بالسينما الوثائقية في بيروت ومناطق لبنانية أخرى، بفضل مهرجان "شاشات الواقع"، المُقامة دورته الـ17 بين 6 و14 إبريل/ نيسان 2022، يؤكّد مجدّداً أهمية هذا النوع السينمائي، عربياً وغربياً. التساؤلات المطروحة في الوثائقيات تستدعي تفكيراً وتأمّلاً بأحوال بيئات وأفراد، وتكشف اشتغالاتٍ فنية وتقنية وجمالية، تحوّل الصُور الفوتوغرافية والتسجيلات السمعية والتوثيق البصري والمتخيّل الإبداعي إلى متتاليات سينمائية، تغوص في أمكنة مغلقة في الذات والروح والتفكير والعلاقات، كما في اجتماعٍ وسياسة وعيشٍ.

"شاشات الواقع" ـ الذي تُنظّمه جمعية "متروبوليس"، بالتعاون مع "ناس ـ الشبكة العربية للشاشات البديلة"، وبدعم من "الصندوق العربي للثقافة والفنون (آفاق)" ـ يُكمِل تجربته الوثائقية في مهرجانٍ، يُكرِّم بيار باولو بازوليني وعطيات الأبنودي وكريس ماركر. الخروج من صالةٍ واحدة، بعيدة من قلب العاصمة اللبنانية، فعلٌ يترافق ورغبة في الذهاب إلى مُشاهدين إضافيين. ذهابٌ كهذا إلى مدينتي طرابلس (الشمال) وحمّانا (جبل لبنان) مطلوبٌ، فالتقوقع في بيروت، وتحديداً في صالة واحدة، يحول دون انفلاش السينما الوثائقية في الاجتماع اللبناني، خاصة أنّ سينما كهذه غير جماهيرية، في بلدٍ يزداد اهتراءً وخراباً. التمدّد الجغرافي في بيروت نفسها تنويعٌ، يُفترض به أنْ يجذب أناساً أكثر، معظمهم يرغبون في استعادة علاقة سليمة بالسينما، عبر مشاهدة أفلامٍ مختلفة في الصالات، رغم أنّ معظم الصالات المختارة غير سينمائية.

الاحتفاء نفسه مناسبة للتنبّه أكثر إلى علاقة مخرجين ومخرجات وثائقيين لبنانيين بالعائلة، أو بأحد أفرادها. يزداد حضور الأهل في أفلامهم، ويزداد الاهتمام بما لديهم من حكايات وتجارب وانفعالات، وبما يقولون ويبوحون، وبتصرّفات ومسالك وعلاقات. هذا يتكامل مع انصراف سينمائيين آخرين إلى أعماق بيئات اجتماعية، تنقيباً في مسامها، وسعياً إلى كشف ما فيها من أحوال وتفاصيل. الحرب دافع إلى إنجاز أفلامٍ، من دون أنْ تحضر مباشرة، إذْ تُمزج ذاكرتها بأحوال السينما وصالاتها ("خذني إلى السينما" للعراقي الباقر جعفر، "العربي الجديد"، 6 فبراير/ شباط 2022)؛ وانفجارٌ كالحاصل في مرفأ بيروت (4 أغسطس/ آب 2020) يُحرِّض على جولةٍ في أزقّة ونفوس، بحثاً في آثاره المتغلغلة في المدينة وناسها ("أخطبوط" للّبناني كريم قاسم، "العربي الجديد"، 6 نيسان/ إبريل 2022).

العودة إلى جذور عائلة وأهل امتدادٌ لتواصل وثائقي مع عائلة وأهل، والاشتغال على مسائل كثيرة. للبرازيلي كريم عينوز جذر جزائريّ، يجعله متحمّساً لسفرٍ إلى بلد أهل وأجداد، ساعياً إلى استكشاف جغرافيا جذوره تلك، وإرث الكفاح الجزائري ضد المستعمِر الفرنسي، من أجل الاستقلال. "الإبحار في الجبال" تكثيفٌ للرحلة والبحث، وتنقيبٌ في صُورٍ تحتلّ ذاكرة، أو تنبثق من راهنٍ. أما المأزق الاقتصادي ـ الاجتماعي، المتأتي من قرار رسمي في فرنسا بزيادة الضريبة على سعر الوقود (2018)، فيصبح مادة توثيقية لـ"شعب"، للفرنسي إيمانويل غرا، الذي يبحث في لحظة نشوء "السترات الصفراء"، والذي يُرافق أنياس وبونوا وناتالي وآلان تحديداً، في مواجهتهم النضالية ضد نظامٍ ضاغطٍ.

تكريمٌ آخر يختصّ بالأميركية اللبنانية إيتل عدنان (1925 ـ 2021). السينمائية اللبنانية جوانا حاجي توما تلتقي الكاتبة والفنانة عدنان قبل 16 عاماً، فتُصبحان صديقتين. المشترك بينهما كامنٌ في المدينة التركية إزمير، فالعائلة اليونانية لوالد جوانا مُجبرة، بعد سقوط الإمبراطورية العثمانية، على الخروج منها؛ ووالدة إيتل يونانية، مولودة في المدينة نفسها، ومتزوّجة ضابطاً سورياً في الجيش العثماني يختار لبنان منفى له حينها. هذا دافعٌ إلى إعادة رسم جغرافيا وعلاقات وتاريخ حافل بحكايات ومتغيرات وانفعالات وتساؤلات، تحوّلها جوانا حاجي توما إلى Ismyrna، الوثائقي الذي تُنجزه مع خليل جريج عام 2016 (50 دقيقة).

المساهمون