سوق فراس... ساحة شعبية في غزة القديمة

06 فبراير 2018
دعوات لتجديد السوق على هيئته التراثية(عبد الحكيم أبو رياش)
+ الخط -
يضم سوق "فراس" الشعبي، وهو أحد أقدم الأسواق في مدينة غزة، على حسبة للسمك، ومحلات لبيع اللحوم والخردوات والأدوات المنزلية، والفواكه والخضروات، وتديره بلدية المدينة التي تحصل إيجار بعض المحال التجارية منه، بينما تدير وزارة الأوقاف أجزاء أخرى، إلى جانب بعض المُلاك والورثة. لكن خلافات تنشب أحيانا بين المُلاك والجهات الرسمية، حول ملكية أرض السوق، تصل إلى حد القضاء. 
ولا تتجاوز مساحة سوق فراس، 33 دونماً، ويقع في الناحية الغربية لبلدية غزة إلى الغرب من مدينة غزة القديمة، وقد اشتهر السوق التراثي بأهميته الاستراتيجية لدى سكان أهالي غزة، وتحديداً مناطق "الزيتون، عسقولة، الدرج، الصبرة"، إلى جانب مناطق أخرى تعتمد عليه في توفير الحاجيات الأساسية.

ويعتبر سوق فراس من الأسواق المركزية في مدينة غزة، يعمل طوال أيام الأسبوع، لكنه ينشط أكثر في يومي الجمعة والسبت، إلى أن ساءت الأوضاع الاقتصادية في غزة نتيجة الحصار الإسرائيلي عليها، ما أثر سلباً على نشاطه الاقتصادي، وأضعف الحركة الشرائية فيه، كغيره من الأسواق.
ويجهز الستيني الفلسطيني أبو أسامة حجاج لفافة "سلك جلي" لصفها في المكان المخصص لها بين أدوات التنظيف أمام دكانه في "سوق فراس" الشعبي، والذي اعتاد على البيع فيه منذ 50 عاماً، كانت شاهدة على عدة حقب تاريخية مر فيها قطاع غزة. ويقول أبو أسامة لـ"العربي الجديد" أنه بدأ العمل مع والده في دكانه في بداية الستينيات، إذ كانت الحركة التجارية نشطة، مضيفاً: "اعتدت على هذا المكان، وأصبح جزءاً مني، كونت فيه الكثير من الصداقات، حتى غدا أساساً من أساسيات روتيني اليومي".

وتنتشر بين الحين والآخر، أحاديث عن إزالة السوق القديم لبناء محال تجارية حديثة بدل منها. ويقول حجاج عن ذلك: "لا أعارض تجديد السوق، لكن يجب ألا يتم تغيير ملامحه التراثية، كونه أحد أبرز المعالم القديمة التي تدلل على الوجود الفلسطيني، والذي اعتادت عليه شريحة من أهالي غزة".
ويوافقه في الرأي جاره أبو سامح السكني، وهو بائع سمك، إذ يقول لـ "العربي الجديد" إن السوق معروف منذ عشرات السنوات لأهالي القطاع "اعتاد الناس على الشراء من دكاكين، كان قبل ذلك يشتري منها آباؤهم (..) الزبائن ورثوا حب التسوق من سوق فراس، كما ورث الباعة هذه الدكاكين القديمة". ويضيف الستيني السكني: "لا شك في أن البيع اختلف كثيراً عن السابق نتيجة الأوضاع الاقتصادية السيئة، لكننا أمضيناً عمرنا في حسبة السمك، ولا يمكننا التفكير في البيع في منطقة أخرى"، مبيناً أن السوق يمثل "الروح" بالنسبة لأصحاب المحال التجارية القديمة، ورثوا البيع فيه عن أجدادهم، ويورثونه لأبنائهم.


ويبدأ سوق فراس من الناحية الشمالية بخان الخضار والفواكه، ويمتد جنوباً في شارع يحوي حسبة السمك على اليسار، ومحال لبيع اللحوم والأدوات المنزلية على اليمين، ويتفرع منه شارع غرباً لبيع مختلف أدوات البناء وتعمير المنازل، ويضم عدة مناجر وورش لتصنيع وبيع الألومنيوم والحديد.
أما أبو رياض البلعاوي (65 عاماً)، فيشير لـ "العربي الجديد" إلى أنه بدأ العمل عام 1967 مع والده في حسبة السمك، وكان والده يعتمد على عدة جهات لتوفير السمك، منها حسبة سمك مدينة غزة، والسمك المستورد من مصر والضفة الغربية، مضيفاً: "كان الصيد وفيراً، وكان البيع مُجدياً".
ويوضح البلعاوي أن سوق فراس يعتبر من أبرز الأسواق التاريخية في مدينة غزة، إذ يشتهر بين أهالي القطاع ببساطته واحتوائه على كل الحاجيات الأساسية، مبيناً أن السوق شهد كغيره من مناطق قطاع غزة أحداثاً تاريخية، أبرزها كانت في الانتفاضة الأولى عام 1987، عندما شهدت أروقته مواجهات بين المواطنين وقوات الاحتلال الإسرائيلي، كانت تنتهي بإغلاق السوق، وطرد الباعة منه.

من ناحيته؛ يقول الشاب حامد السويسي إن والده ورث مهنة بيع "اللحوم والكُرش" عن جده أبو فؤاد السويسي قبل عشرات السنوات، مضيفاً: "كان يأتي المتسوقون من كل مناطق غزة ومن الأراضي الفلسطينية المحتلة عام 1948".

وبدأ فايق الغندور العمل في سوق فراس الشعبي منذ عام 1962، إذ كان يساعد والده في بيع الخردوات. يقول الغندور إنه في تلك الفترة كانت السيادة للحكومة المصرية، حتى عام 1967، حيث بدأت بعدها بلدية غزة بفرض الضرائب والإيجارات، وتحويل الدكاكين المصنوعة من صفائح الزينكو، إلى بناء إسمنتي.
ويوضح الغندور لـ "العربي الجديد" أن سوق فراس بالنسبة له "حياته" بعد أن كون صداقات و"عشرة عمر" مع الزبائن والجيران، مضيفاً: "بدأت حياتي في السوق، وستنتهي فيه، علينا جميعاً المحافظة على الأماكن القديمة والتراثية، بدلاً عن إزالتها".
دلالات
المساهمون