زوكربيرغ يقدم فروض الولاء لترامب: عالم بلا حقائق

09 يناير 2025
اتهم زوكربيرغ أوروبا بإضفاء طابع مؤسساتي على الرقابة (Getty)
+ الخط -

استمع إلى الملخص

اظهر الملخص
- أعلنت شركة ميتا عن إيقاف برنامج التحقق من صحة الأخبار في الولايات المتحدة، مما أثار قلقاً واسعاً بشأن تأثيره على الديمقراطية وانتشار الأخبار المضللة.
- أثار القرار مخاوف من تفاقم الأوضاع في بلدان مثل ميانمار والهند، حيث تُستخدم المنصة لنشر خطاب الكراهية.
- في أوروبا، أثار الإعلان قلقاً بشأن تأثير السياسات على القارة، مع دعوات لحماية الدول الأعضاء من التدخل السياسي، وسط مخاوف من تلبية مصالح سياسية محددة.

قبل أيام من تنصيب دونالد ترامب رئيساً للولايات المتحدة، أعلن رئيس شركة ميتا مارك زوكربيرغ فجأة، الثلاثاء الماضي، وضع حد لبرنامج التحقق من صحة الأخبار على "فيسبوك" و"إنستغرام" في الولايات المتحدة. هذه الخطوة أثارت قلق سياسيين وصحافيين وناشطين حقوقيين حول العالم، حذروا من خطورتها على الديمقراطية والمجتمعات.

دخلت "ميتا" عالم التحقق من صحة الأخبار غداة فوز ترامب المفاجئ في انتخابات 2016، والتي قال معارضوه إنه كان نتيجة حملة تضليل واسعة على "فيسبوك" وتدخل جهات خارجية بينها روسيا، عبر الشبكة الاجتماعية. لطالما واجهت المنصة انتقادات من المحافظين الذين وجدوا أنفسهم هدفاً لعملها ضد التضليل. لكن موقف زوكربيرغ، وغيره من كبار مسؤولي التكنولوجيا، تغير منذ إعادة انتخاب ترامب في نوفمبر/تشرين الثاني الماضي. إذ توجه زوكربيرغ، وكذلك الرئيس التنفيذي لـ"آبل" تيم كوك، ومؤسس "أمازون" جيف بيزوس، للقاء ترامب في مقر إقامته. وأعلنت "أمازون" و"ميتا" عن تبرعات بقيمة مليون دولار لصندوق تنصيب ترامب، كما فعل كوك بصفته الشخصية لا باسم "آبل". في الأثناء، يعد إيلون ماسك، مالك منصة إكس المؤثرة والشخص الأغنى في العالم، من أقرب مستشاري الرئيس المنتخب.

يتناقض الوضع تماماً مع ما كان عليه عندما حجبت حسابات الرئيس الجمهوري في "فيسبوك" و"تويتر" (قبل استحواذ ماسك عليها وتغيير اسمها إلى إكس)، إثر اتهامه بالتحريض على العنف، بعدما اقتحم أنصاره الكابيتول في مسعى لتغيير نتيجة انتخابات 2020. وبعد أربع سنوات هزّت خلالها إدارة جو بايدن القسم الأكبر من القطاع عبر تحقيقات مكافحة الاحتكار، بات ترويج المقربين من ترامب لحرية التعبير والتخلي عن القيود التنظيمية جاذباً لهذه الشركات.

هكذا، أعلنت "ميتا" أنها ستوقف برنامجها لتقصّي صحة الأخبار في الولايات المتحدة، وتستعيض عنه بملاحظات المجتمع، على غرار ما هي الحال على منصة إكس. وندّد زوكربيرغ بـ"تحيّز سياسي كبير" لدى مدققين اتّهمهم بأنهم "ساهموا في إضعاف الثقة بدلاً من تعزيزها، وخصوصاً في الولايات المتحدة". وبالتزامن مع هذا القرار، تراجعت "ميتا" عن القيود المفروضة حول مواضيع مثل الجندر والهوية الجنسية، وهي خطوة تخشى جماعات المناصرة أن تؤدي إلى تأجيج خطاب الكراهية. ستسمح "فيسبوك" و"إنستغرام" الآن للمستخدمين باتهام الأشخاص بـ"المرض العقلي أو الشذوذ" بناءً على جنسهم أو توجههم الجنسي. كما بات مسموحاً الإشارة إلى النساء باعتبارهن "أدوات منزلية أو ممتلكات"، والسود باعتبارهم "معدات زراعية".

