الدراما اليمنية: "سد الغريب" ومحاولة إنقاذ الموسم

21 مايو 2020
يُعرض مسلسل "جمهورية كورونا" الذي أُنتج على عجالة (Getty)
+ الخط -
مع كل موسم درامي رمضاني، نجد أنفسنا أمام السؤال نفسه: إلى متى تبقى هذه الدراما أسيرة لشكل واحد محصور بسطوة الأصوات العالية وإظهار اليمنيين على هيئة مهرجين لا يقدرون على الكلام بنبرة خفيضة عاقلة. جماعة من الممثلين يتحركون أمام الكاميرا ويتكلمون في ما بينهم وكأنما يُخرجون ذلك الكلام من مجهود شخصي، ارتجالي، غير مستند إلى سيناريو مكتوب ومُنجز ينبغي أن يسيروا عليه.
ومع تكرار النماذج نفسها في كل عام، يُستعاد السؤال الأزلي: لماذا يحرص أهل هذه الدراما على إظهار الفرد اليمني على هذه الهيئة حتى صارت صورته لدى المُشاهد العربي! (وعلى وجه الخصوص خلال العشرين سنة الأخيرة مع تزايد قنوات البث الفضائية ودخول المحطات اليمنية في برمجتها!) صورة المُهرج الذي يحكي أي كلام لا يحمل أيّ منطق أو سياق درامي، ويأتي كل هذا بأصوات مرتفعة على الدوام!
وحتى لو عدنا إلى الوراء زمنياً، إلى ما قبل دخول المحطات اليمنية في مدار البث الفضائي، سنجد أن مشكلة هذه الدراما قد أحدثت اشتباكاً مجتمعياً لم تتمّ مسألة معالجته إلى اليوم بين أهل الشمال اليمني وجنوبه. فخلال فترة إعادة تحقيق الوحدة اليمنية بين الشمال والجنوب (مايو/ أيار 1990)، تم إنتاج عملين دراميين؛ أولهما في الشمال وكان اسمه "حكايات دحباش" (بطولة آدم سيف)، وفي الجنوب "بشبوش وأبو الريش" (على الرغم من كونه كوميديا خاصة بالأطفال)، بقيادة الفنان الراحل أبو بكر القيسي، وهو واحد من روّاد المسرح في شبه الجزيرة العربية.
وقد حصل بعد بثهما أن تحوّلت الوحدة اليمنية إلى شكل من أشكال سيطرة السلطة الشمالية على الناس في الجنوب، بإدارة من الرئيس الراحل علي عبد الله صالح الذي تعامل مع الجنوب كغنيمة. فكرة تكرست بتنفيذ حربه على الجنوب في صيف عام 1994. لم تعد العلاقة بين الطرفين كما كانت قبلها. تمّت استعادة كل شيء كي ينال كل طرف من الآخر. وكانت العلامات الدرامية أولها. صار الجنوبيون يشتمون الشماليين بمفردة "دحباش"، نسبة للمسلسل إياه، وبالعكس أيضاً، إذ يصف الشماليون الجنوبيين بـ"بشبوش". صارت الدراما كمادة صالحة للشتيمة. كل طرف يصف الثاني بأن حياته نوع من التهريج.
وهكذا يبدو أن لا أحد يستفيد من الماضي. ما زالت الدراما تمارس التهريج نفسه، لكن مع تزايد رقعة السخرية من الجغرافيا اليمنية إلى العربية، وقد انتشر البث الفضائي اليمني وصار مُشاهداً ومُتاحاً في الخارج.
وفي دراما رمضان هذا العام ظهر أكثر من عمل، يمكن التركيز على ثلاثة منها.

