"إقناع" كاري كْراكْنِل: هشاشة نصّ وركاكةُ أداءٍ

05 اغسطس 2022
داكوتا جونسن: الجمال وحده لا يكفي (أنتوني هارفي/ Getty)
+ الخط -

 

قبل ظهور الأجزاء الـ3 لفيلمها الإيروسي المشهور "Cinquante Nuances de Grey"، لم تُحقّق الممثلة وعارضة الأزياء الأميركية داكوتا جونسن (1989) مجداً سينمائيّاً يُذكر. جمال بشرتها ونضارة وجهها يجعلانها مُحبّبة عند صنّاع السينما في أميركا وخارجها، رغم عدم توفّرها على قُدراتٍ مُذهلة، لا في الأداء ولا في مُمارسة سلطة على الكاميرا، بما يُمكن أنْ تتوفّر عليه من إمكانات أدائية، تجعلها تُحقّق انتصاراً حقيقياً على ذاتها، وتخرجها من النمط الأيقوني، الذي يتوسّل جمال الجسد لفرض سُلطةٍ سينمائيةٍ على المُشاهد.

هذا حاصل في "إقناع" (2022)، للبريطانية كاري كْراكْنِل، المُقتبس عن روايةٍ للإنكليزية جاين أوستن بالعنوان نفسه (1817). لكنّ كْراكْنِل لم تُحقّق طباقاً بصريّاً بين النصّ والصورة. فكتابة السيناريو (رونالد باسّ وأليس فكتوريا وينْسلو) جعلت الفيلم هشّاً، وبالتالي لم تخلق جديداً، لا سيما على مُستوى الحكي، حيث تعمّدت كْراكْنِل، منذ المَشاهد الأولى، خلق مساحات جماليّة، تُقدّم فيها داكوتا جونسون الفيلم بطريقةٍ مباشرة إلى المُشاهد.

بغض النظر عن أمانة تحويل العمل الأدبي إلى مُنجزٍ سينمائي، تُسجَّل أعطابٌ فنية كثيرة، مرتبطة بالأداء والتوليف والجماليّات، وتتّصل بتصحر الخيال وانعدامه في الصُوَر. وإلاّ، كيف يُفسَّر غياب مفهوم التخييل، الذي يُشكّل عموداً فقرياً، يُشيّد عليه كلّ فيلمٍ سينمائيّ؟ ثمّ، لماذا تتعمّد كْراكْنِل جعل الممثلة مركز الصورة السينمائية، والعامل الوحيد القادر على إنجاح الفيلم جماهيرياً؟ هذا رغم أنّها لم تُحقّق ما كانت تصبو إليه، لاعتمادها على أداءٍ غير فعّال ومُؤثّر، خاصة أنّ جونسن، في أفلامها الأخيرة، مُكرّرة ومُفتَعلة، ولا تخلق دهشةً بالنسبة إلى المُتلقّي.

جونسن تؤدّي دور شابة تُدعى آنّ إليوت، تُقنعها عائلتها بالزواج برجل بسيطٍ تُحبّه. لكنّهما يلتقيان بعد 8 أعوام، بعد تعرّض عائلتها للإفلاس، فترتبط الشابّة بعلاقةٍ جديدةٍ. قلبها يظلّ يحنّ إلى الحبّ الأوّل.

بهذه الطريقة البسيطة على مُستوى السرد، تقوم كاري كْراكْنِل في رحلةِ مشاعر وبوحٍ وعشقٍ وحبّ. ورغم أنّ النصّ الروائي معروفٌ في الأدب الإنكليزي، بوصفه آخر نصّ في حياة كاتبته، إلاّ أنّ كْراكْنِل لم تستطع تحويل أحداثه إلى ملحمةٍ بصريّة، تكشف فيها عن الإمكانات الفنّية والمُنعرجات الجماليّة التي يُتيحها النصّ الأصلي. لذلك، بدت كأنّها تعاملت ميكانيكياً مع النصّ، ووضعت كلّ رهانها على أداء الممثلة، إلى درجةٍ يُخيّل فيها للمُشاهد أنّها حاولت استغلال شهرة الرواية، والاشتغال عليها بصرياً، لكنّ النتيجة كانت مُخيّبة للآمال.

 

 

جرت العادة أنْ يتم تحويل موضوع الرواية إلى صُوَر، فيُتخلّى منهجياً على مفاهيم السرد والحكي، كما نُعاينهما في الرواية، بعد الاحتفاظ السينمائي ببعض أحداث الرواية، وجعلها عبارة عن أثرٍ أو ظلّ في الصورة السينمائية، مع ضرورة استرجاع مفهومي السرد والحكي كما يتبلوران في السينما. غير أنّ العكس تماماً حدث في "إقناع"، إذْ تعاملت كاري كْراكْنِل مع المادّة الفيلمية باعتبارها رواية سرديّة، يتمّ نقل أحداثها بشكلٍ ميكانيكيّ، من دون إخضاعها للأفق البصريّ. هذا بالضبط يُشكّل أحد مآزق غياب التخييل، بطريقة غدا فيها مجرّد نصّ أدبيّ مُحوّل بصرياً، مع الاحتفاظ بمقادير وتوابل وخلائط الجنس الروائيّ، من دون أيّ تجديدٍ أو تجدّد على مُستوى الصورة في تعاملها مع مفهوم الحدث الروائي سينمائياً.

هناك ارتباكٌ مهول حاصلٌ اليوم في السينما الهوليوودية، إذْ يُعتَقد أنّ منح أدوارٍ سينمائية لشخصياتٍ أيقونية، في الموسيقى والتلفزيون والأزياء والمسرح، قادرة على إنجاح الفيلم. بدت هوليوود كأنّها تتحوّل إلى إمبراطورية تجارية، تتوسّل السينما من أجل تحقيق انتعاشِ اقتصادي. هذا ليس عيباً بالمرّة، طالما أنّ القطاع السينمائي الأميركي قادرٌ على ذلك، ويُدرّ أموالاً ضخمة. لكنّ المُحزن أنْ تتحوّل أسماءٌ فنّية أيقونية إلى الفنّ السابع، من دون أيّ رقيبٍ نقديّ، يُفكّك سرّ هذا الانتقال ومعضلته، حتّى وإنْ حقّق الفيلم نجاحاً تجارياً كبيراً، فجماليّاته بالنسبة إلى الناقد تظلّ هشّة ومُتصدّعة، ولا تخدم سيرورة الفنّ السابع وحداثة صُوَره السينمائية.

علماً أنّ نمط الفيلم التجاري، الذي كرّسته هوليوود منذ ثمانينيات القرن الـ20، يُعدّ سبباً رئيسياً في ذيوع هذه الوجوه الأيقونية في السينما، وقُدرة الرأسمال المادّي على التأثير فيها، وفي صُوَرها. فمن الذي يمنع داكوتا جونسن من ولوج السينما، في وقتٍ ربما تُصبح فيه مُنتجة سينمائية أيضاً، تدعم الفيلم بملايين الدولارات الأميركية. كما أنّ المُشاهد العادي يتسلّى بهذه الوجوه، ويُحبّ مُشاهدتها وهي تعتلي عرش السينما، بما يُحقّقه هذا الوسيط البصريّ من شهرةٍ واسعة، مقارنةً بالموسيقى والرقص والأزياء، التي تظلّ كمُمارسات فنّية حكراً على شريحة مُعيّنة من المجتمع.

المساهمون