عالم بلا حقائق

حذرت الصحافية الفيليبينية الحائزة جائزة نوبل للسلام ماريا ريسا، أمس الأربعاء، من "وقت بالغ الخطورة" للصحافة بعد قرار شركة ميتا. وقالت ريسا في مقابلة مع وكالة فرانس برس: "يقول مارك زوكربيرغ إن الأمر يتعلق بحرية التعبير. هذا غير صحيح". وأضافت: "لا يمكنكم المطالبة بذلك إلا إذا كان دافعكم الربح... وتريدون السلطة والمال". وتابعت: "الأمر هنا يتعلق بالأمن".

ريسا شخصية رائدة في مجال مكافحة الأخبار المضللة. وشاركت عام 2012 في تأسيس منصة رابلر الرقمية للصحافة الاستقصائية، وهي وسيلة إعلامية سلطت الضوء على العنف المرتبط بحملة مكافحة المخدرات التي أطلقها الرئيس الفيليبيني السابق رودريغو دوتيرتي. واعتبرت ريسا أن ترامب تمثّل بدوتيرتي حين توعّد خلال مؤتمره الصحافي الأول بعد الانتخابات بـ "تصويب" الصحافة الأميركية "الفاسدة".

وذكّرت بأنه يتعيّن على الصحافيين احترام "مجموعة من المعايير والأخلاقيات"، وأشارت إلى أن منصة فيسبوك "ستتخلص من ذلك، وستسمح للأكاذيب والغضب والخوف والكراهية بإصابة كل شخص على المنصة"، لافتة إلى أن هذه الإجراءات قد تؤدي في النهاية إلى "عالم بلا حقائق".

يذكر أن دراسة أجرتها عام 2023 الشبكة الدولية لتقصي الحقائق التي تضم 137 منظمة لتدقيق المعلومات وجدت أن برنامج "ميتا" شكل "مصادر دخل مهمة" للجهات الفاعلة في هذا القطاع.

زوكربيرغ يثير مخاوف أوروبية

الثلاثاء الماضي، أشار زوكربيرغ إلى أن هذه التغييرات قد تصل إلى أوروبا أيضاً. واتهم أوروبا بإقرار "عدد متزايد من القوانين التي تضفي طابعاً مؤسساتياً على الرقابة"، مردداً خطاب إيلون ماسك الذي لطالما انتقد مساعي الاتحاد الأوروبي لتنظيم الفضاء الإلكتروني. ورد متحدث باسم الذراع التنفيذية للاتحاد الأوروبي على تصريحات زوكربيرغ قائلاً: "نحن ندحض تماماً أي ادعاءات بالرقابة"، مشيراً إلى أن "لا شيء على الإطلاق في قانون الخدمات الرقمية يجبر أو يطلب من المنصة إزالة المحتوى القانوني".

سيحتاج الاتحاد الأوروبي إلى كامل ترسانته القانونية مصحوبة بالرغبة السياسية لمواجهة شركات التكنولوجيا الأميركية الكبرى فور عودة دونالد ترامب إلى السلطة، في وقت يتهم فيه كل من إيلون ماسك ومارك زوكربيرغ التكتل بممارسة "الرقابة". عزّزت بروكسل ترسانتها القانونية لاستهداف كبرى المنصات الرقمية. لكن منذ فوز ترامب، تجنّبت القيام بأي تحرّك ملموس ضد شركات التكنولوجيا الأميركية، في مسعى على ما يبدو لتجنب إثارة حفيظة الإدارة الأميركية المقبلة.

سوشيال ميديا
التحديثات الحية

قالت "ميتا" إنه لا خطط لديها في الوقت الراهن لوضع حد لعملياتها في التحقق من صحة الأخبار في الاتحاد الأوروبي. لكن وفقاً لمصادر عدة، أرسلت المجموعة إلى المفوضية الأوروبية، الثلاثاء، تقرير تقييم للمخاطر في ما يتّصل بتعديل سياساتها المتعلّقة بالمحتوى. باستثناء موقف المفوضية، لم يصدر الاتحاد الأوروبي أي تعليق على قرار "ميتا".

لا يشعر الجميع بالرضا عن موقف الاتحاد الأوروبي. حضت فرنسا المفوضية، الأربعاء، على حماية الدول الأعضاء من التدخل في النقاش السياسي، خصوصاً من قبل ماسك، وقال وزير خارجيتها جان-نويل بارو: "إما أن تطبق المفوضية الأوروبية بأعلى درجة من الصرامة القوانين التي وضعناها بأنفسنا لحماية فضائنا العام، أو أنها لا تقوم بذلك، وسيتعين عليها إذاً الموافقة على إعادة سلطة القيام بذلك إلى الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي".