مسلسل ببطل واحد
أولها "غربة البن"، بجزئه الثاني (كتابة وسيناريو وإنتاج وبطولة صلاح الوافي). لعلّ هذه المسألة والتوليفة لوحدها ستشي بالهيئة التي سيظهر عليها هذا العمل المحصور بشخصية واحدة، وقد كان كريماً حين أعطى مسألة الإخراج لوليد العلفي. وهو عمل هدف في الجزء الأول منه للبحث في قصص الغربة اليمنية وإشكالياتها، وفي الثاني سعى إلى البحث في قصص أهل اليمن الساعين إلى رحلة علاج في الخارج، وما يرافقها من إشكاليات. وهي من الأساس قصص عادلة، لكن المراهنة تبقى على كيفية طرحها على مائدة تناول، وبأي حال لا ينفع التهريج أو السيناريو الهش وسيلة لمعالجتها.

المقيمون هناك
في زاوية أُخرى، سنجد مسلسل "جمهورية كورونا"، من بطولة الفنّان الشعبي فهد القرني (هو نفسه المخرج المُساعد للمخرج العراقي فلاح الجبوري). من اسم العمل نفسه، سندرك قصة العجالة التي تمّ على أساسها تنفيذ العمل. ما بين ظهور وتطوّر فيروس كورونا وتحوّله إلى وباء عالمي. هل تكفي هذه المسافة الزمنية لإنتاج عمل درامي مكتمل؟ ومن المشهد الأول، يظهر أن المسلسل يتمّ تصويره في مدينة عمّان الأردنية مع بداية فرض حظر التجول بسبب الفيروس، ومحاولة من أفراد في أجهزة ذلك البلد المتخصصة في توضيح أهمّية منع التجول لمقيمين يمنيين هناك. لكن تبقى المشكلة الأبدية التي تحرص الدراما اليمنية عليها وبإصرار هي إظهار أحفاد اليمن السعيد على هيئة جهلاء متخلّفين لا يعرفون التعامل مع الغرباء ويفقدون عقولهم أمام أيّ فتاة لا تضع منديلاً على رأسها.

سدّ الغريب
لكن، مع ذلك، لا بد من نقطة ضوء تحصل على فترات طويلة في طريق هذه الدراما المُتعبة والضائعة في وحول التهريج وتوابعه. فمن زمن غير قصير، لم نجد عملاً بمستوى "سدّ الغريب" (قصة هاشم حمود هاشم وعبد الله يحيى إبراهيم، سيناريو يسرى عبّاس وإخراج هاشم حمود هاشم). وقبل كل هؤلاء سنجد عودة كبيرة لنبيل حزام، وهو واحد من كبار رواد الدراما الإذاعية والمسرحية اليمنية، وهو بطل العمل.
المحتوى اليمني وإشكالياته ومشاكله وصعوبات الحياة التي تعصف بقلب الريف هناك هي العناصر الرئيسية التي يرتكز عليها العمل، مثله مثل أيّ عمل محليّ. لكن فرادة المسلسل لا تأتي من ذلك على وجه التحديد، حيث سنجد اختلافاً في طريقة الطرح على الشاشة الصغيرة من طريقة حركة الكاميرا وجودة الصورة ومهارة تحرّك الممثلين أمام تلك الكاميرا. من بداية إعلان الشارة والطريقة التي تم تنفيذها بها، سنتواجه مع شكل مختلف لم يحصل من قبل ويجعلنا نسير بعده حلقة وراء أُخرى. وفوق ذلك فكرة الغموض التي تجري خلاله. اللعب على مسألة الزمن والعودة إلى الوراء في فلاشات لعلّها تتطلّب مُشاهداً صبوراً، غير كسول، وقادراً على المتابعة، إضافة لتعداد حالات القتل الكثيرة التي تحصل في كل حلقة على نحو تقريبي. كل هذا يحتاج لجهد من جهة المُشاهد. وخلال كل ذلك سيكون المُشاهد نفسه، ولن يُنكر ذلك، مرتاحاً لجمال الصورة التي يراها أمامه على الشاشة.
المساهمون