الخيال العلمي.... سينما وصلت متأخرة إلى العالم العربي

28 يناير 2017
قدم نور الشريف "قاهر الزمن" عام 1987( فيسبوك)
+ الخط -
شهد النصف الثاني من القرن التاسع عشر ولادة نوع جديد من الأدب لم يكن معروفاً من قبل، وهو "الخيال العلمي"، وهو نمط إشكالي، أتاح لخيال الكاتب تصور العالم برمته في ظل تغير بعض المعطيات العلمية، وعالج الروائيون الرواد في هذا الأدب، مثل: جول فيرن وجورج ويلز، قضايا متعلقة بمخاوف الإنسان من التطور العلمي المتسارع، وكذلك الخوف من المجهول. وحاز هذا النوع من الأدب جماهيريةً واسعة حينها، ولكنه لم يرقَ لذائقة النقاد والنخبة، الذين فضلوا الأدب الواقعي عليه. وبسبب شعبية هذا النمط الأدبي، انتقل سريعاً إلى سائر أنواع الأدب والفنون، ووَجد في السينما المناخ الأكثر ملائمة له؛ ففي سنة 1902، أخرج جورج ميلس أول فيلم خيال علمي، وكان فيلماً صامتاً، مدته 16 دقيقة، وصور الفيلم العالم كما تخيله ميلس على سطح القمر، من خلال معارك بين سكان القمر والمهاجرين من الأرض.
وحققت أفلام الخيال العلمي، عبر تاريخها، نجاحاً باهراً، وتزداد شعبية هذا النمط السينمائي يوماً بعد يوم، في الوطن العربي والعالم؛ ويتراوح عدد أفلام الخيال العلمي الذي تنتجه السينما الأميركية كل سنة، ما بين 6 – 10 أفلام، وهو تقريباً، نفس عدد أفلام الخيال العلمي الذي أنتجه الوطن العربي عبر تاريخه.


عادةً، ما يعتبر النقاد أن أول فيلم عربي ينتمي لنمط الخيال العلمي، هو فيلم "السبع أفندي"، الذي أنتج سنة 1951، والذي تدور أحداثه حول موظف، يمتلك في أحلامه قوى خارقة، ولكن تصوير هذه الهواجس والعوالم المتخيلة، لا يعطي الفيلم طابع الخيال العلمي؛ فأفلام الخيال العلمي يجب أن تكون مقترنة بتصور لعوالم ممكنة، ناجمة عن التطور العلمي والرؤى المستقبلية، التي من شأنها أن تغير شكل العالم؛ وأما عوالم الأحلام أو حتى السحر والأسطورة الدينية، فهي تنتج أفلام خيالية أيضاً، ولكنها لا تندرج تحت تصنيف الخيال العلمي.
وأما أول فيلم عربي يستوفي شروط ومؤهلات أفلام الخيال العلمي، فهو فيلم "رحلة إلى القمر"، الذي أنتج سنة 1959، وهو من إخراج حمادة عبد الوهاب، وبطولة إسماعيل ياسين ورشدي أباظة. وفي الفيلم يتسبب الصحافي، إسماعيل ياسين، بإطلاق الصاروخ إلى الفضاء قبل إنهاء آخر الرتوش على الاختراع العلمي، ويتم ذلك عن طريق الخطأ، حيث يضغط بمؤخرته على مفتاح التشغيل، ليجد إسماعيل ياسين نفسه رفقة المختصين يتجهون نحو القمر، ويقابلون على سطح القمر رجلاً يعيش هو وابنته مع رجل آلي؛ ويتمتع الفيلم بحس كوميدي عالٍ، سواء من حيث أداء الممثلين وسيناريو الفيلم، وكذلك بالطريقة التي صور فيها الفيلم العوالم المستقبلية بشكل فاقع.




وسواء اعتبرنا فيلم "رحلة إلى القمر" أول فيلم خيال علمي عربي، أو سلمنا أن فيلم "السبع أفندي" هو الفيلم الأول، فإنه من الواضح أن أفلام الخيال العلمي العربية اقترنت بالكوميديا، منذ بدايتها، فهي لم تهتم بمعالجة مخاوف الإنسان من مصير الإنسانية، ولم تشغل نفسها بوضع تصورات جادة للمستقبل. ولم يختلف الحال في أفلام الخيال العلمي التي أنتجها المصريون في حقبة الستينات والسبعينات؛ ففي سنة 1961، أنتج ثاني أفلام الخيال العلمي، وهو "ه3"، والذي يتمكن فيه العجوز الثمانيني "المعلم عباس"، الذي يقوم بدوره رشدي أباظة، بالعودة لمرحلة الشباب بفضل عقار طبي، وبعد أن يرتكب الأخطاء والمعاصي، يقرر أن يعود لعمره الحقيقي، ورغم أن الفيلم يبدو كسياق عام يحمل رسالة جادة، إلا أن الأسلوب الذي قدمت به الأحداث كان كوميدياً وترفيهياً. وأما فيلم "أرض النفاق" 1968، فهو يستنزف قضية القدرات العجائبية للعقارات الطبية.
وفي سنة 1972، أنتج فيلمان من نمط الخيال العلمي، وهما "العالم" و"آدم والنساء"، وما يميز الفيلمين عن التجارب السابقة، هو إقحام عوالم الخيال العلمي الافتراضية بغرض تجسيد قصص عاطفية، دون أن تتخلى هذه الأفلام عن نزعتها الكوميدية؛ بيد أن فيلم "آدم والنساء" يبدو بنسيجه وحبكته أكثر اتزاناً وتقدماً، وهو أول فيلم عربي يعبر عن المخاوف من نهاية العالم.
وبعد هذا التاريخ، توقف إنتاج أفلام الخيال العلمي العربية قرابة 15 سنة، ليعود هذا النمط في سنة 1987، بتجربة جادة، وهي الأولى من نوعها في السينما العربية، من خلال فيلم "قاهر الزمن"، والذي قام بدور البطولة فيه، نور الشريف، وعالج قضية رغبة البشر الدائمة بتحدي الموت، من خلال اكتشاف طريقة للتغلب على الزمن، وتجميد الجسد لسنوات إضافية. وكرر الشريف تجربة أفلام الخيال العلمي سنة 1993، في فيلم "الرقص مع الشيطان". وفيلما الشريف، هما الفيلمان الوحيدان اللذان يصنفان بإطار الخيال العلمي العربي، ولا يمكن تصنيفهما كأفلام كوميدية؛ وربما نستطيع أن نضيف إليهما فيلم "آدم بدون غطاء" 1990، والذي كان محاولة لإعادة صياغة "آدم والنساء" بصيغة أكثر جدية.
وفي الألفية الثالثة، ظهرت محاولات عدة، أعادت لأفلام الخيال العلمي العربي طابعها الكوميدي، فكان فيلم "سمير وشهير وبهير"، الذي قدمه الثلاثي أحمد فهمي، شيكو وهشام ماجد، سنة 2010، بمثابة العودة الحقيقية والمؤثرة لهذا النمط. وفي الفيلم، تتكفل آلة الانتقال عبر الزمن بخلق مناخ كوميدي متميز، حيث يلتقي أبناء الجيل الجديد بجيل الآباء في السبعينيات، ويتمكن الثلاثي من خلق الكوميديا رغم الظروف السيئة والنهاية غير المثالية.

المساهمون