وفي المملكة المتحدة، وصفت تشي أونوراه، عضو البرلمان عن حزب العمال البريطاني ورئيسة لجنة العلوم والتكنولوجيا في مجلس العموم التي تحقق في كيفية تأجيج التضليل عبر الإنترنت لأعمال الشغب في الصيف الماضي، قرارَ زوكربيرغ استبدال مدققي الحقائق المحترفين بمستخدمين يراقبون دقة المنشورات بأنه "مقلق" و"مخيف للغاية".

ورأت منظمة "آرتيكل 19" أن هذه الخطوة تمثل "محاولة صارخة لتلبية مصالح سياسية محددة". وجاء في بيان عممته المنظمة البريطانية المعنية بحقوق الإنسان وحرية التعبير في أعقاب قرار "ميتا": "يبدو أن النهج الذي حدده مارك زوكربيرغ يكرر عن كثب نقاط الحديث المأخوذة من وسائل الإعلام المحافظة في الولايات المتحدة، التي انتقدت منذ فترة طويلة ممارسات تعديل المحتوى الخاصة بشركة ميتا باعتبارها متحيزة ليبرالياً مع القليل من الاهتمام بحقوق الإنسان الفعلية وتحديات حرية التعبير على منصاتها". وأعربت المنظمة عن قلقها بشأن تصريحات زوكربيرغ حول "العمل مع الرئيس ترامب للرد على الحكومات في جميع أنحاء العالم التي تلاحق الشركات الأميركية"، وأبدت مخاوفها من أن هذه طريقة سياسية "ملائمة لتقويض أي محاولات للمساءلة من خلال تنظيم التكنولوجيا" التي يعمل عليها الاتحاد الأوروبي.

وقالت الرئيسة التنفيذية لمشروع American Sunlight Project، نينا جانكوفيتش، في منشورٍ على موقع بلوسكاي: "إن إعلان زوكربيرغ يعكس الرضوخ التام لترامب ومحاولة ملاحقة ماسك في سباقه نحو القاع".

واعتبرت صحيفة ذا غارديان البريطانية أن مارك زوكربيرغ "لم يُدمّر نماذج الصناعة فحسب، بل دمّر أيضاً الأعراف الاجتماعية وتوقعات موثوقية المعلومات". وأضافت الصحيفة أنه في الجنوب العالمي "قلب حياة الناس رأساً على عقب".

في الجنوب

تبدو المخاوف أكبر خارج الولايات المتحدة، حيث قالت فرانسيس هاوغن، الموظفة السابقة في "ميتا"، إنها أصبحت مُبلغة عن المخالفات "لإنقاذ أرواح الناس، وخصوصاً في الجنوب العالمي، الذين أعتقد أنهم معرضون للخطر بسبب إعطاء فيسبوك الأولوية للأرباح على الناس".

في ميانمار، ألقى محققو الأمم المتحدة باللوم على انتشار خطاب الكراهية على "فيسبوك" في تأجيج المذابح التي قتلت عشرات الآلاف من مسلمي الروهينغا. واعترفت المنصة بأنها استُخدمت للتحريض على العنف خارج الإنترنت. في الهند، اتُّهمت شركة ميتا بالفشل في وقف انتشار خطاب الكراهية المعادي للإسلام، والدعوات إلى العنف ونظريات المؤامرة المعادية للمسلمين على منصاتها.

وكما حذرت ماريا ريسا، فإن الأمر يتعلق بالسلامة. ستكون هذه التغييرات مدمرة في كل مكان، لكنها تهدد بأشد الضرر في البلدان التي تتمتع فيها "ميتا" بهيمنة غير عادية على السوق، حيث تعمل الحكومات نفسها على بث خطاب الكراهية أو التضليل.

في أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، أفادت منظمة العفو الدولية لحقوق الإنسان بأن السلطات في الفيليبين تستخدم منصة فيسبوك "لإدراج علامات حمراء" على الناشطين الشباب، وهو مصطلح يشير إلى تصنيف الناشطين وغيرهم على أنهم "متمردون شيوعيون" و"إرهابيون".

عام 2018، بعد مذبحة مسلمي الروهينغا على يد الجيش في ميانمار، اعترفت "فيسبوك" بأن المنصة استُخدمت "لإثارة الانقسام والتحريض على العنف خارج الإنترنت". وبعد ثلاث سنوات، أكدت منظمة حقوق الإنسان "غلوبال ويتنس" أن "فيسبوك" روجت لمحتوى يحرض على العنف ضد المتظاهرين السياسيين في ميانمار. وقالت "فيسبوك" إنها اكتشفت بشكل استباقي 99% من خطاب الكراهية الذي أُزيل من المنصة في البلاد.

المساهمون